من أشهر المضروب بهم المثل في العصامية وفي التحول من الفقر الشديد إلى الثراء الواسع هو هاري وين (Harry Wayne Huizenga)، الأمريكي من أصول هولندية المولود في نهاية عام 1937 في شيكاجو، والذي اشتهر شابا بأنه كثير المشاكل في قاعات الدراسة، عمل هاري صغيرا كسائق سيارات وكعامل في محطات الوقود. لم يكمل هاري تعليمه لأنه لم يعرف ما الذي يريد دراسته من داخله، ليبدأ رحلة البحث عن وظيفة أو عمل.
من ضمن الوظائف العديدة التي شغلها، عمل هاري مسؤولا عن جلب عملاء جدد لشركة جمع قمامة، وكانت وظيفته تطلب منه قيادة سيارات الشركة لجمع القمامة إذا احتاج الأمر ذلك. الجدير بالذكر أن جد هاري لوالده كان يعمل في مجال جمع القمامة، في حين أن والده عمل نجارا. بعد مرور عامين عليه في هذه الوظيفة، وجد هاري نفسه مؤهلا لأن يبدأ شركته الخاصة في مجال جمع القمامة، ولذا في عام 1962 تمكن من إقناع صديق للعائلة يملك سيارة جمع قمامة بأن يبيعه سيارته المستعملة، وكذلك بعض العملاء الذين ينقل لهم قمامتهم، مقابل 5 آلاف دولار اقترضها من والد زوجته.
اشتهر هاري في مدينة فلوريدا بأنه يعمل بجدية وجهد كبير جدا، فهو كان يستيقظ في الثانية والنصف صباحا ليقود سيارة القمامة حتى الظهيرة، بعدها يغير ملابسه ويذهب ليدق على أبواب سكان الحي ليجعلهم يتعاملون معه. اشتهر هاري برؤيته للفرص واستغلالها، ولذا كان يعيد استثمار الأرباح في شراء شركات جمع القمامة المنافسة. هذا الاجتهاد كان له نتيجة طبيعة في زيادة الأعمال والعملاء، ثم تصادف أن قريب هاري والذي يدير شركة جمع القمامة التي أسسها الجد، كان يحقق نتائج جيدة في إدارته للشركة والتي أخذت تتوسع في مدينة شيكاجو، وكان الخيار الطبيعي في هذا الوقت هو توحيد الجهود والاندماج.
في عام 1968 قرر الاثنان دمج الشركتين في شركة أسموها إدارة النفايات أو Waste Management وبعد عام واحد من طرح أسهم الشركة الجديدة في البورصة في 1971، كان قد استولى على 133 شركة جمع قمامة صغيرة، وكانت العوائد الإجمالية للشركة 82 مليون دولار ويعمل لديها 60 الف عامل وتخدم 600 ألف عميل. كل هذا تحقق خلال 10 سنوات من بدء عمله على أول سيارة القمامة.
جمع 18 مليون دولار من مستثمرين ومساهمين، واشترى نصيب صديقه، ليكون المالك الأوحد لسلسلة محلات بلوكباستر، والتي كانت تتكون من 8 محلات فقط موزعة في جنبات مدينة شيكاجو. بعد مرور عامين على هذا الاستحواذ، تملك 19 محلا وتبلغ قيمتها السوقية 7 مليون دولار. بعد أعوام قليلة من طرح الأسهم، أصبح للسلسلة أكثر من 3700 فرعا في 11 دولة مختلفة، وبلغت قيمتها السوقية 4 مليار دولار، وكانت أوسع سلاسل محلات الفيديو انتشار في الولايات المتحدة. في عام 1994 تم بيع سلسلة بلوكباستر لشركة فياكوم مقابل 8.4 مليار دولار وبعد بيع الشركة، وفي عام 1996 عاد هاري لتكرار ما يجيد فعله، أسس سلسلة وكالة بيع سيارات أسماها اوتو نيشن أو AutoNation والتي تطورت بسرعة لتضم أكثر من 370 فرعا في الولايات المتحدة، ثم توسع خارجها أيضا. بعدها بقليل كرر الأمر ذاته مع سلسلة فنادق بدأها من الصفر، ثم باعها في عام 2004 وهى تضم 500 فندق! بعدها عاد هاري لنشاطه الأول، جمع النفايات، وبدأ شركة جديدة تطورت ونمت لتكون ثالث أكبر شركة جمع نفايات في الولايات المتحدة، لتندمج مع الشركة الأم التي أنشأها وباعها! أثناء هذا السجل الحافل، اشترى هاري بعض الأندية الرياضية، وحقق نتائج جيدة معها. وقد اشتهر عن هاري استخدامه للضمير (نحن) في كلامه، أكثر بكثير من استخدامه كلمة أنا.
من جد وجد ومن زرع حصد
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة