(علاج المهموم والمغموم والمخنوق والمضغوط)

محاضرات
طبوغرافي

لا يزال درسنا موصولا ومستمرا حول الهجرة إلى النجاة، ومن قبل كان الحديث عن الإيواء وأن كلا منا في حاجة إلى ربه الكريم؛ كي يأوي إليه عند الأزمات واستشعار الإنسان أن له رباً قوياً كبيراً يـأنس إليه هو استشعار يعطيه إحساس بالأمن، ونحن ندور حول هذه القضية وأشباهها من الأشياء التي تؤدي إلى بيان الإنسان أنه ضعيف بيان ضعف هذا الإنسان جدا عندما يكون منفردا بنفسه.

ليست الوحدة هي العيش بانفراد، وليس الإنسان الوحيد هو الذي يعيش وحيدا منفردا بنفسه عن الناس؛ فهذا كلام غير صحيح، وإنما الإنسان الوحيد هو الذي يجلس وسط الناس ولكنه بعيد عن رَبِّ الناسِ، ومن الممكن أن يكون لدى الإنسان رجلا كان أم امرأة أولاد كثر وأموال كثيرة ونعيم وافر، وحياة تدب فيها الحياة، ومع هذا كله عنده إحساس بأنه مخنوق، وأنه مدمر، وأنه يحمل أعباء فوق طاقته تنوء بها الجبال.

وليست الوحدة في أن يعيش الإنسان بمكان منعزل بمفرده، وإنما الوحدة الحقيقية تتمثل في أنَّ الإنسانَ تصيبه حالة من الضيق، وحالة من الذُّعر لأتفه الأسباب، وما كان الثبات في قلب المسلم إلا حالة من حالات الإيمان، والإيمان عبارة عن ثبات، يقول تعالى: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} [هود: 120]، ولذلك فإننا نحاول في هذه الدروس: "الهجرة إلى النجاة" أن نتكلم عن علاج لكل هذه الأمراض الخطيرة المتأصلة في نفوسنا وفي مجتمعنا، وهي تنشأ في الواقع بسبب عدم قدرة الإنسان على التفاعل مع الأمور ومع الأحداث التي تجري حوله.

 

إنَّ حالات الانطواء، وحالات الاكتئاب، وحالات عدم التكيف مع الواقع؛ وعدم التوافق مع النفس؛ تدفع بعض الناس إلى الانتحار - سلمك الله - أو أن ينطوي على نفسه، ويحاول أن يهرب من نفسه إلى نفسه، ونفسه لا تغيثه، ونفسه لا تنهض به.

والأمر في ذلك الوقت يشبه أن يكون هناك  إنسان ضعيف يستجير بإنسان آخر ضعيف، فما العمل في ذلك الوقت؟ إنه أمر شاقّ وصعب، أو أن يستجير إنسان يغرق بإنسان آخر يغرق هو الآخر، فمن يجير من؟! من يُعين من؟! والأساس في المسألة أننا نحتاج دائما لمن ينقذنا، هذه هي القضية.

يقول تعالى: {طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه: 1، 2] فالقرآن ما كان كتاب شقاء أبدا، والذكر ما كان شقاء أبدا والاستغفار ما كان شقاء أبدا، ولكن الله عز وجل جعل هذا الدين كله: {إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [طه: 3]؛ فالذي يخشى يؤثر فيه هذا الكلام جدا.

وأنا على يقين أن هناك أزمات عند الناس لن تحل إلا عن طريق الذكر، واللجوء إلى الله عز وجل، وقد قلت لكم مسبقا: إن الإنسان تهبط علي قلبه، وعلى نفسه أخبار صعبة؛ وأخبار مؤثرة وقوية جدا، وفي بعض الأحيان نجد أن الإنسان لا يتحمل، ولا يحتمل هذه الأخبار؛ ولا يقدر أن يستوعبها؛ خاصة في ضوء تفلت أمني؛ وفي ضوء حالة من الفزع تنتاب الناس أجمعين يبدأ الإنسان في التغير، وتتغير أحواله ونفسه تحت ذلك الضغط الشديد، وسنحاول معا أن نقدم يد المساعدة لكل أولئك الناس.

 

الناس لديهم مشكلات كثيرة جدا والناس يحتاجون دوما إلى صدر واسع يتحدثون إليه ويبحثون عن ملاذ يلجأ إليه الإنسان.

كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حَزَبَه (أفزعه) أَمْرٌ صلَّى؛ أي حينما لا يكون النبي قادرا على مواجهة هذا الأمر الشديد، وهذه الصلاة تسمى بـ (صلاة كشف الضُّر)؛ فإذا نزل بالمؤمن كرب أو مشكلة فليتوضأ؛ لأن الوضوء يعطيه قوة ويعيد الإنسان إلى حالته الفطرية من الهدوء والسكينة، وهو من العلاجات المهمة جدا لعلاج الغضب والتوتر، والتغلب على المشكلات بإذن الله عز وجل؛ ومن أصابته مشكلة أيا كانت هذه المشكلة: عنده مشكلة في العمل، أو عنده خوف من المجهول، أو عنده مشاكل في الاسرة أو في البيت أو عنده ألم، أو عنده خوف على مصير مجهول، فكل هذه الأشياء تسمى بواعث الضُّر أي إن هناك ضررا سيقع عليك، ولا تدري كيف يُكشف الضُّر؟! ولهذا فإن لسان حال المؤمن يجب أن يكون دوما كما يقول تعالى: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ} [يونس:107]، ووجود الضر هو أمر طبعي في الحياة؛ فالإنسان يفتقر لكي يعرف نعمة الغنى، والإنسان يمرض لكي يعرف نعمة العافية، والذي يكشف الضر هو الله عز وجل، ويجب أن تعلموا الأشياء التي تساعد على كشف الضُّر، ومنها:

  • الوضوء.
  • صلاة ركعتين من دون الفريضة (قضاء الحاجة).
  • الثناء على الله سبحانه وتعالى، ويقول الإنسان صاحب الضُّر: (لا إله إلا الله الحليم الكريم، ثم تقول: سبحان الله ربّ العرش العظيم، ثم تقول: الحمد لله رب العالمين)، [الأدعية الكوامل، 1/32].
  • الدعاء الذي يأتي بعد الثناء، ويجب أن تلاحظوا أن الدعاء إذا لم يسبق بثناء لم يفتح له الباب، وقد جاء في الصحيح (إن الله يحب الثناء)، ثم بعد ذلك تقول في الدعاء: (اللهم إني أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، والفوز بالجنة، والنجاة من النار)، ثم يقول الإنسان: (اللهم لا تدع لي ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا حاجة هي لك رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين]، وقد قال النبيّ الكريم صلى الله عليه وسلم: (ما قالها مهموم إلا أذهب الله همه، ولا مكروب إلا فرج الله كربته). [الأدعية الكوامل، 1 /40].

أما الحديث عن الإنسان المهموم؛ فالهم مسألة خطيرة جدا تصيب الإنسان، والرسول الكريم صلوات ربي وسلامه عليه كان يتعوذ من الهم والحزن، والحديث كاملا: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: (دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو أُمَامَةَ، فَقَالَ: يَا أَبَا أُمَامَةَ مَا لِي أَرَاكَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ؟ قَالَ: هُمُومٌ لَزِمَتْنِي، وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَفَلَا أُعَلِّمُكَ كَلَامًا إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّكَ، وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ، وَإِذَا أَمْسَيْتَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ، وَقَهْرِ الرِّجَالِ، قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمِّي، وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي) [سنن أبي داود، باب في الاستعاذة، 2/ 92].

والدليل على سطوة الهمّ وشدته أنه من أوائل الأشياء التي تعوذ منها النبي الكريم؛ لأن تسعين بالمئة من الأمراض التي تصيب الإنسان سببها يكون الهمّ؛ ذلك الهم الذي يؤثر في البدن كله، ولهذا فإن أخطر شيء تحمله في حياتك هو الهم؛ فالإنسان المهموم يحمل أثقالا كثيرة وجسمه الضعيف لا يقدر عليها، فإذا بجسمه الضعيف ينفجر فهو لا يستطيع التحمل، ومن هنا تأتي للإنسان الأمراض الصعبة، ولذلك فقد أوضح لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن المهموم يجب أن يقول سبع مرات: (الله، الله، لا أشرك به شيئا)[رواه النسائي]، أما بالنسبة للأرقام: لماذا سبع مرات، فأقول لكم هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وإن نحن لم نفقه السبب الآن، فهذا لا يعني بأن هذا خطأ.

أما الإنسان المخنوق والإنسان المضغوط علاجه أيضا أن يقول سبع مرات: (الله، الله، لا أشرك به شيئا)، وجسم الإنسان بعد هذا الذكر الكثير تتغير فيه أشياء كثيرة من حيث لا يدري.

إني على يقين أن نزلاء المصحات العقلية لديهم خلل في هذه الأمور أي خلل في الأذكار والأدعية؛ لأن هذه الأذكار والأدعية هي التي تعالج النفوس الشاردة المشتتة؛ لأن العلاج الأساس لأولئك المرضى يكمن في البحث عن علاج إيماني يغير كيمياء الجسم كله حتى يعود صالحا، وسليما ومعافى بإذن الله عز وجل.

أما بالنسبة للخوف فمن الأدعية التي تساعدنا على تخطي الخوف من النفس ومن أي شيء، فليقل: (اللهم أنت عضدي، وأنت نصيري، بك أجُول وبك أصول، وبك أقاتل).[رواه أحمد].

أما بالنسبة للهمّ والأرق الذي هو شكل من أشكال الفزع لا يعد مرضا في حدّ ذاته، ولكنه عرض لأشياء كثيرة وانشغال البال، فليقل: (اللهم رب السموات السبع وما أظللن ورب الأراضين السبع وما أقلت، وربّ الشياطين وما أضلت، كن لي جارًا من شرّ خلقك كلهم أجمعين أن يفرط عليَّ أحد منهم، أو أن يبغي عليَّ أحد منهم، عزَّ جارك، وجلَّ ثناؤك، لا إله إلا أنت) .[أخرجه الترمذي].