فِي رِحَابِ سَيِّدَةِ اَللُّغَاتِ اللَّحنُ سَرَطَانُ العربيَّةِ

شعر وشعراء
طبوغرافي

أ.د / عبد الله أحمد جاد عبد الكريم 

أستاذ اللغة العربية بجامعة جازان

يُقصد باللحن الخطأ في الإعراب، ويقال: فلان لحَّان ولحَّانة؛ أي: كثير الخطأ، ولحن في كلامه أي: أخطأ. ولقد كانت العربية

قديمًا تخرج من فم العربي الجاهلي كما يسيل العسل من النحل، وكما يفوح العطرُ من الزهر،

واستمرَّ هذا الحال ردحًا من

الزمن، فكانت اللغة العربية لغة ناضجة قوية متماسكة؛ قادرة على حمل المعاني والقيم والتعاليم والتعبير عن المشاعر

والأحاسيس ناجحة في إحداث التواصل والتفاهم بين أفراد المجتمع، فكرَّمها الله تعالى وشرَّفها فأنزل القرآن الكريم بلسانها،

يقول تعالى (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)[يوسف:2] ويقول تعالى (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) [الشعراء:195].

ولقد نجحت اللغة العربية – بفضل الله تعالى - في القيام بدورها المنوط بها خير قيام، فكانت لسان الدعوة الإسلامية بما تحمله

من أوامر ونواه وتعاليم ربانية سامية؛ يهدف ربنا تبارك وتعالى بها رحمة عباده وسعادتهم في الدارين إن أطاعوه، والشقاء

والهلاك إن عصوه ؛ يقول تعالى «وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ»[طه:124].

ولمَّا انتشر الإسلام وعم ربوع المعمورة، ودخل غير العرب في الإسلام، وتزاوج العرب من غير العرب، نتج جيلٌ لا يجيد

العربية فوقع من بعضهم اللحن، الأمر الذي خشي المسلمون أن يلحق قراءتهم للقرآن الكريم، ومن هنا بدأ العمل على وضع علم

النحو العربي ذلك القانون اللغوي الذي يحفظ اللسان من الوقوع في اللحن.

إن فضيلة النحو جليلة، ودرجته نبيلة، ومنزلة اللحن رذيلة، ورتبته ضئيلة، ولذلك فإنَّ العرب والعلماء وقفوا ضد اللحن، فنبينا

الكريم ينكر اللحن ويبغضه، فقد روى الطبراني في المعجم الكبير قوله:«أَنَا النَّبِيُّ لا كَذِبْ ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنَا أَعْرَبُ

الْعَرَبِ، وَلَدَتْنِي قُرَيْشٌ، ونَشَأْتُ فِي بني سَعْدِ بن بَكْرٍ، فَأَنَّى يَأْتِينِي اللَّحْنُ».

ولقد روى عن أبى قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ:«لَأَنْ أَقْرَأَ وَأُسْقِطَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْرَأَ وَأَلْحَنَ». وعن عمر قال:«تعلموا العربية فإنَّها

تزيد في المروءة»، ورووا أيضًا أنَّ أحد ولاة عمر عنه كتب إليه كتابًا لَحَنَ فيه فكتب إليه عمر: أن قنَّعْ كاتبك سوطًاومر عمر

بن الخطاب على نفر يتمرنون على رمي السهام، فوجدهم لا يحسنون، فأنبهم، فقالوا له: إنَّا قومٌ متعلمين، فأفزعه ذلك،

وقال:«والله لخطؤكم في لسانكم أشد عليَّ مِنْ خطئكم في رميكم». وكان على بن أبى طالب يضرب الحسن والحسين على اللحن،

ويروى أن ابن عمر كان يضرب ولده على اللحن في كتاب الله عز وجل. ويروى أن عبد الملك بن مروان أنَّهُ قال لغلامه:«ليس

للَّاحن حرمة»، وورد عن أبى عمرو بن العلاء أنَّه دخل السوق "فسمعهم يلحنون فقال: «سبحان الله! يلحنون ويربحونونحن لا

نلحن ولا نربح! ».

وظل موقف البغض والرفض لمظاهر اللحن مُستمرًّا من قِبَلِ العربِ والعلماءِ والولاة والخلفاء؛ وقال ابن فارس في الصاحبي:«

وَقَدْ كَانَ الناس قديماً يجتنبون اللحن فيما يكتبونه أَوْ يقرأونه اجتنابَهم بعضَ الذنوب ». قال ابن تيميّة:«معلومٌ أنّ تعلمَ العربية

وتعليمَ

العربية فرضٌ على الكفاية، وكان السلف يؤدّبون أولادهم على اللحن، فنحن مأمورون أمرَ إيجابٍ أو أمرَ استحبابٍ أن نحفظ

القانون العربي، ونُصلح الألسن المائلة عنه، فيحفظ لنا طريقة فهم الكتاب والسنّة، والاقتداء بالعرب في خطابها، فلو تُرك الناس

على لحنهم كان نقصًا وعيبًا».

والسؤال: أين وصل هذا السرطان من ألسنتنا وألسنة أبنائنا؟!