الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الإسلامى
الكلام عن الاسم الأعظم هو غاية العلوم ومرادها وهو سقف المعارف وأعلاها، وهو أبهاها وأزهاها، وهو أجَلُّها قدرا، إن المجال واسع، وإن البحر عظيم لا شاطئ له، عنوانه وشعاره: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} وما أوتيتم من العلم إلا قليلا، ستبقى ظمأن حتى تلقى الملك، فـترتوي بـشرف النظر إليه، ستبقى ظمأن حتى ترتوي من حوض حبيبك - صلى الله عليه وسلم - وما نقدمه لكم من دروس وإن طال بك الزمان، فـهي رشفات في بحر خضمّ، لجته عميقة، أمواجه النور، تعلوه سحائب العلم بـالله، وهو أعلى العلوم، فـاعلم أنه لا إله إلا الله.
إن كلمتك عن التوحيد - لا إله إلا الله - فإننا نقول كلاما جميلا في علم التوحيد، وفي علم الأسماء، وفي علم الصفات، وهذا الذي عشنا معه في الروضات الماضية.
أيها السادة إنني أقابل – في معية الحبيب - جمهرة من كبار السلف الصالح، والصحابة الكرام، بل والأنبياء، أستضيفهم معي، في معية يزداد نورها، ويكتمل إشراقها بـهدي سيدنا صلى الله عليه وسلم، أما في هذا الدرس فـإني في شأن عجيب، وما أدراك ما هذا الشأن العجيب، لست أتكلم عن الأسماء الحسنى، التي عشنا معها من قبل، إنما سـأتكلم في بحر عظيم، به من الكمالات، وبه من العطايا، ما لا حد له، {كُلًّا نُمِدّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاء رَبّك وَمَا كَانَ عَطَاء رَبّك مَحْظُورًا } إنه الاسم الأعظم.
دعوني أربط بين الأسماء الحسنى، والاسم الأعظم، قلت لك، وسـأقول لك العمر كله: إن أسماء الله تعالى كلها حسنة، وعندما زاد حسنها، أصبحت الأسماء الحسنى، التسمية فيها رفعة لله الملك، ولم يقل الأسماء الحسنة، إنما جَمّلها فعلاها، فـعلاها، فـميزها.
إذا تميز شيء علا، ولا تعلو إلا بـالله، فـتعالى الله:
{وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } الحسنى، كل الأسماء حسنى، ولكن هناك مفاتيح للأسماء، هذه المفاتيح هي الداخلة، في علم يسمى اسم الله الأعظم، اسم الله الأعظم هو المفتاح الذي يفتح علينا جانبا عظيما من الترقي
إذا قلت: يا الله، يا عظيم يا كريم، يا حنان يا منان، يا جليل يا سميع يا بصير، يا حسيب يا رشيد، يا أول يا آخر، يا ظاهر يا باطن، كل هذا من باب فادعوه بها، لكنك إن تميزت، فـعلمت، وتعلمت، الاسم الأعظم، إنك تدعو بدعاء مباشر والإجابة به محققة.
عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا وَرَجُلٌ يُصَلِّي ثُمَّ دَعَا " اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ " ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى).
اسم أعظم، أي أعظم في طلب الجواب، أعظم في طلب المراد، أعظم في طلب الشفاء، وفي طلب الارتواء من الله سبحانه وتعالى.
"وإذا سُئل به أعطى"، المعنى (مفاتيح الإجابة، ومفاتيح القبول، أن يعلمك الله الاسم الأعظم) مسألة تعليم الأسماء، هي التي أحب أن أتوقف عندها، لأن من فقه الاسم، وعايشه، ودعا به، فإن الله تعالى مجيبه لا محالة.
ما هو اسم الله الأعظم؟
أولاً: وردت ثلاثة أحاديث صحيحة ذكر فيها أسم الله الأعظم وهي:
الحديث الأول: عن بريدة رضي الله عنه قال: (( سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو وهو يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى )) رواه الترمذي وأبو داود وإسناده صحيح.
الحديث الثاني: عن أنس رضي الله عنه قال: (( كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد ورجل يصلي فقال: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت الحنان المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم أسألك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى)) رواه الترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه وإسناده صحيح.
الحديث الثالث: عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في ثلاث سور من القرآن في البقرة وآل عمران وطه)) رواه ابن ماجه والطبراني والطحاوي في مشكل الآثار وإسناده صحيح .
قال أبو حفص (أحد علماء السلف الصالح): فنظرت في هذه السور الثلاث فرأيت فيها شيئاً ليس في القرآن مثلها في القرآن في البقرة آية الكرسي قوله تعالى: {اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}، وفي آل عمران قوله تعالى: {اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}، وفي طه قوله تعالى: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} .
- حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: (اللهم إني أسألك بأنك أنت الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لقد سأل الله بالإسم الذي إذا سئل به أعطي وإذا دعي به أجاب) وفي لفظ : (لقد سألت الله باسمه الأعظم ).
- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا ورجل يصلى ثم دعا فقال: (اللهم إني أسالك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والارض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى ). وأخرج الحديثين أحمد فى مسنده.
- وعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ) وفاتحة آل عمران: (آلم الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) حديث حسن صحيح .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أهمه الأمر رفع رأسه إلى السماء وإذا اجتهد في الدعاء قال: (يا حي يا قيوم) وعن أنس بن مالك قال كان النبي إذا كربه أمر قال يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث).
- وعن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اسم الله الأعظم في ثلاث سور من القرآن البقرة وآل عمران وطه). قال القاسم فالتمستها فإذا هي آية الحي القيوم.
- وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دعوة ذي النون اذ دعا وهو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين إنه لم يدع بها مسلم في شي قط إلا استجاب الله له). قال الترمذي حديث صحيح
-وفي الصحيحين من حديث بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: (لا إله الا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض رب العرش الكريم ).
- وعن على بن أبي طالب رضي الله عنه قال علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل بي كرب أن أقول: (لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله وتبارك الله رب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين).
- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلمما أصاب أحد قط هم ولا حزن فقال اللهم إني عبدك بن عبدك بن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحدا من خلقك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرحا) فقيل يا رسول الله ألا نتعلمها قال عليه الصلاة والسلام بل ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها) .
* كرامة أبي معلق:
- وذكر ابن أبي الدنيا في كتاب المجانين في الدعاء عن الحسن قال كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار يكني أبا مغلق وكان تاجرا يتجر بمال له ولغيره يضرب به في الآفاق وكان ناسكا ورعا..
فخرج مرة فلقيه لصٌّ مقنع في السلاح فقال له: ضع ما معك فاني قاتلك، قال: فما تريد إلا دمي فشأنك والمال قال أما المال فلي ولست أريد إلا دمك قال أما إذا أبيت فذرني أصلى أربع ركعات قال صلِّ ما بدا لك.
فتوضأ ثم صلَى أربع ركعات وكان من دعائه في آخر سجدة أنه قال: يا ودود يا ذا العرش المجيد يا فعال لما تريد، أسألك بعزك الذي لا يرام، والملك الذي لا يضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شرَّ هذا اللص. يا مغيث أغثني يا مغيث أغثني يا مغيث أغثني. دعا بها ثلاث مرات فإذا هو بفارس قد أقبل بيده حربة وضعها بين أذني فرسه، فلما أبصر به اللص أقبل نحوه فطعنه فقتله، ثم أقبل إليه فقال: قُـم. قال: من أنت بأبي أنت وأمي فقد أغاثني الله تعالى بك اليوم؟ قال: أنا ملك من أهل السماء الرابعة دعوت الله بدعائك الأول فسمعت لأبواب السماء قعقعة، ثم دعوت بدعائك الثاني فسمعت لأهل السماء ضجيجا، ثم دعوت بدعائك الثالث فقيل: دعاء مكروب، فسألت الله عز وجل أن يوليني قتله.
- قال أنس رضي الله عنه: فاعلم أنه من توضأ وصلى أربع ركعات ودعا بهذا الدعاء استُجيب له مكروبا كان أو غير مكروب.
أيها الأحباب.. الدعاء أساسه كلمة الله، وهي القضية كلها، {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}، الحياة كلها بـاسم ربك، الموت كله بـاسم ربك، وأن مردنا والأمور المصيرية، لله تعالى، {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}، عندما نتكلم عن الأمور الحاسمة في حياة البشر، لا يأتي معها إلا الاسم الأعظم، الله، {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}، الحنان المنان، الحي القيوم، الله الواحد الأحد، الله يا ذا الجلال والإكرام، ردد طول اليوم: ((يا الله يا ذا الجلال، والإكرام))، استمر في ترديدها وذكرها، هذه كلها أسماء حسنى عظمى.
دعاء الاسم الأعظم إذا ما سُبق بـالله. يكون له خصوصية، فـإذا ما قلت يا حنان يا منان، أو يا الله يا حنان يا منان، فقد تعرفت إلى جانب عفوه، وإلى جانب ستره العميم، وإلى جانب منه ومننه الدائمة، التي لم نقدر على دفع فواتيرها، فأنت مطلوب منك أن تدفع فاتورة غالية عليك، اسمها فاتورة الاسم الأعظم، الله تعالى أعطى لك معلومة، وانا أشرحها لك بـبساطة، وأقول لك أي اسم من هذه الأسماء التي شرحتها لك، بـأدلتها الشرعية، إذا دعوت الله تعالى بها أجابك، وإذا سألته أعطاك، ادفع الفاتورة، هي ((الحمد لله)).
ولِذا آية العز، كما قال سيدنا صلى الله عليه وسلم، {
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} الله أكبر، هذه آية العز، ينبغي أن تحمد الله تعالى على الاسم الأعظم، لماذا؟ لأنها نعمة مَنَّ الله تعالى بها على عباده أن يدعوه، وهو الملك في الأزمات، لأنه مؤكد، أنك إن دعوته فلن يخيبك.
لِذا قال الملك وحق له أن يكون الملك: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}، عندما أقول ((الله))، وهو اسم الذات، فبمجرد أن يأتي على ذاكرتك، فأنت به تحيا، ومن لزومية كلمة الله، أنه قريب.
الاسم الأعظم لابد أن ينفرد بمعان خصوصية قوية خاصة به، الحي القيوم، ناجِ بها؛ "يا حي يا قيوم، برحمتك نستغيث" هذا اسم أعظم، "يا بديع السموات والأرض" اسم أعظم، "يا ذا الجلال والإكرام" اسم أعظم، "يا حنان يا منان اسم أعظم"، هناك علم خاص اسمه علم الأسماء الحسنى، وداخل في هذا العلم الشريف، علم الاسم الأعظم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.