"ما أحببت أن يكون معك في الآخرة فقدِّمه؟"

الحكم الربانية
طبوغرافي

الأستاذ الدكتور/ أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الإسلامى

الفضيلة أخيرة 33

الكافر يوم القيامة لا ينتفع بعمله، قال تعالى: {قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ}، ومهما قدّم من عمل لله تعالى فإنه مردود ولن يفيده بشيء، لأنه لم يؤمن بالله تعالى. وإن كان متصدقًا، وإن كان سخيًّا، وإن كان رحيمًا بالضعفاء والمساكين، لكنه لم يشهد لله في حياته بالوحدانية، ولم يؤمن بالرسل ولا باليوم الآخر.

أخى الكريم.. هذه الأرض شاهدة لك أو عليك، هذا الكتاب شاهد لك أو عليك، الدابّة شاهدة لك أو عليك، فانظر كيف تتعامل مع هذه الأشياء، أصحاب النبي صلوات ربي وسلامه عليه، كانوا يعملون للآخرة وليس للدنيا، إذا كانت الدنيا همك، ستبقى تدور في فلكها، ولن تأخذ منها إلا ما قدّر الله عزّ وجلّ لك.

أما إذا كانت الآخرة همك، فإن الله تعالى عزّ وجلّ سيحميك من فتن الدنيا، وسيحميك من الناس، فالأعداء كثيرون.

هل تريد أن يكون لك نور وبرهان ونجاة يوم القيامة؟
عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه ذكر الصلاة يومًا فقال: "من حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبيّ بن خلف". رواه أحمد والدارمي والبيهقي في شعب الإيمان وصححه الألبانى.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "من سره أن يلقى الله غدًا مسلمًا فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهنّ فإن الله تعالى شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى، وإنهنّ من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحطّ عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف، وفي رواية لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد عُلم نفاقه، أو مريض إن كان الرجل ليمشي بين رجلين حتى يأتي الصلاة، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا سنن الهدى وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه" رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.

اجعل شعارك: {وعجلت إليك ربِّ لترضى}.
قال الله تعالى: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يَا مُوسَىَ * قَالَ هُمْ أُوْلاءِ عَلَىَ أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبّ لِتَرْضَىَ}
اختار موسى عليه السلام من قومه سبعين رجلًا حتى يذهبوا معه إلى الطور، ليأخذوا التوراة، فسار بهم ثم عجل وسارع موسى من بينهم شوقًا إلى ربه عزّ وجلّ، وخلّف السبعين، وأمرهم أن يتبعوه إلى الجبل.

فقال الله مخاطبًا موسى عليه السلام {وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يَا مُوسَىَ} أي وما حملك على العجلة حتى تركت قومك وخرجت من بينهم؟
قال موسى عليه السلام مجيبا لربه تعالى: {هُمْ أُوْلاءِ عَلَىَ أَثَرِي} أي هم بالقرب مني قادمون يأتون من بعدي، وسيصلون في أثري ينزلون قريبًا من الطور، {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبّ لِتَرْضَىَ} وأنا سبقتهم لتزداد رضًا بمسارعتي إلى امتثال أمرك.

ما أجمله من ردّ وما أعظمه من تعبير وما أكرمه من شعار، حين تتعجّل في خطاك إرضاء لربك، فإنَّه ينبغي للمؤمن أن يُسارِع في الخيرات؛ فالعمر قصير، والأجَل قريب، وابن آدمَ لا يَدرِي متى يأتيه الموت، و المسارعة إلى الخيرات تعني المبادرة إلى الطاعات، والسبق إليها، والاستعجال في أدائها، وعدم تأخيرها.

قال تعالى: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران: 113-114]
وقال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133].
قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} السابقون في الدنيا إلى الخيرات سبقوا في الآخرة إلى الجنات، فإن السبق هناك على قدر السبق هنا.

ماهي الأعمال التي تجلــب لـك النور يوم القيامة؟
1- المشي إلى المساجد في الظلمات خاصة صلاة الفجر وصلاة العشاء، قال النبى صلى الله عليه وسلم: "بشر المشّائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة".

2 - اتمام غسل الأعضاء كاملة عند الوضوء، قال حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم: "إن أمتي يأتون يوم القيامة غرًّا محجلين من أثر الوضوء. فمن استطاع أن يطيل غرته فليفعل".

3 - أهل يوم الجمعة (الناس الذين لهم اهتمام خاص بيوم الجمعة) قال النبى صلى الله عليه وسلم: "إن الله عزّ وجلّ يبعث الأيام يوم القيامة على هيأتها، ويبعث يوم الجمعة زهراء منيرة أهلها محفون بها كالعروس تهدى إلى كريمها تضيء لهم يمشون في ضوئها ألوانهم كالثلج بياضًا، وريحهم يسطع كالمسك، يخوضون في جبال الكافور، ينظر إليهم الثقلان ما يطرقون تعجبًا يدخلون الجنة لا يخالطهم إلا المؤذنون المحتسبون".

4 - قراءة سورة الكهف يوم الجمعة. قال النبى صلى الله عليه وسلم: "من قرأ سورة الكهف كانت له نورًا إلى يوم القيامة، من مقامه إلى مكة، ومن قرأ عشر آيات من آخرها ثم خرج الدجال لم يضره، ومن توضأ فقال: سبحانك اللهم و بحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، كتب له في رقّ، ثم جعل في طابع، فلم يكسر إلى القيامة".

كل الأعمال السابقة تجلب لك النور يوم القيامة، وتجعلك من أهل النور.