أ.د/أحمد عادل عبد المولى
أستاذ البلاغة والنقد الأدبي المساعد،
بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا
اللغة كائن حيّ، تحيا على ألسنة الناس، ويحيا بها الناس أيضًا، إذ إنها وسيلة التواصل بين البشرية جميعًا، ولذلك أشبهت الهواءَ الذي لا غنى للإنسان عنه، ومن هنا يأتي هذا المقال بعنوان "نسمات لغوية"، نسعى فيه جاهدين لتقديم فائدة لغوية في لغتنا العربية.
ولأن اللغة كائن حي؛ فكثيرًا ما نستخدم في حياتنا اليومية تعبيراتٍ وألفاظًا نعتقد أنها منبتّة الصلة عن الفصحى، ولكنها في الحقيقة من أصل فصيح في لغتنا العربية، من هذا استخدامنا لكلمة (فَذْلَكَة)، وفعلها: فذلكَ يفذلك، فذلكةً، فهو مُفذلِك، والمفعول مُفذلَك، وكذلك: تفذلَكَ يتفذلك، تفذلُكًا، فهو مُتفذلِك.
وكلمة (فَذْلَكَة) تعنى خُلاصة، أي مُجمل ما فُصِّل، فتقول: "فذلكة المقال أو الموضوع أو الكتاب... وغير ذلك". والفعل (فَذْلَكَ كلامَه) أي: أجمل ما فصّله، والكلمة إن كانت محدثة لم ترد في المعاجم القديمة، فهي منحوتة من (فَــــذَلِـــكَ كَذا وكَذا) التي تقال عند التفصيل.
ولا يخفى أن (فَــــذَلِـــكَ) هذه مكونة من: (الفاء) التي قد تفيد العطف أو الاستئناف بحسب ما قبلها، ثم (ذا) اسم الإشارة الذي حذفت ألفه خطًّا للتخفيف، ثم (اللام) حرف للدلالة على البعد، ثم (الكاف) حرف الخطاب، أي أنها تحوي أربع كلمات معًا، فنُحتَت منها كلمة (فَذْلَكَ) التي تعني الخلاصة والمُجمَل، وتُجمع على (فَذْلَكَات) لغير المصدر، كما أنها مصدر للفعل: (فَذْلَكَ).
أما الفعل (تَـــفَــــذْلَــكَ) على وزن (تفعّل) فقد أُضيفت له دلالةٌ أخرى فضلًا عن دلالة (فَذْلَكَ) هي التلاعب بالكلمات لإيهام الصدق في الحديث، ثم عُمّمت الكلمة للدلالة على أي تلاعب أيًّا كان نوعه سواء أكان في الكلام أم في غيره، فصرنا نقول على أي شخص يتلاعب بالكلمات: "يتفذلك في كلامه"، كما نقول على من يقوم بإبراز أي مهارة في التلاعب بأي شيء: "يحب أن يتفذلك فيه"، ويبدو أن ذلك التلاعب جاء نتيجة طبيعية للتفصيل والإسهاب في الشيء، فصار من مقتضياته السلبيّة التي وُسِمَت بها الكلمة.
وفذلكة الأمر على ذلك أن كلمة (فَذْلَكَة) كلمة عربية محدثة منحونة من القول القديم (فَــــذَلِـــكَ كَذا وكَذا). والله تعالى أعلى وأعلم.