بقلم أ.د.أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الإسلامي الكبير
أيها الأحباب الكرام، إن الهدف من هذه المحاضرات ليس فقط علاج أصحاب الأمراض النفسية والوساوس القهرية، وإنما الهدف الأول من هذه المحاضرات هو تعليم الناس كيفية وطرق علاج ذويهم من أصحاب المشاكل النفسية والضغوط الحياتية والرهاب الاجتماعي والوسواس القهري.
الاغتراب النفسي:
الإنسان الذي ينحصر ويتقوقع على نفسه ويسلم نفسه للمشاكل النفسية فإن هذه المشاكل تتغلب عليه وتسيطر عليه، فيحدث عنده شيء اسمه الاغتراب النفسي، فيعيش في هذه الحياة غريبا وهو بين أهله، تائها وهو في بيته، مشتتا وهو بين أصحابه وأحبابه، والاغتراب النفسي هي حالة موجودة منذ فجر التاريخ، بدأت تسيطر على بعض المجتمعات بشكل كامل.
ما هو الاغتراب النفسي؟
تعددت الأسباب والاغتراب واحد، فهو عبارة عن انعزال الإنسان عن مجتمعه وأصدقائه وأسرته، كما يمكننا القول بأنه انفصال الذات والنفس عن الواقع بشكل حاد، ومحاولة التخلص من الحياة التي تربطه بهذا الواقع المؤلم، والتحليق بعالم خيالي يمتلكه الفرد لنفسه فقط.
وُجدت تلك الظاهرة منذ القدم، وبدأت في الازدياد بشكل ضخم نتيجة للأحداث الهائلة التي تحدث في الفترات الحالية، والمتغيرات الكبيرة التي تؤثر بالسلب على الإنسان وعلى حياته، الأمر الذي جعله يكتفي بذاته ونفسه ويتخلى عن مجتمعه أو أيا كان ما يربطه بواقعه الأليم، منعزلًا عما حوله من أحداث وتغيرات خارجية، وأصبح غير قادر على التعامل مع حياته.
أهمية الاختلاط بالناس:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم))، فالذي يخالط الناس يكتسب خبرة في التعامل معهم ويكتسب خبرات في الحياة، حتى وإن رأى من الناس الأذى وعدم الاحترام، فإن ذلك يعلمه كيف يميز بين الطيب وغير الطيب من الناس، أما الذي يؤذي الناس بلسانه أو بعمله فحسابه على ربه، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رجل: يا رسول الله! إن فلانة تذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها. قال: ((هي في النار)) . قال: يا رسول الله! فإن فلانة تذكر قلة صيامها وصدقتها وصلاتها وإنها تصدق بالأثوار من الأقط ولا تؤذي بلسانها جيرانها قال: ((هي في الجنة)). فمن خالط الناس تعلّم، ومن اعتزل الناس لم يتعلم وتعب في حياته، وعانى من المشاكل النفسية.
كلما اشتدت على المسلم الحياة، فعندما يسكن إلى الله، فإن مشاعره تسكو وتهدأ بسكينة لا يعلم مصدرها إلا الله، وإنما مصدرها ((الله))، قال تعالى: {وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم}، أي إن صلاتك على النبي تجعل النبي يصلي عليك، فتهدأ نفسك، لذا قال تعالى: {هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانما مع إيمانهم ولله جنود السماوات والأرض}، أي أن السكينة جند من جنود الله تعالى.
كثير من الناس يصاب بنوبات من الهلع، والهلع هو نوع شديد من أنواع الخوف ،والذي يصاب بهذا النوع من الخوف قد يموت خوفا من أقل المواقف التي يتعرض لها، وهذه الظاهرة تحدث بين المسلمين بكثرة، لأن الناس لم يأخذوا بوصية نبيهم صلى الله عليه وسلم عندما قال للصحابي: ((استعن بالله ولا تعجز))، فمن استعان بالله قواه، ومن استعد استمد، وما دام المؤمن في معية الله فلا يخاف على نفسه بأسا ولا فقرا ولا مرضا، لأن الله كافيه شر كل ما يهمه، قال تعالى: {أليس الله بكافٍ عبده}، فمن عبد الله بيقين، ومن دعا الله بيقين كفاه الله شر كل ذي شرٍّ.
صفات الشخص المغترب نفسيا:
1- الشعور بالانفصال النسبي عن الذات أو عن المجتمع أو عن كليهما.
2- الشعور بالعجز.
3- الشعور بحالة من الرفض وعدم الرضا التي قد يعيشها الفرد في علاقته بمجتمعه.
4- ضعف شديد في الثقة بالنفس.
5- الشعور بعدم جدوى الحياة ومعناها.
6- الشعور بالعزلة وعدم الانتماء والسخط والقلق والعدوانية.
7- الشعور باغتراب الذات عن هويتها وعن الواقع.
8- الشعور برفض القيم والمعايير الاجتماعية.
أسباب الاغتراب النفسي:
1 – البعد عن الله وعن الطاعة، وضعف الهمة، وقلة العزيمة.
2 – عدم مجالسة أهل العلم، وعدم حضور مجالس الذكر، فإن صحبة أهل العلم والنهل من علمهم خير وبركة ونور وهداية من الله.
3 – اعتزال الناس وعدم مخالطتهم خوفا من الفتنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن اعتزال الناس، وحضنا على التزام القرب من جماعة المسلمين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية)).
4 – الخوف من الناس، والخوف من المستقبل.
5 – القلق والرهاب الاجتماعي، والوسواس القهري.
6 – الخوف من الفشل، وعدم الرزق. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب)).
علاج الاغتراب النفسي:
أيها الأحباب.. إن الاغتراب النفسي مشكلة يعاني منها الكثير من الناس مثل باي المشااكل النفسية كالوسواس القهري، والرهاب الاجتماعي والقلق والأرق، وكل هذه المشاكل نستطيع أن نتغلب عليها بأمور سهاة وبسيطة، وكل هذه المشاكل علاجها في القرب من الله، والقرب من القرآن الكريم، والبعد المعاصي، ومن هذه الوسائل ما يلي:
1 – المحافظة على الأذكار؛ أذكار الصباح وأذكار المساء، وأذكار السفر والعودة، ودخول البيت والخروج منه، وأذكار دخول المسجد والخروج منه..
2 – المحافظة على ورد يومي من القرآن الكريم، لأن القرآن الكريم يريح النفس، ويطمئن القلب، قال تعالى: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين}.
3 – الحفاظ على الصلاة، وخاصة صلاة الجماعة على وقتها، والمحافظة على صلوات النوافل والسنن.
4 – المحافظة على الوضوء، فإن الوضوء طهارة للجسد وللروح، كما أن الشيطان ينفر من المسلم المتوضئ، والنبي صلى الله عليه وسلم وصف المحافظين على الوضوء بالأتقياء، قال صلى الله عليه وسلم: ((ولا يحافظ على وضوءه إلا تقي)).
5 – الدعاء، قال الله تعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم}، فعلى كل من يعاني من أي مشكلة في حياته فعليه أن يلجأ إلى الله تعالى بالدعاء، فلقد قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الدعاء مخ العبادة)).
6 – رفقة الصالحين من الناس، قال تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾ [الكهف: 28]، وقال - صلى الله عليه وسلم-: ((إن لله عبادًا ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء لمكانتهم من الله تعالى)). فقال الصحابة: من هم يا رسول الله؟! قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: ((هم قوم تحابوا في الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم لعلى منابر من نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يفزعون إذا فزع الناس)).
7 – الاستعانة بأهل الخبرة وأهل العلم في حالة وجود أي مشاكل نفسية دون أي حرج، فلقد قال تعالى: {فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}.