نَسَمَاتٌ لُغَوِيَّة ( الفعل عَــــاز )

منوعات ...
طبوغرافي

بقلم الأستاذ الدكتور/ أحمد عادل عبد المولى

أستاذ مساعد النقد الأدبي بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا

DSC_0128

 اللغة كائن حيّ، تحيا على ألسنة الناس، ويحيا بها الناس أيضًا؛ إذ إنها وسيلة التواصل بين البشرية جميعًا، ولذلك أشبهت الهواءَ الذي لا غنى للإنسان عنه، ومن هنا يأتي هذا المقال بعنوان "نسمات لغوية"، نسعى فيه جاهدين لتقديم فائدة لغوية في لغتنا العربية.

ولأن اللغة كائن حي؛ فكثيرًا ما نستخدم في حياتنا اليومية تعبيراتٍ وألفاظًا نعتقد أنها منبتّة الصلة عن الفصحى، ولكنها في الحقيقة من أصل فصيح في لغتنا العربية. من هذا استخدامنا في العامية المصريّة للفعل (عاز)، في صيغة اسم الفاعل منه (عاوز) التي هي أصل الصيغة: (عائز) في الفصحى قبل إجراء الإعلال فيها، وربما قلنا فيها أيضًا: (عايز)، ولا يخفى ما بين الواو والياء من تقارب صوتي في مقابل الألف، كما نصّ على ذلك علماء العربية، كما أن صيغة (عايز) تعدّ فصيحة -وإن لم تكن مستخدمة- على لغة تسهيل الهمز –وهي لغة قريش- كما قال العرب قديمًا: (قايل) و(بايع) في: (قائل) (بائع). وقد سجل القلقشندي في «صبح الأعشى» نص هدنة عقدت بين الظاهر بيبرس وولده الملك السعيد، وبين الفرنج الاسبتارية على قلعة لُدّ بالشام سنة 669هـ، جاء فيها: "وأن الدّار المستجدّة عمارتها بقلعة المَرْقَب برسم الماستر المقدَّم الكبير، الذي هو عايز تكميل عمارة سقف القبو بالحجارة والكلْس، لا تكمّل عمارتها، ويبقى على حاله..."

 وفي بعض لهجاتنا العامية يقولون: "ما لوش عازة" أي لا حاجة له.

 وهذا الفعل (عازَ) الذي اشتقت منه هذه الصيغة هو فعل أصيل في الفصحى، فقد جاء في اللسان: "العَوَزُ أَن يُعْوِزَكَ الشيءُ وأَنت إِليه مُحْتَاجٌ، وإِذا لَمْ تَجِدِ الشيءَ قُلْتَ: عازَني... وأَعْوَزَه الشيءُ إِذا احْتَاجَ إِليه فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ. والعَوَزُ، بِالْفَتْحِ: العُدْمُ وسوءُ الْحَالِ..."

وجاء في المعجم الوسيط: "(عازَه) الشَّيْءُ عَوْزًا: لم يجده وَهُوَ مُحْتَاج إِلَيْهِ".

واللافت فيما ورد في المعاجم القديمة وما جاء في المعجم الوسيط حديثًا أن الشيء المحتاج إليه هو الفاعل في الصياغة وإن كان مفعولاً به في المعنى، فـ(عازَه الشيءُ) أي أعجزه فلم يجده مع الاحتياج إليه، ومن ثم فـ(العائز) هو الشيء المفقود المحتاج إليه.

 ويبدو أن كون الشيء المحتاج إليه مفعولاً به في المعنى؛ لأنه مفقود ولم يوجد، والمفقود غير الموجود اسم مفعول، وأن الشخص الفاقد له هو الفاعل في المعنى؛ حيث إنه هو المحتاج إلى الشيء؛ يبدو أن هذا هو ما أدى إلى التغيير التركيبي في استعمالنا لفاعل (عاز)، وما تبعه من تغير دلاليّ في معنى اسم الفاعل (عائز)، فتحوّل التركيب من (عازَه الشيءُ) -بضم (الشيء)- إلى (عازَ الشيءَ) -بالفتح- أي احتاج إليه، وانتقل معنى (عائز) من (الشيء المحتاج إليه) إلى (الشخص المحتاج إلى الشيء)، وهذا ما أثبته المعجم العربي الأساسي، ومعجم اللغة العربية المعاصرة، حيث ورد فيهما: "عَازَ يَعوُزُ عَوْزًا عَائِزٌ مَعُوزٌ:_ الشيءَ: لم يجده وهو محتاج إليه." كما جاء في تكملة المعاجم العربية: "عائز... محتاج، فقير، معسر، مَعوُز".

 وعلى هذا يتبين لنا أيضًا أن الفرق بين (عُزْتُ) و(أريدُ) هو أن الأول يكون عن حاجة، أما الآخر فيكون عن مشيئة وطلب، وصدق الله تعالى الذي لا يعوزه شيء إذ يقول: " إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ".