علاجُ الرَّصد والحِقد والحَسد

محاضرات
طبوغرافي

حالة البدن عند الحَسَدِ:

إخواني وأخواتي الكِرام، ليست موضوعات الرَّصد والحقد والحسد – فقط – هي الموضوعات التي سنتحدث فيها بعناية ودقة، ولكنَّ البدنَ عندما يُحْسَد فإنَّ هناك تغييرات معينة تحدث فيه، فما التغيرات التي تجري على هذا البدن؟!

ومن أجل توضيح ذلك لابد علينا أن نُقدِّمَ بعضَ المعلومات السريعة التي يحتاج الناس إليها في سياق حديثنا عن علاج المشكلات والأزمات بالقرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة.

معنا حديث مهمّ سنبدأ به، وهذا الحديث ثابت في صحته عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنه – عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَكْثَرُ مَنْ يَمُوتُ مِنْ أُمَّتِي بِالْأَنْفُسِ بَعْدَ كِتَابِ اللَّهِ» [التاريخ الكبير للبخاري، باب أكثر من يموت من أمتي، 1/1223]، وهذا الحديث يُؤكِّد أنَّ العينَ حَقٌّ، وأنها من أسباب مرض الإنسان وهلاكه، ولذا قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم كما جاء في حديث ابن عباس الصحيح الذي ورد في صحيح مسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العين حقّ، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا" الحديث ورد في صحيح الإمام مسلم في باب استحباب الرقية من العين، وهو حديث مشهور يسمى بحديث ابن عباس.

إنَّ المعلومة الأولى الأساس في هذه القضية قوله: "إن أكثر ما يموت من أمتي"، ولماذا من أمتي بالذات؟ وهل هذا الكلام ليس في باقي الأمم الأخرى؟ وهل ليس هناك حسدٌ أو سحرٌ عند الكفار أو عند غير المسلمين؟ كل ذلك سنتكلم عنه، إن شاء الله.

والحديث الآخر هو حديث ابن عباس: "ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا"، ونص الحديث كالآتي: عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا" [صحيح مسلم، كتاب السلام، باب الطب والمرض والرقى، رقم: 2188].

وهناك مثال آخر للدلالة على قوّة العين، وهو ما ورد في حديث سهل بن حنيف الذي حسده عامر بن أبي ربيعة، وأن سَهلاً عندما هَمَّ بركوبِ النَّاقةِ لم يَستطعْ، وَوَقَعَ وجَلَسَ كأنه مقيدٌ، وكان جلده حسنًا، فَحَسَدَهُ عامر بن أبي ربيعة، فلما قُصَّ الأمر عند سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر سهل بن حنيف أن يغتسل [وهو المعيون/ المحسود]، فاغتسل، ثم أخذ النبي ماء الغُسلِ، وجعل عامر بن أبي ربيعة [العائن/ الحاسد] يتوضأ به، فإذا بسهل بن حنيف، وكأنما نَشَطَ من عِقال، ونص الحديث كالآتي:

(مرَّ عامرُ بنُ ربيعةَ بسَهلِ بنِ حنيفٍ، وَهوَ يغتسلُ فقالَ: لم أرَ كاليومِ ولا جِلدَ مُخبَّأةٍ فما لبثَ أن لُبِطَ بِهِ، فأتيَ بِهِ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ فقيلَ لَهُ: أدرِك سَهلًا صريعًا. قالَ: من تتَّهمونَ بِهِ؟ قالوا: عامرَ بنَ ربيعةَ قالَ: علامَ يقتلُ أحدُكم أخاهُ؟ إذا رأى أحدُكم من أخيهِ ما يعجبُهُ فليدعُ لَهُ بالبرَكةِ، ثمَّ دعا بماءٍ فأمرَ عامرًا أن يتوضَّأَ فيغسلَ وجْهَهُ، ويديْهِ إلى المرفقينِ ورُكبتيْهِ وداخلةَ إزارِهِ وأمرَهُ أن يصبَّ عليْهِ) [أخرجه النسائي في "السنن الكبرى"، كتاب العين، باب الوضوء من العين، رقم: (7617)، وابن ماجه، رقم:"3509"، واللفظ له].

وتفسير ذلك كما يقول أهل العلم: أنَّ الذي حَسَدَ خرجت من عينيه سموم، خرجت منه  شرارةُ نارٍ، جمرة شُهب، واستقرت في جِسمِ الإنسانِ المحسود - سلمكم الله تعالى وأحبكم وأعزكم وأذاقنا وإياكم حلاوة الإيمان وبرد الإيمان وعفو الرحمن - فاستقرّت في جسمه، وأصبح المحسود كأنَّ في جِسمهِ نارًا، وهذه النارُ جاءت من عَينِ الحاسدِ، ولهذا فإننا نحتاج أَنْ نَأخذَ شيئًا من الحاسدِ نفسهِ؛ لكي نُطفئ هذه السموم التي دخلت في المحسود، ولهذا نأخذ الماء الذي اغتسل به العائن [الحاسد]، ثم يتوضأ به الحاسد، وهذا تفسير قول النبي الكريم: " وإذا استغسلتم فاغسلوا".

 والأمر الآخر - سلمكم الله تعالى وأحبكم وأعزكم وأذاقنا وإياكم حلاوة الإيمان وبرد الإيمان وعفو الرحمن - أنَّ الحَسَدَ بهذه الشِّدةِ كَانَ مَوجودًا بالقوةِ نفسها التي نعيشها هذه الأيام؛ كان موجودًا في حياةِ النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - وهذه إشارة إلى أَنَّ الحاسدَ نفسه قد لا يدرك أنَّه يحسد مع اختلاف الناس في المقامات وفي الأحوال، وهناك قصة للنبي صلى الله عليه وسلم مع بيت جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس؛ وذلك عندما ذهب النبي إلى بيت جعفر، فرأى أجسام بني جعفر ضارعة (نحيفة جدا)، فسأل عن ذلك أمهم، فقالت: تُسرع إليهم العين يا رسول الله، قال: فاسترقي لهم، وها هو نص الحديث: من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال: رخَّص النبي – صلى الله عليه وسلم- لآل حزم في رقية الحية، وقال لأسماء بنت عميس:" مالي أرى أجسام بني أخي ضارعة، تصيبهم الحاجة؟ فقالت: لا، ولكن العين تُسرع إليهم، قال: ارْقِيهِم، قالت: فعرضتُ عليه، فقال: ارْقِيهِمْ"،[صحيح مسلم، باب الطب والمرض والرقية، رقم: 2198].

ومعناه أن النبي يقصد أن يسأل: لماذا أولادكم ضعاف هكذا؟ فهل هذا الضعف ناتج عن قلة الطعام مثلا؟

والإجابة أنَّ الموضوعَ ليس له علاقةٌ بالطَّعام، وإنما بالعينِ والحَسدِ؛ إذ تُسرع إليهم العين، فيُصابون بالضَّعف العام، والعلاج يَكْمُن في القيامِ بالرُّقيةِ الشَّرعيةِ، وبالفعل هذا ما فعلته أسماء بنت عميس مع أولادها بعد نصيحة الرسول الكريم لها، فقامت برُقية أولادها، وهذا دليلٌ على أنَّ الرُّقيةَ الشَّرعيةَ - سلَّمكم الله وأحبكم وأذاقنا وإياكم حلاوة الإيمان - تُعالج هذه النَّحافةَ، وتقضي عليها في حالةِ الحسدِ والعينِ.

من علامات الحسد:

أمرٌ آخر نتناوله - سلمكم الله تعالى وأحبكم وأعزكم، وبارك الله تعالى فيكم وأذاقنا وإياكم حلاوة الإيمان وبرد الإيمان وعفو الرحمن – وهو أنَّ هناك علاماتٍ تظهر في جسم الإنسان، وتستقرّ في جسمه أشياء وعلامات مُعيَّنة من الحسد، مثل: بُقع معينة، وتغييرات مُعينة في الجسم أو في الوجه، وهذا هو حديث السيدة أم سلمة- رضي الله تعالى عنها - والحديث في البخاري: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى في بيتها جارية وفي وجهها سفعة، يعني علامة أو بقعة سوداء، فقال النبي: (استرقوا لها [أي قوموا برقيتها]، فإن بها النظرة)، يعني هذه الفتاة، هذه الخادمة، محسودة، بمعنى أن الحَسَدَ ينال الناس كلهم، سواء أكانوا أغنياء أم فقراء، كل الناس تصيبها العين ويصيبها الحسد، وعندما تمت رقية هذه الخادمة، ذَهَبَ مَا كَان عندها وذهبت تلك السَّفعةُ التي كانت في وجهها.

وفي هذا الحَديثِ تَحكي أُمُّ سَلمَةَ رَضيَ اللهُ عَنها أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَأى في بَيتِها جارِيةً في وَجهِها سَفعَةٌ، أيْ: سَوادٌ غير في لون الوجه، فَقالَ: استَرْقُوا، أيِ: اطْلُبوا الرُّقيَةَ لأن بها نظرة، أي: حسدا.

ذكر الإمام ابن القيم جميع الأدلة الصحيحة من الكتابِ والسُّنةِ التي تشير إلى وجوبِ أن يُحَصِّنَ الإنسان نفسه وبيته وأولاده من الحَسَدِ، ثم يرى ابن القيم أن الحَسَدَ يكون من الإنس، ويكون من الجِنِّ على حَدٍّ سواء.

ويعرض الإمام ابن القيم الموضوع عرضًا جميلاً، ويقول: إن العين فاتكة تفتك بالإنسان، ويستشهد ابن القيم بقوله تعالى: {وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ} [القلم:51]، "فالزلق" في لُغةِ العَربِ: تَبَدُّلِ الحالِ وفساده وتردبها، ودمارِ النَّاسِ، {وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ} أي: يغتالونك، يزلقونك بمعنى يغتالونك، ولكن بماذا يغتالونك؟ بماذا يزلقونك؟ هل يتم ذلك بأسلحتهم؟ والإجابة لا، ولكن بأبصارهم، يقول تعالى: {وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ} [القلم:51]، يعني يحسدونك على أنَّ اللهَ تعالى عَلَّمَكَ الذِّكرَ، وأنَّ اللهَ تَعَالى عَلَّمكَ القرآنَ - بأبي أنت وأمي يا رسول الله - ولذلك تُلاحظون أَنَّ أيامَ الدِّراسةِ في الامتحانات - بالذَّاتِ - يشتد الحسد؛ لأنَّ هناك من يزلقونكم بأبصارهم، وهذا التعبير القرآني:

{وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ} [القلم:51]، هو تعبير قرآنيٌ عجيبٌ، مُزَلْزِلٌ، ولابد أَنْ نَعرِفَ أَنَّ قُوَّةَ الحَاسدِ مُتمركزةٌ في بَصَرهِ حتى سَمَّاها ابن القيم - رحمه الله – "القوة السُّمية"، أي: من السُّمِ، يقول تعالى: {وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ}[القلم:51].

اللهُ أكبرُ، كَلامٌ جَميلٌ، وكَلامٌ مُهمٌ، إشارةً إلى أنَّ العينَ الحَاسدةِ قد تَأتِي لك من المُسلمِ أو من غيرِ المُسلمِ، وهناك أدلةٌ في البخاري ومُسلمٍ على الحَسَدِ، وفي القرآنِ - نفسه - في سُورةِ البقرة مِثالٌ عَلَى حَسَدِ اليهودِ للمسلمين، وعلى حَسَدِ المُنافقين للمسلمين، وعلى حَسَدِ الكُفَّارِ للمسلمين، حتى قال الملك سبحانه: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} [النساء:54].

وقد ذَكَرَ ابن القيم بعد كلامه مجموعة من العلاجات الجميلة المهمة التي نستعين بها في الحذر من العين، وسنستعير من الإمام ابن القيم بعضًا منها؛ لأنها جميلة.

عن هشام بن عُروة، عن أبيه أنه إذا رأى شيئا يعجبه، أو دخل حائطا من حيطانه ما هو الحائط؟ الحائط ليس الجدار، وإنما الحائط هو البستان، فكان إذا دخل الحائط يعني البستان - سلمكم الله تعالى وأحبكم وأعزكم، وبارك الله تعالى فيكم، وأذاقنا وإياكم حلاوة الإيمان، وبرد الإيمان وعفو الرحمن - فإنه كان يقول كما تعلم من القرآن: {مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} [الكهف: 39]، [تفسير الإمام البغوي]، وهناك رُقيةٌ يَجِبُ عَلَى الأمةِ الإسلاميةِ كُلَّها حِفْظُهَا، وهي رُقيةٌ مُعينةٌ تُسَمَّى بُرُقيةٍ "جبريل عليه السلام" التي كان يُرْقَى بِهَا النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان جبريل - عليه السلام - وهو يَرْقِي حبيبكم نبيكم - صلوات ربي وسلامه عليه - بأبي أنت وأمي يا رسول الله - كان يقول: "بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك، الله يشفيك، بسم الله أرقيك"، ونص الحديث كاملاً: عن أَبي سعيد الخدري - رضي الله عنه: أن جِبريلَ أتَى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، اشْتَكَيْتَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: بِسْمِ الله أرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ، اللهُ يَشْفِيكَ، بِسمِ اللهِ أُرقِيكَ"، [أخرجه الترمذي (972) باختلاف يسير، وابن ماجه (9523) واللفظ له].

هذا كَلامٌ مُهمٌ وكَلامٌ جَميلٌ، وهي رُقيةُ سيدنا جبريل - عليه السلام - للنبي الكريم، صلوات ربي وتسليمه عليه: "بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، من شرّ كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك، بسم الله أرقيك".

مسألة قراءة القرآن على الماء:

هناك قَضيةٌ خِلافيةٌ بينَ النَّاسِ؛ فبعضُ النَّاسِ -سلَّمَكُم الله تعالى وأحبَّكُم- لا يرى وجوب القراءة على الماء، على حين الإمام ابن القيم يرى خِلافَ ذَلكَ، وقد ذَكَرَ أَدلةً أنَّ السَّلفَ الصَّالحَ كانوا ينفثونَ في الماء بالقرآن بالرُّقيةِ، بمعنى أنَّ الواحدَ يأتي بالماء هكذا أمامه، ثم يقرأ عليه القرآن، وقد ذَكَرَ كُلَّ ذلك الإمام ابن القيم، وابن كثير والطبري، وكل المفسرين ذكروا هذا في تفسير آيات القرآن الكريم، وقالوا إن السيدة عائشة كانت تفعل هذا، وابن عباس ومُجاهد كانوا يفعلون هذا، وأنَّ السَّلَفَ كانوا ينفثونَ في الماءِ، بَلْ كانوا يأتون بالعَسَلِ، وينفثونَ عليه هكذا: "بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ما شاء الله لا قوة إلا بالله، وهكذا .." أو تقرأ الفاتحة عليه، أما من يعترض على هذا فهذا رأيه- سلمكم الله تعالى، وأحبكم وأعزكم، وبارك فيكم، وأذاقنا وإياكم حلاوة الإيمان، وبرد الإيمان وعفو الرحمن.

وجوبُ تحصينِ الرَّاقي لِنفسهِ قَبْلَ الرُّقيةِ:

ينبغي عَلَى الرَّاقي أَنْ يُحَصِّنَ نَفْسَهُ قبل الرُّقيةِ، بمعنى أن يكون هناك إنسان سيقوم بالرقية فيجب عليه أن قبل أن يرقي يبدأ في تحصين نفسه برقية شرعية، وإذا لم يحصن نفسه - في هذا اليوم - فإنَّ الرُّقيةَ نفسها لا تأتي بفائدة سبحان الله!.

عندنا مشاكل كبيرة، ومن هذه المشاكل أَنَّ الإنسانَ لكي يتعامل مع الرُّقيةِ، والأمر خَاصٌ بالرَّاقِي، أي الذي يقوم بالرُّقيةِ، لابد عليه أنَّ يلتزمَ بآدَابٍ معينة قبل هذه الرُّقيةِ؛ أولاً، لابُدَّ أن يكون مُستعدًا لها، لابد أن يكون مُوقنًا بكلامِ اللهِ تَعالى الذي بالرُّقيةِ، وهو كلامُ القرآنِ العظيمِ، ولابُدَّ أن يكون مُوقنًا بالأدعيةِ النبويةِ، وما ورد عن السلف الصالح، لابد أن يكون موقنا بهذا، ولابد أن يستقبل القبلة، لابد أن يستحضر عظمة الكلام، لابد أن يرخي أو يغمض عينيه، لابد قبل الرقية أَنْ يُصلِّي ركعتين قضاء للحاجة، لابُدَّ أن يجلس نصف ساعة يذكر فيها الله قبل الرُّقيةِ: (استغفار وتسبيح)؛ فهذه الأمور مهمةٌ جدًا.

ويجب أن تعلّموا أنَّ الرُّقيةَ من السُّنَّةِ، وفي بعض الأحيان تكون واجبةً من أجل تحصينِ بيتك وأولادك وبناتك.

وواجبٌ عليك أَنْ تُحَصِّنَ نَفْسَكَ حتى وإن كنت غير محسود؛ فالتحصينات الإيمانية التي يفعلها المسلم مهمة جدا، مثل: أذكار الصباح والمساء، وختم الصلاة، كثرة الآذان، كثرة قراءة آية الكرسي والآيتين الأخيرتين من سورة البقرة؛ فكلّ هذه الأمور مهمة جدا لتحصين الراقي: [الأذان + آية الكرسي + خواتيم البقرة + المعوذتين]، ونحن نوصي الناس – مثلا - الذي يَرْقِي أحدًا يجب عليه قبل أن يَرْقِيه عليه أن يُصلِّي ركعتين قضاء للحاجة؛ فهذه الصلاة معناها أنك تستعين بالله تعالى على قضاء حاجتك، وعلى قضاء حاجة غيرك؛ فإنك لو أذنت في مكانٍ لكان هذا حفظًا على المكان، وتحصينا لهذا المكان، وتعوذًا من الشياطين الذين يعيشون في هذا المكان.

 من التحصينات الإيمانية:

دائما كان يُعجبني الإمام ابن القيم، ولا زال يُعجبني كثيرا في كتابٍ له ربما يقرأه الإنسان مئات المرات ولا يشبع منه، وهو كتاب: "الوابل الصيب"، وهذا الكتاب كتاب نفيس لا يقل في أهميته عن كتاب "الأذكار" لإمامنا وشيخنا الإمام النووي، معنا كتابان مهمان أو ثلاثة كتب مهمة بصراحة كلما أقرأها أستمتع بها.

كتاب "الأذكار المنتخب من كلام سيد الأبرار" صلى الله عليه وسلم للإمام النووي، وطبعا لا يخفى عليكم هذا الإمام صاحب كتاب: "رياض الصالحين"، وهو الذي شرح صحيح الإمام مسلم، وكتاب الأذكار كتاب مهم وجميل، وكل بيت مسلم بصراحة يحتاج إلى هذه الأذكار، ونحن نأخذ منها مادة أساسية في دروسنا وعلاجاتنا؛ لأنها مادة موثوق فيها، ومادة منقحة وصحيحة ومُرجَّحةٌ ومُراجعةٌ -سلمكم الله تعالى وأحبكم، وأعزكم وبارك فيكم، وأذاقنا وإياكم حلاوة الإيمان وبرد الإيمان وعفو الرحمن.

الكتاب الآخر هو كتاب أعتز به جدًا، وكتاب قَيِّمٍ؛ إذ يُفاجئنا الإمامُ الشوكاني بتحفةٍ يُقدِّمُها للمسلمين أجمعين، وهي: "تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين" - اللهم صَلِّ وسلم وبارك عليه - كتاب جميل ورائع، حتى أنَّ العنوان يشدك، وها هو الإمام الكبير "ابن القيم" في كتابه المشهور: "الوابل الصيب من الكلم الطيب"، وهذا كتاب - أيضا – مهم، ويحتاج إليه كل مسلم.

فاجأنا ابن القيم - أيضا - رحمه الله، وقدَّم لنا شيئًا جميلاً رائعًا، حصنًا حصينًا، ويقول ابن القيم إنَّ هذا الحصنَ أو التحصين الذي سأقرؤه عليكم - سلمكم الله تعالى وأحبكم - من التحصينات التي يُحَصَّنُ بها البيت من الشيطان، وبصراحة هذا الحصن الذي أورده ابن القيم جَرَّبه كثيرون من الناس في حياتهم ومع أولادهم، ومع أشياء واقف حالها؛ سواء أكانت منازل أم مزارع أم غيرها.

التحويطة والأحجبة:

طبعا نحن لا نُفَضِّلُ استخدام هذه التحصينات في الرُّقَى أو في الأحجبة؛ إذ إن هناك بعضا من الناس يفعلون أمورا غريبة، ومنها أنه من الممكن أن يأتي شخص ما، ويقول: إن الحصن طويل جدًا، ولن أقدرَ على حفظه، فيقوم بوضعه في حجابٍ، ويضعه في جيبه – مثلا - وينام عليه.

إننا لا نُرجِّحُ هذا الأمر، ولسنا من أنصارِ أنَّ المصحفَ يُكتبُ على ورقٍ، ثم نأتي بالزعفران أو بالزعتر، ونسكب الزعتر أو الزعفران على القرآن المكتوب، ثم نقوم بشربه؛ فنحن لا نحب هذا؛ لأنه لم يثبت قطعيا أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل هذا.

والذي نفعله أننا نُصَحِّحُ هذه المفاهيم للنَّاسِ؛ فموضوعُ الأحجبةِ حتى لو كان الحجابُ نفسه، بداخلهِ نفسه آية الكرسي! ويؤخذ الحجابُ ويُعلَّق في الطفل أو في الشاب، أو في المسحور، فنحن ضد هذا الكلام؛ لأنه بعيدٌ عن سُنَّةِ النَّبي، صلوات ربي وتسليمه عليه.

وطبعًا طالما أنَّ هُناك بديلاً شرعيًا ثابتًا عن النَّبي الكريم، وعن أصحابه، وعن السَّلفِ الصَّالحِ فالأفضل أن نفعله دُونَ أن يَأخُذَ الإنسانُ سيئةً بحسنةٍ.

ومهما كان الكلامُ الموجود دَاخل هذه الأحجبة، والتي فيها كلمات المُصحفِ مكتوبة فيه الآيات بطريقة معكوسة من الخلف وليس من الأمام، فتلك مُصيبةٌ للكُلِّ حتى مَنْ يقوم بإمساكه بنفسه ويقوم بفتحه فإنه يُؤْذَى به، ولذلك حَذَّرَ النبي الكريم - صلوات ربي وسلامه عليه - من تلك الأمور التي اِصْطُلِحَ عليها باسم: (التحويطة).

نبدأ الآن في ذكر الحِصنِ القوي الذي ذكره الإمام بن القيم - رحمه الله تعالى –  وهذا الحصن هو: "بسم الله، بسم الله، بسم الله، أمسينا بالله الذي ليس منه شيء ممتنع، وبِعِزَّةِ اللهِ التي لا تُرام ولا تُضام، وبسلطان الله المنيع نحتجب، وبأسمائه الحسنى؛ كلها عائذ من الأبالسة، ومن شَرِّ شياطين الإنس والجن، ومن شَرِّ كُلِّ مُعْلِنٍ أو مُسِرٍّ، ومن شَرِّ ما يخرج بالليل، ويَكْمُنُ بالنَّهار، ويَكْمُنُ بالليلِ ويخرجُ بالنَّهارِ، ومن شَرِّ ما خَلَقَ وذَرَأَ وبَرَأ، ومن شَرِّ إبليس وجنوده، ومن شَرِّ كُلِّ دَابةٍ أنت آخذٌ بناصيتها، إنَّ ربي على صراطٍ مستقيم، أعوذ بالله مما استعاذ به موسى وعيسى وإبراهيم الذي وَفَّى، ومن شَرِّ ما خَلَقَ وذَرَأ وبَرَأ، ومن شَرِّ إبليس وجنوده ومن شَرِّ ما يبغي، ثم يقرأ الآيات العشر الأولى من سورة الصافات". [الوابل الصيب من الكلم الطيب، 1/86].

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5) إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} [الصافات: 1 - 10].

يعني الحصن نفسه هو الذي يبدأ بـ: "بسم الله" - سلمكم الله وأحبكم - حتى إذا ما انتهينا منه، قرآنا الآيات من [1: 10] من سورة الصافات، ومعروفٌ مدى قُوَّةِ سُورةِ الصَّافات في التحصينات للبدن، وفي مُضايقةِ الجِنِّ؛ لأنها قوية في صَدِّ الحَسَدِ - أيضًا - يعني هذا الحِصنُ يُعالج الوسوسة؛ فعندما يقرؤه الإنسان الرَّاقي على نَفْسِ المُوسْوِس - سلَّمكم الله - أو يقرأ على ماءٍ ويشربه الممسوس [الذي عنده مَسّ]، أو يشربه المسحور الذي عنده سِحرٌ، أو يشربه الإنسان الذي تَوقَّفَ حالهُ بفعلِ القرينِ أو بفعلِ الحَسَدِ؛ لأنَّ وَقْفَ الحَالِ يأتي إِمَّا عن طَريقِ القَرينِ وإمَّا عن طَريقِ الحَسَدِ.

إذا هذا الحصن الحصين - إِنْ صَحَّ التعبيرُ - الذي ذكره ابن القيم - رحمه الله تعالى - وسأقرؤه على أسماعكم مرة ثانية: " بسم الله، بسم الله، بسم الله، أمسينا بالله الذي ليس منه شيء ممتنع، وبِعِزَّةِ اللهِ التي لا تُرام ولا تُضام، وبسلطان الله المنيع نحتجب، وبأسمائه الحسنى؛ كلها عائذ من الأبالسة، ومن شَرِّ شياطين الإنس والجن، ومن شَرِّ كُلِّ مُعْلِنٍ أو مُسِرٍّ، ومن شَرِّ ما يخرج بالليل، ويَكْمُنُ بالنَّهار، ويَكْمُنُ بالليلِ ويخرجُ بالنَّهارِ، ومن شَرِّ ما خَلَقَ وذَرَأَ وبَرَأ، ومن شَرِّ إبليس وجنوده، ومن شَرِّ كُلِّ دَابةٍ أنت آخذٌ بناصيتها، إنَّ ربي على صراطٍ مستقيم، أعوذ بالله مما استعاذ به موسى وعيسى وإبراهيم الذي وَفَّى، ومن شَرِّ ما خَلَقَ وذَرَأ وبَرَأ ومن شَرِّ إبليس وجنوده ومن شَرِّ ما يبغي، ثم يقرأ الآيات العشر الأولى من سورة الصافات".

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم:

{وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5) إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ } [الصافات: 1 - 10].

وسيكون هذا حِصنًا كَافيًا مُريحًا، ولو تأملت هذا الحصن للاحظتم أنه يبدأ باسم الله، ثم يستعين بِعِزَّةِ اللهِ التي لا تُرام ولا تُضام، ثم بسلطان الله، بمعنى أن المعالم الرئيسة الأساس هي: [بسم الله/ بعزة الله/ بسلطان الله/ بأسمائه الحسنى كلها]؛ فهذه الأشياء الذي يستعين بها الإنسانُ في البدايةِ، ولكن، هناك سؤال، وهو: يستعين بها على ماذا؟

إنه يستعين بها على إبليس وجنوده وشياطين الإنس والجن، يستعيذ من كُلِّ ضَرَرٍ يأتي لك من حَسَدٍ، أو مَسٍّ أو كَرْبٍ أو حِقْدٍ أو نظرة، وهكذا.