من نزل به بلاء فليتصوره أكثر مما هو يهن، وليعلم سرعة زواِله وثوابَه

الحكم الربانية
طبوغرافي

الإستاذ الدكتور /أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الإسلامى

%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%83%d8%aa%d9%88%d8%b1

عندما تنزل المصيبة بالإنسان، فيقابلها بالصبر والاحتساب فإن الله تعالى يخففها ويهونها عليه، وعندنا في الإسلام منهج الرضا بالقضاء والقدر، فالرضا بالقضاء والقدر أمر ضروري، فلا يصحّ إيمان العبد إلا إذا سلّم وآمن بالقضاء، وصدق بالقدر.
والتصبر هو الذي ذكره الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى، وهو أن يتصور الإنسان أن المصيبة أكبر مما نزلت به، بمعنى أننا لو نظرنا إلى جميع مصائب الدنيا، فنجد أن الله تعالى لم يجمعها في إنسان واحد، ولكن وزعها على الخلق كل حسب حكمة لا يعلمها إلا هو، فترى شخصًا كفيفًا، لكنه يسير على قدميه، وترى شخصًا مقطوع اليدين لكنه يرى بعينيه، وترى شخصًا عنده مرض جلدي، ورغم هذا جميع الحواس الأخرى تعمل بكفاءة.. وهكذا.

إذًا كل مصيبة تُبتلى بها عليك أن تتخيل أن الله تعالى كان بإمكانه أن يبتليك بمصيبة أكبر منها فبالتالى تصبر على الابتلاءات وتحمد الله تعالى في السراء وفى الضراء، هذا هو المنهج التصبيري الذى استخدمه سيدنا عمر وعلمنا كيف نفلسف المصيبة ونجعلها نعمة، قال رضي الله تعالى عنه وأرضاه: "ما أُصبِت ببلاء إلا وجدت لله عليّ فيه أربع نعم:
الأولى: أنه لم يكن في ديني، وكل مصيبة في الدنيا تهون إذا لم تكن في الدين، وعلمنا الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء: "اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا".
والثانية: أنه لم يكن أكبر من غيره، لأن كل بلاء هناك بلاء أكبر منه وبعض الشرّ أهون من بعض.
والثالثة: أنني لم أُحرم الرضا به، وجاء في الاثر عن ابن مسعود - رضي الله عنه -: ((إن الله تعالى بقسطه وعلمه جعل الروح والفرح فى اليقين والرضا، وجعل الهمّ والحزن فى الشك والسخط)).
والرابعة: أنني أرجو ثواب الله عليه".

عندما تنزل المصيبة بالإنسان فليقابلها بالصبر والاحتساب فإن الله تعالى يخففها ويهونها عليه

hqdefault-18
فوائد الابتلاء في الله:
من فوائد الابتلاء: أنه يكشف عن صدق الصادقين، وقوة إيمان المؤمنين، وحقيقة انتسابهم للإيمان، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119]، وهذا ما تضمنته آيات من سورة آل عمران التي نزلت بعد غزوة أحد ـ فالابتلاء وقع للتمييز بين المسلمين الصادقين وبين غيرهم: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} . يقول الرازي في تفسيره: "واعلم أنه ليس المراد من هذه المداولة أن الله تعالى ينصر الكافرين لأن نصرة الله منصب شريف، وإعزاز عظيم فلا يليق بالكافر، بل المراد من هذه المداولة أنه تارة يشدد المحنة على الكفار وأخرى على المؤمنين...".
ومن فوائد الابتلاء أنه يربط بين المؤمنين برباط قويّ عقليّ وعاطفيّ، إذ بالابتلاء تصل عقول المؤمنين إلى حقيقة البناء الإسلامي المتراصّ، وأن الابتلاء يُكسب هذا البناء قوة وصلابة. وأن الذين يُبتَلوْن من أجل إيمانهم، إنما يسهمون بأعزّ ما يملكون من التضحية بالنفس والمال، فإن التضحية والألم أدعى إلى تحقيق المشاركة والتعاون، فالابتلاء يحقق الرباط العاطفي، لأن الإنسان ينسى من يشاركه في المناسبة السعيدة، ولكنه لا ينسى من شاركه في الألم والمصيبة.

2014-1

كل مصيبة في الدنيا تهون إذا لم تكن في الدين.. و كل بلاء هناك بلاء أكبر منه وبعض الشرّ أهون من بعض
الحكمة من الابتلاء:
1- تحقيق العبودية لله رب العالمين:
فإن كثيرًا من الناس عبدٌ لهواه وليس عبدًا لله، يعلن أنه عبد لله، ولكن إذا ابتلي نكص على عقبيه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج: 11].
2- الابتلاء إعداد للمؤمنين للتمكين في الأرض:
قيل للإمام الشافعي رحمه الله: أَيّهما أَفضل: الصَّبر أو المِحنة أو التَّمكين؟ فقال: التَّمكين درجة الأنبياء، ولا يكون التَّمكين إلا بعد المحنة، فإذا امتحن صبر، وإذا صبر مُكّن.
3- كفارة للذنوب:
روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه، وولده، وماله، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة)). رواه الترمذي وصححه الألباني.
4- حصول الأجر ورفعة الدرجات.
5- الابتلاء يربي الرجال ويعدّهم.
6- ومن حكم هذه الابتلاءات والشدائد: أن الإنسان يميز بين الأصدقاء الحقيقيين وغيرهم:
قال الشاعر:
جزى الله الشدائد كل خير وإن كانت تغصصني بريـــــقـي
وما شكري لهـــــــا إلا لأني عرفت بها عدوي من صديقي
صبّر نفسك..
أخى الحبيب.. بعد أن علمت الحكمة التى جعل الله تعالى من أجلها الابتلاءات، وعلمت أن للابتلاء فوائد جمّة، فعليك أن لا تجزع من الابتلاء، وأن لا تغضب من مراد الله تعالى، وعليك أن تصبّر نفسك؛ فإن الله تعالى أعد للصابرين جزيل الأجر والثواب وذلك لصبرهم على قضاء الله تعالى، قال تعالى: { وَبَشِّرالصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155-156].