نسمع هذه العبارة وأشباهها كثيرًا من بعض التلاميذ، وللأسف بعض أولياء الأمور، ظنًا منهم أنهم يُركِّزون مذاكرتهم فيما ينفع ويفيد وأهم من النحو؛ كاللغات الأجنبية وغيرها. والضمة والكسرة وغيرها من أهم موضوعات علم النحو ومسائله، والأعجب من ذلك أنهم بعد ذلك يطلبون من الأبناء وقتَ الشِّدَّةِ والاختبارات أو غيرها ؛ يطلبون منهم قراءةَ بعضِ آياتِ القرآنِ لعلَّ الله يوفقهم، وقد يهرع أولياء الأمور أنفسهم مُحاولين قراءة بعض آيات القرآن الكريم، وتلك مُفارقةٌ عجيبةٌ، والعبارة السابقة المذكورة تحمل في طيَّاتها مُصيبةً، فكيف سيتمكنُ التلاميذُ أو آباؤهم من قراءة القرآن بصورةٍ صحيحةٍ سليمةٍ، ينتج عنها فهمًا صحيحًا مُستقيمًا لمعاني آياته وعباراته، ..،
ألا يعلمون أنّ علم النحو بما فيه من مكوناتٍ؛ كعلامات الإعراب الأصلية (الضمة والفتحة والكسرة والسكون) وعلامات الإعراب الفرعية، الفاعل والمفعول..الخ. ألا يعلمون أنَّنا بدونها لا نستطيعُ قراءةَ القُرآنِ، وإنْ حاولنا القراءةَ مِنْ دون أدنى معرفةٍ بالنَّحو وأهمِّ قواعده سيكون النُّطقُ لاحنًا (خاطئًا)، ولن نتمكَّن من فهم القيم والمعاني السامية الواردة فيها، ولا الأوامر والنواهي الربانيَّة التي من أجلها أنزل الله القرآن المجيد !!
نعم، من دون معرفة (الضمة والكسرة) وغيرها لن تتمكَّن من فهم ما جاء في القرآن الكريم؛ دستور الله القويم، الذي رسم الله فيه طريق السعادة في الدارين، للناس أجمعين، وإليك بعض الأمثلة والأدلة على ذلك؛ فمثلاً قوله تعالى (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)[فاطر:28]، بوضع الفتحة على آخر لفظ الجلالة (اللهَ) ووضع الضمة على آخر (العلماءُ)، ومن هنا نفهم أن الفاعل المرفوع هو من يأخذ الضمة، وعليه فإنَّ الفاعل الذي يخشى الله ويخافه ويتقيه هم (العلماءُ)، وأنَّ (اللهَ) هو المفعول به، لكنَّك إذا أخطأت وأبدلت الضمة فتحةً والفتحة ضمةً، سيفسد المعنى تمامًا ويكون – حاشا لله – الفاعلُ الذي يخافُ من العلماء هو (الله)، فكيف يخافُ الله من أحدِ مخلوقاته؟! طبعًا هذا معنى فاسدٌ غير مقبولٍ. والأمثلةُ والشَّواهدُ على ذلك كثيرةٌ في كتاب الله، لذلك وضع العلماءُ قواعدَ علمِ النَّحو لصيانةِ لسانِ قارئ القُرآنِ الكريم من اللَّحنِ؛ لأنَّ ذلك سيؤدِّي إلى الفهم الفاسدِ الذي يُؤدِّي به إلى الكُفْرِ في بعضِ الأحيانِ.
كما أنَّك يا مَنْ تُقلِّلُ من شأنِ النَّحوِ وعلامَاتِ الإعرابِ، وتسخَرُ منها وتتهكَّمُ، ألم تُفكِّرْ وتتدبرْ الحكمةَ الإلهية من إنزالِ القرآنِ باللغة العربية سيدة اللغات، وأنَّها قادرةٌ على حملِ الأمانةِ والتَّعبيرِ عن كُلِّ المعاني قديمًا وحديثًا حاضرًا ومستقبلاً، بل يرى كثيرُ من العُلماءِ أنَّها لُغةُ أهلِ الجنَّةِ، وعلمُ النَّحو يُسمُّونه (أبو العلوم العربية)، من دونه لا يمكنك التعامل مع كُلِّ العلومِ العربية والإسلامية ليس القرآن فقط ، ولا تستمع لمَنْ يقولُ أنَّ النَّحو هو سببُ تخلُّفِ اللغةِ العربيَّةِ وصعوبتها فهم يريدون هدم أهم أركان العربية، وعن طريق ذلك يهدمون القرآن الكريم بطريق غير مباشر، ولن يكون لهم ذلك بفضل الله، فالله تعالى تكفل بحفظ كتابه العزيز (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[الحجر:9]، ولا تصدق أنَّ تخلُّفَ اللغة العربية هو سببُ تخلُّفِ العربِ.
تذكَّر أخي قول عمر بن الخطاب (وأنت تتشدق مطالبًا بعدله) تذكر قوله (علموا العربية؛ فإنها تثبت العقل وتزيد في المروءة)، وتذكر ماذا تقول لابنك أو لزميلك أو لأخيك أو لأختك عن النحو وقواعده.. بعد كل ذلك وغيره؛ هل سنسمع بعد ذلك: من يقول (هي ناقصة الضمة والكسرة)؟!
فِي رِحَابِ سَيِّدَةِ اَللُّغَاتِ هي ناقصة الضمة والكسرة !!
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة