الصلح مع الحياة

قصص وروايات
طبوغرافي

الحياة منة الله تعالى على كل موجود، فكل موجود وجوده منه، وما كان لأحد حقُّ أن يوجد، ولا شرط كيف يوجد، ولا كيفية لصورته ولا نوعه، والذى أوجده الواجد الماجد المحيي الباعث، وقدر له الوجود وحدد له نوعه فى الإيجاد، وصوره بمشيئته:{هو الذي يصوركم فى الأرحام كيف يشاء}، وتلك آيات توحيد الحقّ الخالق في خلقه، ومحبته التامة لأحديته، فسبحانه وحَّد كل مخلوق فى بصماته وأحماضه، سبحانه القائل:{ألا له الخلق والأمر}، فمن تدبر شأن خِلقته كفتْه بالقيام بأمر الدين، فقد قال تعالى: {وفي أنفسكم أفلا تبصرون}، فالخلق دليل وحجة.


أما الأمر، فهو صاحب الأمر كله وإليه يرجع الأمر كله، أقام الإيجاد من حسن تدبير، مختبرا شكر العبد وكفره، {فإما شاكرا وإما كفورا}، في غاية الأمر، فلكل شاكر دليل، ولكل شكر سبيل.
فالشاكر الصادق كامل اليقين يرى أن النعماء من أولياتها عطاء وفضل المنعم، يتعامل معها مراعيا لها حرمتها، ويستهلها بحقها فيذكر اسم الله الرحمن الرحيم عند بدء استخدامها، أو التمتع بها، ويحمد الله عند ختام عمله بها.

 


يعامل الأشياء بحرمة موجدها، متأملا حبة القمح كم سهم بشوك يحيط بها، تظل فيه آمنة لسبع سنوات، كما أعلن خالقها، فتأمل وانظر وتدبر حمدك عليها هل يوافي ما بها من نعماء، وجنين حبة القمح يحافظ على تجديد حبة القمح عند زراعتنها، ويحافظ على المتغذي بها، سبحان الخالق مستحق الحمد موجب الشكر.


وإذا أخذنا حبة القمح مثالا فانظر ما حولك مما تتنعم، وتدبر ما لها وما بها وما فيها، وكل قدرتك عليها أن تتأمل مراحل خلقها وتتنعم بفاني عطيتها، فالأمر إن عايشه المؤمن بإتقان وتعرف على كل آلاء وآيات ونعماء من قطرة الماء إلى الحب والفلق وإلى سائر ما خلق لم يسعه إلا الحمد، ولم يأخذه إلا الشكر، فلا شكوى والله ربٌّ، ولا حاجة والله كفيلٌ، قدر الأرزاق في السماء، قال تعالى: {وفي السماء رزقكم وم تُوعدون}، والشكر موجب لزيادة عطاءه، {ولإن شكرتم لأزيدنكم}، ووعد الحامدين بالبقاء والنعيم السرمدي، وبالعطاء الدائم الأزلي الأبدي بالجنة، فهل نترك الشكوى، ونقدر حرمة النعم ونداوم حمد المنعم؟