قيمة الرفق في البيوت السعيدة

محاضرات
طبوغرافي

عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا أَدْخَلَ عَلَيْهِمُ الرِّفْقَ)) [ مسند أحمد: 23290]. 

عندما ننظر إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم، لنلتمس أسس السعادة الزوجية ونريد أن نقتبس منها في حياتنا، ونرى طريقة معاملته – صلى الله عليه وسلم مع زوجاته أمهات المؤمنين نجد هناك شيء لا يغيب عنه وهو الرفق  فقد كان صلى الله عليه وسلم رفيقًا مع أهل بيته يكون في مهنة أهله يلاطفهم ويشاورهم ويشاركهم الفرح والحزن صلى الله عليه وسلم.

وإذا أردنا أن نغترف من معين هذا الحديث العظيم فنقول: إذا أراد الله بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرفق بحيث يرفق بعضهم ببعض، فيرفق الزوج بالزوجة، ويرفق الرجل بأبيه وأمه، ويرفق الأب والأم بالولد، ويرفق الإخوة بعضهم ببعض، وهم يرفقون بجيرانهم، وهكذا وعامة البيوت التي تشيع فيها المشكلات والخلافات إذا تأملت فيها وجدت السبب عدم الرفق في علاقة أفراد البيت بعضهم ببعض.

إن أقل الرجال حظًّا من السعادة هو الرجل الذي لا تشعر المرأة بالأنس معه، وقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام يجلس لأزواجه ويستمع شكايتهن، ويحل المواقف العصيبة جدًا بكل راحة واطمئنان، ولو تعلمنا من النبي عليه الصلاة والسلام صفة الزوج الصالح لانتهت مشكلات البيوت.

ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت صانعة طعام أجود من صفية، ففي يوم من الأيام أرسلت صفية رضي الله عنها إناء فيه طعام إلى بيت عائشة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها ومعه ضيوف، فأخذت عائشة الإناء وكسرته، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وقال لأصحابة: ((غارت أمكم))، ثم أخذ إناءها وأرسله إلى صفية، وقال: ((طعام بطعام وإناء بإناء))، فانتهت المشكلة، وحُلت بابتسام.

والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح: ((استوصوا بالنساء خيرًا، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء)) [ البخاري : 3084، ومسلم : 2671]. 

أما بالنسبة للرفق بالأولاد، فقد كان صلى الله عليه و سلم يرفق بالصبيان كثيرًا، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: (مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ).

وعنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يزور الأنصار، ويسلم على صبيانهم، ويمسح رءوسهم.

وعن جابر رضي الله عنه قال: دخلت على النبى صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين على ظهره وهو يقول: ((نعم الجمل جملكما ونعم العدلان أنتما)) [ المعجم الكبير للطبراني: 87].

والرجل الأعرابي الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إنكم تقبلون صبيانكم، إن عندي عشرة من الولد ما قبلت واحدًا منهم، فقال صلى الله عليه و سلم: ((أوأملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك؟)) [ السنن الكبرى للبيهقي: 100 ].

وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل الرفق منها:

ما رواه الإمامان البخاري ومسلم ((إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله)).
وما رواه الإمام مسلم ((إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف)) .

وما رواه الإمام مسلم (( إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه)).

قال البخاري: ((الرفق هو لين الجانب بالقول والفعل)) وهو ضد العنف .
فالرفق هو السهوله في المعامله ، ولين الجانب ، والأخذ بالأيسر، والتأني
في الأمور ، والتدرج فيها، وهو ضد العنف .

ويخبرنا  النبي صلى الله عليه وسلم أن الرفق خير من العنف:

فقد روى الإمام مسلم رحمه الله عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: ((إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِى عَلَى الرِّفْقِ مَا لاَ يُعْطِى عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لاَ يُعْطِى عَلَى مَا سِوَاهُ)) [ البخاري : 6415، ومسلم: 4697 ].

قال ابن حجر رحمه الله: ((يعني: أن الرفق يتأتى معه من الأمور ما لا يتأتى مع ضده، تأتيك بالرفق أشياء، وتنفتح لك مغاليق أمورٍ لا تنفتح لك بغير الرفق مطلقًا)).

كما يعلمنا النبي – صلى الله عليه وسلم – أن الرفق خير رزق للمرء : ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم مبينًا الأثر السلبي والدرجة التي يكون عليها الرجل العنيد الذي حرم الرفق بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «من أُعطِيَ حَظَّهُ مِن الرِّفق فقد أُعْطِيَ حَظَّهُ مِن الخَيرِ، وَمنْ حُرِمَ حَظَّهُ مِن الرِّفق، فقد حُرِم حَظَّهُ من الخير». فالخير موجود حيث الرفق موجود.

كما يعد الرفق بشرى لمحبة الله للعبد: فعن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: ((إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا أَدْخَلَ عَلَيْهِمُ الرِّفْقَ)) . 

وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: ((مَا أَعْطِيَ أَهْلُ بَيْتٍ الرِّفْقَ إِلاَّ نَفَعَهُمْ)).

وعن جرير رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حُرِمَ الرِّفْقَ حُرِمَ الْخَيْرَ أَوْ مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الْخَيْرَ» [ مسلم: 4696 ]. أي: يحرم قدرًا كبيرًا من الخير. أي: يحرم خير العمل الذي استخدم فيه العنف، وانعدم فيه الرفق، وذلك لأن أسلوب العنف أسلوب لا يأتي بخير

ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِى شَىْءٍ إِلاَّ زَانَهُ وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَىْءٍ إِلاَّ شَانَهُ». و(شانه) أي: عابه. ففيه الحث على أن يكون الإنسان رفيقًا في جميع شئونه رفيقًا في معاملة أهله، وفي معاملة إخوانه وفي معاملة أصدقائه وفي معاملة عامة الناس يرفق بهم، فإن الله تعالى رفيق يحب الرفق.

والرفق فوز ومنجاة في الآخرة: قال صلى الله عليه و سلم: «أَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلاَثَةٌ: ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ، وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِى قُرْبَى وَمُسْلِمٍ، وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ» [مسند أحمد : 16837]. أن يكون الإنسان رقيق القلب يعني فيه لين وفيه شفقة على كل ذي قربى ومسلم.

وقال صلى الله عليه و سلم: «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يُحَرَّمُ عَلَى النَّارِ؟ أَوْ بِمَنْ تُحَرَّمُ عَلَيْهِ النَّارُ؟ قَالَ: كُلُّ هَيِّنٍ لَيِّنٍ، قَرِيبٍ سَهْلٍ» [ مسند أحمد : 3742]. قال في «النهاية»: «المسلمون هينون لينون» .

لذلك قال قيس بن أبي حازم: ((كان يقال: من يعط الرفق في الدنيا نفعه في الآخرة)).

لكن كثيراً من الرجال يفهمون الرفق فهماً خاطئاً ويظنون أن الرفق في الحياة الزوجية عبارة عن ذل وانكسار وخضوع للمرأة .

فتراه أكثر الناس حواراً ونقاشاً خارج البيت .

وتراه أكثر الناس ضحكاً وابتساماً خارج البيت .

إن من أهم صفات المجتمع المسلم هو أنه مجتمع يحل مشاكله عن طريق التفاهم وهذه صفة ملازمة للمجتمع المسلم فلا يمكن بحال من الأحوال أن تنفك عنه .

ويجب أن تكون ملازمة للأسرة المسلمة لأنها اللبنة الأولى فيه .

إنك إن أردت شيئاً من زوجتك أو أبنائك فإن الطريقة الإسلامية المثلى هي المعاملة برفق .

وقد دلت الدراسات أن الأسر التي تتعامل بالرفق هي أكثر تماسكاً بينما تزداد نسبة الطلاق من الرجال الذين يحاولون أن يحلوا مشاكلهم عن طريق عضلاتهم.

إن بذر بذور الرفق في البيوت له فوائد عظيمة منها:

  1. تستطيع أن تحصل على ما تريد من زوجتك وأولادك بالرفق.
  2. يعلمك الصبر لأن الله أمر بالصبر على الزوجة والاصطبار عليها.

واصطبر عليها .

  1. زيادة العلاقة بين أفراد الأسرة وزيادة الترابط الأسري فالكل يعلم أن القلوب حوله لها حنان خاص .
  2. لا يخاف الأولاد من بعض التقصير أو الأخطاء فيصارحون الآباء بذلك لعلمه بالرفق والحنان .

طريق موصل إلى الجنة.

دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام.

يثمر محبة الله ومحبة الناس.

ينمي روح المحبة.

دليل على صلاح العبد وحسن خلقه.

الرفق ينزع من القلوب الغل والعنف.

عنوان سعادة العبد في الدارين.

الرفق يزين الأشياء.

نسأل الله العلي العظيم أن يزين قلوبنا بالرفق وأن يرزقنا السكينة والوئام وأن ينزل السعادة على قلوبنا وبيوتنا إنه المنعم الوهاب.