المؤمن الحقيقي من يبحث عن الآخرة، ولا يبحث عن الدنيا، ويطلب رضا الله ولا يطلب رضا الناس، ويعلم في قرارة نفسه أن ساعة رضا خير من الدنيا وما فيها، الله إذا رضي عنك فما يضرك، وماذا تفتقد، وعلام تبكي وقد رضي عنك -من يملك الدنيا والآخرة.
عَن شَدُّادِ بن الْهَادِ ((أَن رَجُلاَ مِنَ الأَعْرَابِ جَاءَ إِلى النبِي صلى الله عليه وسلم فَآمَنَ بِهِ وَآتبَعَهُ، ُثم قَالَ : أُهَاجِرُ مَعَكَ، فَأَوْصَى بِهِ النبِيُّ، صلى الله عليه وسلم، بَعضَ أَصحَابِهِ، فَلما كَانَت غَزوَة، غَنَمِ النبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَبيًا، فَقَسَمَ وَقَسَمَ لَهُ، فَاَعْطَى أَصحَابَهُ مَا قَسَمَ لَهُ، وَكَانَ يَرعَى ظَهرَهُم، فَلَمُّا جَاءَ دَفَعُوهُ إِلَيهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا قَالُوا: قِسم قَسَمَهُ لَكَ اَلنبِي صلى الله عليه وسلم فَأَخَذَهُ فَجَاءَ بهِ إِلى اَلنبِي، صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: مَا هَذَا قَالَ: قَسَمتُهُ لَكَ. قَالَ : مَا على هَذَا اتبَعْتُكَ، وَلَكِني اتبعْتُكَ على أن أُرمى إِلَى هَاهُنَا، وَأَشَارَ إِلَى حَلقِهِ، بسَهم فَأَمُوتَ فَاَدخُلَ الْجَنةَ، فَقَالَ: إِن تَصْدُقِ الله يَصْدُقْكَ، فَلَبِثُوا قَلِيلًا، ثُم نَهَضُوا فِي قِتَالِ الْعَدُؤ، فَاُتَي بِهِ النبِي صلى الله عليه وسلم يُحمَلُ قَد أَصَابَهُ سَهْم حَيثُ أَشَارَ، فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: أَهُوَ هُوَ قَالُوا : نَعم، قَالَ: صَدَقَ الله فَصَدَقَهُ، ثُم كَفنَهُ اَلنبِي صلى الله عليه وسلم فِي جُبًةِ اَلنبِي صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قدمَهُ فَصَلى عَلَيهِ، فَكَانَ فِيمَا ظَهَرَ مِن صَلاَتِهِ؛ اللهُم هَذَا عَبْدُكَ، خَرَجَ مُهَاجِرا فِي سَبيلِكَ، فَقُتِلَ شَهِيدا، أَنَا شَهِيد على ذَلِكَ)) [رواه النسائي (1927)، وصححه الألباني].
قال مُحَمَّدُ بْنُ عَامِرٍ: قُلْتُ لِشَقِيقٍ البلخي: مَتَى أُوَفَّقُ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ؟ قَالَ: إِذَا جَعَلْتَ أَحْدَاثَ يَوْمِكَ وَلَيْلَتِكَ مُتَقَدِّمَةً عِنْدَ اللهِ ، قُلْتُ: فَمَتَى أَتَوَكَّلُ ؟ قَالَ: إِنَّ الْيَقِينَ إِذَا تَمَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ سُمِّيَ تَمَامُهُ تَوَكُّلا، قُلْتُ: فَمَتَى يَصِحُّ ذِكْرِي لِرَبِّي؟ قَالَ: إِذَا سَمَجَتِ الدُّنْيَا فِي عَيْنِكَ، وَقَذَفْتَ أَمَلَكَ فِيمَا بَيْنَ يَدَيْكَ، قُلْتُ: فَمَتَى يَصِحُّ صَوْمِي؟ قَالَ: إِذَا جَوَّعْتَ قَلْبَكَ وَأَظْمَأْتَ لِسَانَكَ مِنَ الْفَحْشَاءِ، قُلْتُ: فَمَتَى أَعْرِفُ رَبِّي؟ قَالَ: إِذَا كَانَ اللهُ لَكَ جَلِيسًا وَلَمْ تَرَ سِوَاهُ لِنَفْسِكَ أَنِيسًا، قُلْتُ: فَمَتَى أُحِبُّ رَبِّي؟ قَالَ: إِذَا كَانَ مَا أَسْخَطَهُ أَمَرَّ عِنْدَكَ مِنَ الصَّبْرِ، وَكَانَ مَا يَنْزِلُ بِكَ هُوَ الْغُنْمُ وَالظَّفْرُ، وَجَدَّدْتَ لِذَلِكَ حَمْدًا وَشُكْرًا، قُلْتُ: فَمَتَى أَشْتَاقُ إِلَى رَبِّي؟ قَالَ: إِذَا جَعَلْتَ الآخِرَةَ لَكَ قَرَارًا، وَلَمْ تُسَمَّ لَكَ الدُّنْيَا مَسْكَنًا، قُلْتُ: فَمَتَى أَعْرِفُ لِقَاءَ رَبِّي؟ قَالَ: إِذَا كُنْتَ تُقْدِمُ عَلَى حَبِيبٍ وَتُصْدِرُ عَنْ أَمَلٍ قَرِيبٍ، قُلْتُ: مَتَى أَسْتَلِذُ الْمَوْتَ؟ قَالَ: إِذَا جَعَلْتَ الدُّنْيَا خَلَفَ ظَهْرِكَ، وَجَعَلْتَ الآخِرَةَ نُصْبَ عَيْنِكَ، وَعَلِمْتَ أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَرَاكَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَقَدْ أَحْصَى عَلَيْكَ الدَّقِيقَ وَالْجَلِيلَ، قُلْتُ: فَمَتَى أَكْتَفِي بِأَهْوَنِ الأَغْذِيَةِ؟ قَالَ: إِذَا عَرَفْتَ وَبَالَ الشَّهَوَاتِ غَدًا وَسُرْعَةَ انْقِطَاعِ عُذُوبَةِ اللَّذَّاتِ، قُلْتُ : مَتَى أُوثِرُ اللهَ وَلا أُوثِرُ عَلَيْهِ سِوَاهُ ؟ قَالَ: إِذَا أَبْغَضْتَ فِيهِ الْحَبِيبَ، وَجَانَبْتَ فِيهِ الْقَرِيبَ[ ابن عبد البر: المجالسة وجواهر العلم 62/393].
لا يكن هدفك إلا رضا الله فكفى بها غاية ، ومن يصدق الله يصدقه ، ومن يطلب رضا الله فالله سبحانه وتعالى أكرم من أن يحرم من جعل ذلك غايته ومبتغاه ولم يطلب شيئًا سواه .
اللَّهُمَّ إنَّا نَسْألُكَ بِنُوْرِ وَجْهِك الكَرِيم الذِي أشْرَقَتْ لَهُ السَّمَواتُ والأرْضِ وبِاسْمِك العَظِيْمِ أنْ تَقْبَلَنَا وتَرْضَى عَنَّا رِضًا لا سَخَطَ بَعْدَهُ أبَدًا.
علمتنى الحياة : الكنز الحقيقي ساعة من رضا الرحمن
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة