قضاء حوائج المسلمين من أسمى مقاصد الدين الحنيف

محاضرات
طبوغرافي

الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الإسلامى

يزيدُ قضاءُ الحوائج الناس من المحبة بين المؤمنين، ويزيل التشاحن والتباعد بينهم، ولذلك فهو مجال لتطهير المجتمع المسلم من أسباب التقاطع وزرع للحب بين أفراده.


قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ما من عبد أنعم الله عليه نعمة فأسبغها عليه، ثم جعل من حوائج الناس إليه فتبرم ؛ فقد عرض تلك النعمة للزوال))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة. ومن يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة. ومن ستر مسلما، ستره الله في الدنيا والآخرة. والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما، سهل الله له به طريقا إلى الجنة. وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده. ومن بطأ به عمله، لم يسرع به نسبه))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة))، فكل هذه الأحاديث أيها الإخوة الكرام تحث المسلم على أن يبذل الخير من أجل الناس، فالإسلام دين ترابط ودين تعاون، ودين مؤاخاة، فعلى المسلم أن يسعى في قضاء حوائج الناس ولا ينتظر الأجر على ذلك إلا من الله تعالى وحده، وأبواب قضاء الحوائج كثيرة – أيها الأحباب – فمنها زيارة المرضى ومساعدتهم، ومنها إطعام الفقراء والمساكين وكسوتهم، ومنها الإصلاح بين الناس، ومنها إدخال السرور على المسلمين، ومنها نشر قيم الإسلام الوسطية ونبذ قيم العنف والتشدد والإرهاب..


لماذا يمنعك الشيطان من الصدقة؟

يخشى عليك الشطان من الصدقة لأنك إن تصدقت بارك الله لك في مالك، قال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}، فالشيطان لا يحب أن يبارك الله تعالى لك، وأنت إن تصدقت كنت في معية الله وفي رضوان الله، والشيطان لا يحب أن يراك في معية الله ولا في رضوانه.

 

الإنسان إذا تصدق استشعر بركة الصدقة في حياته، يستشعرها بأن يعطيه الله عافية وقوة وبركة وعزيمة في ماله كلما تصدق لله تعالى، والشيطان لا يريد لك هذا، بل يريد لك الفقر والضعف والفتور، لا يحب لك أن تنجح في أي اختبار.


الله تعالى يختبر الإنسان في المال وهو أصعب اختبار على الإنسان، فلقد فشل قارون في هذا الاختبار عندما كان أغنى أهل الأرض جميعا، فلقد كنز المال وقال: {إنما أوتيته على علم عندي}، على الرغم من أن الله هو الذي أعطاه إياه ليختبره به، فأعطاه الله من المال ما لم يعط أحدا من العالمين، قال تعالى: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ}، فلقد فرح بماله وزعم أن الله لم يرزقه به وأنه هو الذي اكتسبه بعلم عنده وبمجهوده هو، فكانت النتيجة أن خسف الله به وبداره الأرض، قال تعالى: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ}، خسف الله به.. لأنه اتبع الشيطان وعصى الرحمن، لأنه لم يتصدق، لأنه تكبر على الناس بزينته وبماله، ولذا رسب في هذا الاختبار الذي أعده الله تعالى له، وكثير من الناس في زماننا هذا من أصحاب الثروات الضخمة قد تبعوا نهج قارون وحرموا من أموالهم الفقراء وذوي الحاجات، وزعموا أنهم اكتسبوا هذا المال باجتهادهم وبمهاراتهم ولم يعلموا أن الله تعالى قد وهبه إياهم كي يختبرهم فيه، ولكن لم ينجحوا في هذا الاختبار، فبخلوا على خلق الله، وحرموا من مالهم الفقراء والمساكين؛ مع أنهم لن يأخذوا معهم في قبورهم منه شيئا.