"لا يزال العبد مقرونًا بالتواني ما دام مقيمًا على وعد الأماني"

الحكم الربانية
طبوغرافي

الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الإسلامى

الدكتور

القرآن الكريم يصنع منا أمة صادقة، { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} قال يعمل وليس يتمنى، ولك أن تتمنى كل ما شئت من خير الدنيا، تمنَّ كيفما شئت . أن تملك الدنيا كلها، لا حرج، لكن تعمل على قدر الأماني، الطالب لا يكون مقصرًا في مذاكرته، ويقول سأكون الأول على الجمهورية، أو على مدرسته، أو على فصله، لا هذه أماني خادعة، هذه أماني كاذبة، { فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}

من كان يرجو لقاء الله فليعمل، لم يقل فليتمنَّ، وأن يعمل عمل صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا، الحياة لا توهب لأصحاب الأماني، وإنما توهب الحياة لأصحاب الأفكار الطيبة، التي تنزل إلى أرض الواقع دون أن تبقى مجرد أمنيات، الأمنيات الصادقة تحتاج إلى عمل، والعمل يحتاج إلى إخلاص لله الملك عزّ وجلّ.

المقصود بالتواني، أي أن يؤجل الإنسان كل شيء مع التسويف، سأفعل هذا غدًا أو بعد غد، وهكذا، اليوم أنا مُتعَب، هذا هو التواني. أصحاب التواني يعيشون على الأماني، لا يفعلون شيئًا، لأن القلب إما أن يحلق في الملأ الأعلى، وإما أن يحلق في الأحراش، كما قال الإمام بن القيم، أستاذنا الكبير: "القلب له جناحان يحلق بهما فإما أن يحلق عاليًا في الجنة وأما أن يحلق في متاهات الأرض"
صاحب الأماني دائما يعيش في خيالات وأوهام، فلا تقوم له قائمة، ولا يُعتمد عليه، قال تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عاقبة الظالمين} يقول الإنسان صاحب الأمانى: كنت أتمنى أن أعمل كذا، ولكن لا يفعل، أصحاب العقول الراجحة هم الذين يحدّدون أهدافًا بسيطة في حياتهم ثم يركزون عليها، ويسعون إلى تحقيقها بجدهم واجتهادهم.

الذي يركب الدابة وهي مريضة، ويقول سأصل بها من طنطا إلى أسوان كاذب خادع لنفسه، يعيش على التواني، ويعيش على الأماني، ولم يعش على الصدق، ولم يعش على أن يواجه نفسه بعيوبها، ما ضيع الناس إلا أنهم عاشوا بين التواني وبين الأماني، عندك أعمال كثيرة، تريد أن تفعلها، البيت غير نظيف، ويجب تنظيفه، وعندك أعمال لا تحتمل التاجيل، تقول: سأفعل هذا غدا، ثم يأتى الغد، فتؤجلها إلى بعد غد، وهكذا.

وهكذا يؤجل العمل إلى أن يصير الوضع صعبًا جدًّا، وتمر الأيام والأيام، وأنتَ وأنتِ تعيشون على التواني، التواني كملة المقصود بها الإبطاء في أمور ينبغي أن تفعلها ولا تحتمل التأجيل.

خدعوك فقالوا: إن العاجز هو المعاق حركيًّا، أو الكبير في السن، إنما العاجز هو صاحب الأماني التى لا يسعى إلى تحقيقها، الذي يتمنى ويشتهي أشياء كثيرة دون أن يبذل من التضحية ما يستطيع به الوصول إليها، تريد أن تكون من أصحاب العلم وأصحاب الإيمان، ومن أهل القرآن، وأنت نائم طوال اليوم ليلا ونهارا. كيف هذا؟
إذًا كل إنسان له أماني، فلابدّ أن يكون عنده من العمل ما يغطي الأمنية التي يريدها، لن تستطيع أن ترتقي الجبل بالأماني، وإنما بالهمة التي تبعث فيك القوة على أن تكون الأول على مستوى الجمهورية في الثانوية العامة، وليس الثانى، لأن الأول ليس أفضل منك في شىء، هذا معناه أنك ليس عندك تواني فى السعى لتحقيق الأمامي.

حكمة اليوم دعوة إلى أن تتوب عن التواني، فأنت لست عاجزًا، فالنبى صلى الله عليه وسلم تعوذ من هذا، فقال صلى الله عليه وسلم: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ والْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا والْمَمَاتِ"