كانوا فى رمضان

محاضرات
طبوغرافي

بقلم أ.د.أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الإسلامي الكبير

في هذا الشهر كان المتقون؛ وأولهم الصحابة رضوان الله تعالى عليهم ومن بعدهم من التابعين، أحوالهم وأفعالهم مستقاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان عليه الصلاة والسلام جوادًا كريمًا، يطعم الطعام، ويقرأ القرآن، ويقوم الليل حتى تتفطر قدماه، إلى غير ذلك من العبادات والطاعات التي يضاعفها صلى الله عليه وسلم في رمضان أكثر من غيره من الأزمان، والسلف الصالح على أثره ماضون، وعلى خطاه سائرون، نسأل الله أن يهدينا بهداهم، وأن يعيننا بالسير على خطاهم، اللهم آمين.


فقد كان لهم أحوال في رمضان غير أحوالهم في غير رمضان من الشهور، فمنهم الإمام مالك بن أنس؛ الذي لا تنقطع دروسه في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم يوقفها في رمضان؛ لأنه ينشغل بشهر القرآن، الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى إذا دخل رمضان يفرُّ من الحديث، ومن مجالسة أهل العلم، ويُقبل على تلاوة القرآن من المصحف.


وكان سفيان الثوري رحمه الله إذا دخل رمضان ترك جميع العبادات، وأقبل على قراءة القرآن.
وكان محمد بن إسماعيل البخاري - صاحب الصحيح - يختم في رمضان في النهار كلَّ يوم ختمة، ويقوم بعد التراويح كلَّ ثلاثَ ليال بختمة.


وكان سعيد بن جبير يختم القرآن في كل ليلتين.


وكان زبيد اليامي: إذا حضر رمضان أحضرَ المصحفَ وجمع إليه أصحابه.


وكان الوليد بن عبد الملك يختم في كل ثلاثٍ، وختم في رمضان سبع عشرة ختمة.


وقال أبو عوانة: شهدتُ قتادة يدرِّس القرآن في رمضان.


وكان قتادة يختم القرآن في سبع، - أي: كل سبع ليالي يقرأ القرآن مرة -، وإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاثٍ، فإذا جاء العشر الأواخر ختم كل ليلةٍ.


وقال الربيع بن سليمان - تلميذ الشافعي رحمه الله -: كان الشافعي يختم القرآن في شهر رمضان ستين ختمة، -يعني في كل ليلة يختمه مرتين- وفي كل شهر ثلاثين - أي في غير رمضان - ختمة.


وكان وكيع بن الجراح يقرأ في رمضان في الليل ختمةً وثلثاً، ويصلي ثنتي عشرة ركعة من الضحى، ويصلي من الظهر إلى العصر.


أما حالهم رضي الله عنهم في النفقة والجود والكرم في رمضان، فحدث ولا حرج، مقتدين في ذلك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان، إنّ جبريل عليه السلام كان يلقاه في كل سنة في رمضان حتى ينسلخ - يعني جبريل طول الشهر يلقَى النبي كل ليلة، فينسلخ الشهر - فيعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة)). متفق عليه.


وقال ابن رجب: قال الشافعي رضي الله عنه: ((أُحبُّ للرجلِ الزيادةَ بالجودِ في شهر رمضان؛ اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولحاجةِ الناس فيهِ إلى مصالحهم، ولتشاغل كثيرٍ منهم بالصَّومِ والصلاةِ عن مكاسبهم)).


وكان ابن عمر رضي لله تعالى عنهما يصوم، ولا يفطر إلاَّ مع المساكين، يأتي إلى المسجد فيصلي ثم يذهب إلى بيته ومعه مجموعة من المساكين، فإذا منعهم أهله عنه لم يتعشَّ تلك الليلة.


وكان إذا جاءه سائل وهو على طعامه، أخذ نصيبه من الطعام، وقام فأعطاه السائل، فيرجع وقد أكل أهله ما بقي في الجفْنَةِ، فيصبح صائماً ولم يأكل شيئاً.


وكان حماد بن أبي سليمان يفطِّر في شهر رمضان خمسَ مائةِ إنسانٍ، - طيلة شهر رمضان هو مسئول عنهم وعن تفطيرهم - وإنه كان يعطيهم بعد العيد لكلِّ واحدٍ - منهم - مائة درهم.