الإستاذ الدكتور أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الإسلامى
أيها الأحباب.. لقد أظهر تقرير صادر عن الأمم المتحدة يؤكد أن أكثر من أربعمأئة مليون شخص حول العالم يعانون من الانهيار النفسي عام 2012م، وإن أقل الدول تأثرا بهذه الظاهرة الدول الإسلامية.. لأن الإسلام هو الخط الدفاعي لترميم النفس.. لأن النفس إذا لم تُرمّم يعلوها الصدأ. والذي يكشف الصدأ هو ذكر الله، وذكر الله حماية للقلوب.
ما المقصود بتعديل السلوك؟
العلم بالله وبقدرة الله هو الذى يجعل نفسك طيّعة للاستجابة، {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} لا بد وأن يسمع الإنسان بكل جوارحه، ليس بأذنيه فقط، { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} إذًا سرعة الاستجابة درب من تعديل السلوك، قال تعالى: { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } [ النساء. 65] ليس لك أن تعترض، وليس لك أن تتباطأ فى الإجابة، وليس لك أن تعقب على كلام الله ولا كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، التسليم بقرارات الله وبقرارات رسوله صلى الله عليه وسلم تعديل للسلوك، أريد لك صدرًا نقيًّا، أريد لك قلبًا نقيًّا، أريد لك وجهًا منيرًا، { ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }.
بعض أساليب تعديل السلوك..
تعديل السلوك بـ "لا تغضب"
لو أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يتأثر بكلام المنافقين ما استطاع أن يؤدى رسالته، اتهموه فى عقله، ورموه فى عرضه، ورموه بكل أنواع الإساءة وأشكالها، قال النبى صلى الله عليه وسلم للصحابى الجليل معاذ بن جبل رضى الله عنه: "اتقِ الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحُها، وخالق الناس بخلق حسن" خالق الناس بخلق حسن وإن هم أساءوا إليك، وإن هم عذّبوك فاصبر عليهم، وجادلهم بالتى هى أحسن، وانصحهم بأسلوب جيد.
تعديل السلوك بالابتسامة
الإنسان جُبل على خصائص معينة، فيجب عليه أن يغيّر هذه الخصائص للأفضل، قال صلى الله عليه وسلم: ((تبسُّمك فى وجه أخيك صدقة))، أشياء سهلة جدًّا، إن تكلمت فانظر إلى سمع الله لك، وإذا نظرت، فانظر إلى رؤية الله لك، وإذا تحركت فانظر إلى مراقبة الله لك.
كم ستكلفنى التكشيرة فى وجوه الناس؟ ستكلفنى الكثير، رفع ضغط الدم، وكراهية الناس، والبعد عن سُنّة النبى صلى الله عليه وسلم، أما الابتسامة فستمنحنى الحيوية، ومحبة الله، والقرب من الناس ومودّتهم لى، ولن تستغرق منى وقتًا، ولن تكلفنى جهدًا، ما رأيك لو عدّلت السلوك ورسمت على وجهك ابتسامة ليست مصطنعة، بل خارجة من صميم قلبك، وسيدنا سليمان عليه السلام لم يتبسم فقط، ولكن قال الملك جلّ وعلا فى حقّه: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا} يعنى كل ردِّ فعل منعش فعله، إذن التكشيرة تكلفك الكثير، والابتسامة لن تكلفك شيئًا.
تعديل السلوك باجتناب الشيطان
الشيطان عندما يرى عندك خللًا من جانب معيّن فإنه يدخل لك من هذا الباب، {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ } أنت الآن فى جنة كبيرة يريد الشيطان أن يخرجك من هذه الجنة كما أخرج أبويك آدم وحواء من الجنة، المساجد جنّة، مجالس العلم جنّة، صلة الأرحام جنّة، يحاول الشيطان أن يدخل إليك من مناطق الضعف عندك، فيسوّل لك المعاصى ويزين لك طُرقها، فأنت مطلوب منك الآن أن تعدّل سلوكك بأن لا يجد لك مدخلًا يدخل منه.
لقد خلق الله الإنسان ضعيفًا لكى لا يفسد فى الأرض، قال تعالى: { وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا } ولكن على الإنسان أن يقوّى نفسه بالله عزّ وجلّ، لأنه لو ترك نفسه ضعيفة فلن يستطيع أن يتغلب على الشيطان، سلِ الله أن يقويك، وسلِ الله أن يغنيك، وسل الله أن يزيد إيمانك، {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} وهذا تعديل السلوك بالدعاء.
تعديل السلوك بالوضوء
تعديل السلوك يكون فى التغلّب على وساوس الشيطان، كلّما اشتدَّ الأمر عليك فتوضّأ، لأن الوضوء يجعل بينك وبين الشيطان حائلًا، قال النبى صلى الله عليه وسلم: "ولا يحافظ على الوضوء إلا تقىّ".
قال تعالى:{ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (البقرة: 222). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ الْمِيزَانَ. وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلآنِ - أَوْ تَمْلأُ - مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالصَّلاَةُ نُورٌ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا)).
تعديل السلوك بالذكر
قال الملك: {أَلا بِــذِكْــرِ الــــلَّــــهِ تَـــطْــمَـــئِــنُّ الْـــقُـــلُــــوبُ} بلى، لا تترك لأولياء الشيطان سبيلا للوصول إليك، {فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} خُذ كل أعمالك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، حافظ على الأذكار فى أوقاتها.
تعديل السلوك بالأذان
قال صلى الله عليه وسلم: ((الأذان يطرد الشيطان)) الأذان يزيح عن طريقك كل الألغام الشيطانية، لأن الأذان يبدأ بـ"الله" وينتهى بـ"الله" فكأن حياتك كلها بين "الله" و"الله" هكذا تعلمنا أن الأذان يعدّ من أقوى علاجات الوسواس القهرى.
المرض النفسي مشكلته الأساسية أنه يجعل همة الإنسان ضعيفة، وبالتالي من أي ناحية يأتي لك المرض؟
تعديل السلوك بعدم الفرقة
قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾ [آل عمران: 103]، وقال جل وعلا: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِير﴾ [الحج: 78]، وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من ثلاثة نفر في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية)).
تعديل السلوك بحضور مجالس العلم:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ))، فيكفي بأهل مجالس شرفا أن الله تعالى يذكرهم فيمن عنده، فما أعظم هذه الهدية من رب البرية جل وعلا.
تعديل السلوك بالتأمل
أي التأمل في خلق الله تعالى، إن أعظم الناس مشاهدة وتأملا في خلق الله تعالى هم الأنبياء، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} [الأنعام: 75].
قال بن الجوزي رحمه الله تعالى: كلما أردت أن أحصّل العلم كنت آخذ الخبز اليابس وأذهب إلى البحر، وأغمس الخبز من ماء البحر ثم آكلها، وأنا أشاهد خلق الله تعالى، وأتأمل في بديع صنعه فيتح الله تعالى علي من العلم.. فكلما استغرق الإنسان في المشاهدة فتح الله عليه، ويسّر له الفهم، وقرب له الأفكار.
العلاج بالمشاهدة يعطيك قوة، كثير من المبشرين دخلوا الإسلام بسبب المشاهدة، يحكي أحدهم بعد أن دخل الإسلام سبب إسلامه حين رأى المسلمين يصلون صلاة التهجد، ورأى السكينة على وجوههم والخشوع، فتحول بفضل الله تعالى من محارب للإسلام والمسلمين إلى محب لله ولرسوله، كل ذلك أيها الأحباب بسبب المشاهدة.
تعديل السلوك بحسن الظن بالله
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ هم خير منهم)). الحديث رواه مسلم وغيره.
ومن فضائل الذكر عموما وأذكار الصباح والمساء خصوصا ما جاء في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك.
تعديل السلوك بالقرآن
القرآن أيه الأحباب الكرام من وسائل طرد الوساوس، ويعد من أفضل وسائل تعديل السلوك للقضاء الوسواس القهري.
فالقرآن كله يتكلم عن تعديل السلوك فهو يعدل سلوك الأمة لكى تكون أمة محمدية صادقة، كل القرآن الكريم يدور حول تعديل سلوك الناس إلى الأفضل، {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} أي اجتبوا الشيطان، وتعديل السلوك هنا فى هذه الآية بأن تقيم عداوة مع الشيطان، اجتنبوه يعنى، اجتنبوا أساليبه، أغلقوا أبوابه، هذا هو تعديل السلوك.
لا بد أخي الحبيب من تغيير نمط سيْر حياتك، ولا بد من وضع أسس لتغيير وتعديل السلوك لتنقل حياتك من السيء إلى الأفضل، ومن الظلام إلى النور، ومن الضلال إلى الهدى، ومن المرض النفسي إلى المعافاة والسلامة. وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين