نَسَمَاتٌ لُغَويَّةٌ: كلمة: تُـــرْمُــــــس

شعر وشعراء
طبوغرافي

أ.د/أحمد عادل عبد المولى

images (5)

اللغة كائن حيّ، تحيا على ألسنة الناس، ويحيا بها الناس أيضًا؛ إذ إنها وسيلة التواصل بين البشرية جميعًا، ولذلك أشبهت الهواءَ الذي لا غنى للإنسان عنه، ومن هنا يأتي هذا المقال بعنوان "نسمات لغوية"، نسعى فيه جاهدين لتقديم فائدة لغوية في لغتنا العربية.

ولأن اللغة كائن حي؛ فكثيرًا ما نستخدم في حياتنا اليومية تعبيراتٍ وألفاظًا نعتقد أنها منبتّة الصلة عن الفصحى، ولكنها في الحقيقة من أصل فصيح في لغتنا العربية، أو من أصل غير عربي ثم دخلت إلى لغتنا، فصارت عربيّة صحيحة بعد ذلك. من هذا كلمة (تُرْمُس) التي نستخدمها في عاميتنا فنقول (تِرْمِس)، كما نستخدمها بضبطها الأصيل (تُرْمُس) في الدلالة على الزجاجة العازلة التي تحفظ على السَّائِل حرارته أَو برودته. فأين الصواب في ذلك؟
جاء في لسان العرب:
"التُّرْمُسُ: شَجَرَةٌ لَهَا حَبٌّ مُضَلَّع مُحَزَّزٌ، وَبِهِ سُمِّي الجُمانُ تَرامِسَ..."، وفي المصباح المنير: "التُّرْمُسُ وِزَانُ بُنْدُقٍ حَبٌّ مَعْرُوفٌ مِنْ الْقَطَانِيِّ، الْوَاحِدَةُ تُرْمُسَةٌ".

كما ورد في المعاجم الحديثة كالمعجم الوسيط والأساسي ومعجم اللغة المعاصرة فضلا عن هذا المعنى، معنى آخر، وهو: تُرْمُس/ تِرْمُس [مفرد]: ج تَرامِسُ: إناء عازل يحفظ ما يحويه بدرجة حرارته مدةً من الزمن، ساخنًا كان أو باردًا.

وقد نص الوسيط على أنّه دخيل، واللفظ الدخيل غير المعرّب الذي سبقت الإشارة إليه في مقالات سابقة، فالمعرّب هو ما دخل اللغة العربية وحدث له تغيير يناسب طبيعة اللغة العربية، أما الدخيل فهو ما دخل اللغة العربية بهيئته كاملة دون أن يحدث له أي تغيير، لكنه صار عربيًّا بذلك أيضًا، ومن ثمّ أوردته المعاجم الحديثة.

ومن هنا نجد أن ما نستخدمه في عاميتنا المصرية من استخدام كلمة (تُرْمُس) بمعنى الإناء العازل عربي صحيح، وأن ذلك هو النطق الصحيح للكلمة العربية الدالة على الحَبّ المعروف الذي يأكله المصريون وخصوصًا في شم النسيم لا كما ننطقه (تِرْمِس)، كما أن اللافت أن هذه الكلمة في دلالتها على المعنى العربي الأصيل هي جمع مفرده: (تُرْمُسَةٌ)، أما في دلالتها على المعنى الأعجمي الأصل فهي مفرد جمعه: (تًرامِس)، وهذا الجمع هو جمع أصيل في الفصحى أيضًا لكن بمعنى (الجُمان) أي اللؤلؤ. ونختم نسمتنا في هذا العدد بهذه القصة الطريفة التي أوردها ابن سعيد في (المُغْرِب) عن ابن بشكوال، وهو يروي عن الزَّاهِد عبد الرَّحْمَن القنازعي الْقُرْطُبِيّ قوله:
"كنت بِمصْر وَشهِدت الْعِيد مَعَ النَّاس... وانصرفت إِلَى النّيل وَلَيْسَ معي مَا أفطر عَلَيْهِ إِلَّا شَيْء من بَقِيَّة تُـرْمُس بَقِي عِنْدِي فِي خرقَة فَنزلت على الشط وَجعلت آكله وأرمي بقشره إِلَى مَكَان منخفض تحتي وَأَقُول فِي نَفسِي: ترى إِن كَانَ الْيَوْم بِمصْر فِي هَذَا الْعِيد أَسْوَأ حَالا مني، فَلم يكن إِلَّا مَا رفعت رَأْسِي وأبصرت أَمَامِي فَإِذا بِرَجُل يلقط قشر الترمس الَّذِي أطرحه ويأكله فَعلمت أَنه تَنْبِيه من الله عز وَجل وشكرته." والله تعالى أعلى وأعلم.