الفُصْحَى أَحْلَى وَأَسْهَلُ

شعر وشعراء
طبوغرافي

أ.د / عبد الله جاد الكريم

أستاذ اللغة العربية بجامعة جازان

299723_210328905693508_2178684_n

كثيرٌ من النَّاس يظنون أنَّ اللغةَ العربيةَ الفُصحى صعبةٌ جافَّةٌ مُتقعرةٌ، وفي المقابل يظنون أن العامية أسهلُ وأيسرُ، وهذا ظنٌّ خاطئ وحكمٌ ظالمٌ، وتعذيبُ للنَّفس غير مُبرَّرٍ، وحيادٌ عن الجادَّةِ والصَّوابِ، وصدٌّ عن تحصيل الفائدة والثواب، قعند حديثك بالفصحى يتيسر لك أمر قراءة القرآن وأحاديث النبي العدنان، وتساعدك على التعبد والبيان، فتعلُّم العربية الفصحى من الدين، فهي هويتنا وشرفنا بين الخلائق أجمعين، فلقد أنزل الله تعالى القرآن الكريم (بلسان عربي مبين) [الشعراء:195].

وما تسَّبب في شعور بعض الناس بصعوبة اللغة العربية الفصحى هو أداء بعض المتقعرين والمتحذلقين، فنجدهم يحشرون ألفاظًا صعبة عويصة في معظم كلامهم، ويُروى في هذا الشأن أنَّ أعرابيًّا كان يركب دابته (حماره) فتعثَّر به الحمار فوقع الأعرابي من فوقه ووقع على الأرض، فتجمَّع الأطفال وضحكوا منه، فلمَّا رآهم الرجل يضحكون قال لهم بشدة وصرامة ونبرة حادة لوَّامة: مالَكُم تَكَأْكَأْتُمْ عَليّ تَكَأْكَؤَكُمْ عَلَى ذِي جِنَّةٍ فَافْرَنْقِعُوا (عني). أَي: اجتمعْتُم، تنَحَّوْا عَنِّي، أي: ما لكم تضحكون عليَّ كأني مجنون، انصرفوا عنِّي. فالرجل تقعَّر في لغته، فصار الأطفال يضحكون أكثر وأكثر.

1143107 uploads%2f1427558127257-image
ولو أخذنا بعض الأمثلة من اللغة الفصحى وأخرى من العامية المصرية ووازنا بينها لوجدنا أنَّ المتكلمين بالعامية يُرهقون أنفسهم ويُتعبونها من غير فائدةٍ تُذكر، فمثلاً العامية: (مَـخَبِرْش/ مخبراش/معرفاش/مبعرفش)، والفصحى:(لا أعلم/ لا أعرف)، ومن ذلك أيضًا قولهم (مكنتش ناوي) والفصحى (لم أنوِ/لا أنوي)، ويقولون (استناني) والأيسر (انتظرني/انتظر)، ويقولون (مجاوبتش/مش مجاوب) الأيسر (لم أُجبْ) وقولهم (متنسانيش/أوعى تنساني) والفصحى (لا تنسني)، وقولهم (بُصْلِي/بُص لي).والفصحى (انظر لي/ انتبه).... وغيرها من الأمثلة التي تدلُّ بوضُوحٍ وجلاءٍ على سهولة الفصحى مقارنة بالعامية.

والله تعالى هو خالقُ كُلِّ شيءٍ، والقادرُ على كُلِّ شيءٍ، خلقَ الإنسانَ، علَّمه البيان، وأنزل إليه القرآن بأفصح لسانٍ؛ وهو لسان العربية الفصحى، فكيف نَـحيد عمَّا اختاره الله لنا، وهو الخير بلا شك والأيسر والأسهل والأبين... ونستعمل العامية، وهي أكثر صعوبةً وتعقيدًا، ولا تحكمها قواعدُ ولا ضوابطُ، بل تُسيطرُ عليها العشوائيَّةُ والتَّخبطُ والمزاجيَّةُ، أمَّا الفصحى فلها قواعدُها وعلومها وعلماؤها، لغة القرآن والحديث، لغة الصلاة والدعوات، ويمكن عن طريقها قضاء كل الأغراض والحاجات، فخذ مثلاً قول الفصحى الذي اتفق عليه جمهور العلماء (لا أعلم/ لا أعرف) وانظر لمدى العشوائية في استخدام العامية، فمنهم من يقول (مَـخبرش/مخبراش) ومن يقول (معرفش/معرفاشي) أو (مبعرفش) أو (مش عارف/ مش خابر، مش هعرف)..الخ.

ومن ذلك قول الفصحى (المال) يقول الله تعالى:(المالُ والبنون زينةُ الحياةِ الدُّنيا) [الكهف:46]، ويقول سبحانه أيضًا: (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا)[الفجر:20]، وبعد ذلك نجد مَنْ يقول في العامية في كثير من البلدان العربية (مصاري/ زلط/ لحاليح/ فلوس/ سبيج/ ماهية/ قروش/ قرنقش/ أُبيج/...الخ) !! ... فهل لا يزال بعضنا مقتنعٌ بأنَّ الفصحى أصعبُ من العامية ؟؟ أم أنَّ الفصحى أَحْلَى وأسهلُ ؟!