إن الوسواس القهري يأتي على الإنسان ويصاحبه الكثير من الأمور الأخرى كالتقلبات المزاجية والانفعالية والقلبية، وهذه الأمور إن تمت معالجتها على الوجه الأكمل نجحنا في التغلب على الوساوس.
وهذه التقلبات المزاجية تتمثل في: الاكتئاب، وضيق الصدر، والقلق، والأرق، والانفعال، والعزلة، والانطواء، والتقوقع، والعنف مع الآخرين.. إلى آخر هذه الأمور المصاحبة للوسواس القهري.
وسنلقي الضوء بإذن الله تعالى في هذه المحاضرة على بعض هذه الأمور المصاحبة للوسواس والتي تنتاب المصاب بالوسواس القهري وتأتي مصاحبة له، وكيفي علاجها والتغلب عليها، والوقاية منها قبل حدوثها للأسوياء.
علاج ضيق الصدر:
علاج ضيق الصدر وإزالة الغموم والهموم لا حلّ لهذه المعاناة إلا باللجوء إلى الأدوية الربانية الشرعية، ولا يزال المسلم يُبتلى من ربه تعالى بالهم، والغم، والحزَن، والمؤمن العاقل هو من يعلم أن في هذا التقدير أحد أمرين:
الأول: أن يكون ذلك عقوبة على معاصٍ يرتكبها، وآثام يفعلها، وإنما يقدِّر الله تعالى عليه ذلك حتى يرجع، ويتوب، ويدع ما هو فيه من فعل للسيئات، وتركٍ للواجبات.
والثاني: أن يكون ذلك ابتلاء لرفع الدرجات، وتكفير السيئات، وليس أمام المؤمن ما يفعله هنا إلا الصبر، والاحتساب، والحرص على إزالة تلك الهموم والغموم بمزيد من الطاعة، وكثير من العمل الصالح.
ذكر الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله وسائل كثيرة يمكن للمؤمن أن يستعين بها لحياة قلب سعيدة، وسعادة نفس فسيحة، وقد جمع الشيخ رحمه الله هذه الوسائل في رسالة لطيفة سمَّاها " الوسائل المفيدة للحياة السعيدة "، وقد قال في مقدمتها:
"فإنَّ راحة القلب، وطمأنينته، وسروره، وزوال همومه، وغمومه: هو المطلب لكل أحدٍ، وبه تحصل الحياة الطيبة، ويتم السرور، والابتهاج، ولذلك أسباب دينية، وأسباب طبيعية، وأسباب عملية، ولا يمكن اجتماعها كلها إلا للمؤمنين، وأما من سواهم: فإنها وإن حصلت لهم من وجه وسبب، يجاهد عقلاؤهم عليه: فاتتهم من وجوه أنفع، وأثبت، وأحسن حالاً، ومآلاً.
ولكني سأذكر برسالتي هذه ما يحضرني من الأسباب لهذا المطلب الأعلى، الذي يسعى له كل أحدٍ .
فمنهم من أصاب كثيراً منها فعاش عيشة هنيئة، وحيى حياة طيبة، ومنهم من أخفق فيها كلها فعاش عيشة الشقاء، وحيي حياة التعساء، ومنهم من هو بيْن بيْن، بحسب ما وفق له، والله الموفِّق، المستعان به على كل خيرٍ، وعلى دفع كل شر " .
وقد وصف الله علاج ضيق الصدر لرسوله فى كتابه الكريم عندما قال له: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [سوره الحجر: 97 – 99]. أي عندما يضيق صدرك يا محمد عليك بثلاثة أشياء:
العلاج الأول: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال سبحان الله وبحمده 100 مرة حُطّت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)).
وفى الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم)).
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لقيت إبراهيم ليلة أُسري بي فقال يا محمد أقرأ أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان غراسها سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله أكبر)) رواه الترمذي.
العلاج الثانى: (الصلاة) أكثِر من السجود. فأقرب ما يكون العبد لربه وهو في هذا الذُل من لحظات السجود، قال تعالى: {كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [سوره العلق: 19]، وكأن القرب من الله يكون بالسجود فاسجُد لتكون قريبا.
العلاج الثالث: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}، واستمِرَّ في عبادة ربك مدة حياتك حتى يأتيك اليقين، وهو الموت، وامتثَل رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ربه، فلم يزل دائبًا في عبادة الله، حتى أتاه اليقين من ربه.
علاج القلق:
والقلق من أهم الأمور المصاحبة للوسواس القهري، ويسبب للإنسان أزمات ومشاكل كثيرة من أهمها الأرق وشرود الذهن وعدم التركيز، ولعلاج القلق في الإسلام ما يلي:
- الصلاة: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى. وكان يقول: ((أرحنا بها يا بلال)). ولو علمها عقلاء الغرب لجعلوها شفاء الأسقام ولروجوا لها الدعايات، الصلاة.. الصلاة من الوصايا الخالدة لرسول الرحمة.
- الدعاء: من أعظم ما ينفع مع البلاء بشكل عام والقلق بشكل خاص الدعاء قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}، وقال أيضا: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}، بل أوجب الدعاء فقال: {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}.
- الذكر: قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}، فالذكر أنس الروح، وطيب النفس، وسريع الفعالية في تغيير النفسيات. والذكر يشغل العقل ويوجهه.
(4) التوكل وحسن الظن: يقول ابن القيم: إن الله لا يضيع عمل عامل، ولا يخيب أمل آمل. لقد ظل يعقوب حسن الظن بالله طيلة بعد ولده عنه أربعين عاماً، وكان يردد: فصبرٌ جميلٌ واللهُ المستعانُ على ما تصفون. فلما عاد ولده مكرماً قال: ألم اقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون.
- أن نصنع الابتسامة: علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن الشي يأتي بالجهد قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}. والقرآن دون لنا حادثة الشجار التي حصلت في بيت الرسول صلى الله عليه وسلم بينه وبين زوجاته، وفي ذلك تربية لنا بأن الرسول يتعرض لمثل هذا المواقف فيصبر ويغفر، فمن باب أولى أن نفعل نحن ذلك.
علاج الأرق:
إن النوم وراحة البال نعمة من الله، وكثير من الناس لا يعرف قيمتها إلا إذا فقدها، فإذا أصابه الأرق، ودب فيه القلق، عرف معنى تلك النعمة، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ}، [الروم: من الآية23]. وفي هذه السطور القادمة نتناول بعض الوسائل للتغلب على الأرق، ومنها:
الإيمان بالله والتوحيد:
المسلم إذا أصابته شدة فإن عنده من الإيمان ما يسكنها، توحيد الله أولاً، كلما عظم التوحيد عظم الأمن النفسي، لأن الله قال: {أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ}، [الأنعام: من الآية82]. فنتيجة لهذا ينامون مطمئنين، ويلقي الله عليهم السكينة .
والارتباط بين دعوات المكروب والتوحيد واضح للغاية، قال -عليه الصلاة والسلام- : ((اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت)).
فكلمات التوحيد تزيل الكربات، قال - عليه الصلاة والسلام- لأسماء بنت عميس : ((ألا أعلمك كلمات تقوليهن عند الكرب: الله ربي لا أشرك به شيئاً)) .
وما الذي سكن يونس في بطن الحوت في ظلمة البحر وظلمة الحوت، ((دعوة أخي ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت {لا إلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}، [الانبياء: من الآية87]، لم يَدْعُ بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب له))..
(يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ) .
قال تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}، [التغابن: من الآية11]. فأهل الإيمان أهدى الناس قلوباً، وأثبتهم عند المزعجات والمقلقات.
الإيمان بالقضاء والقدر:
إن مما يزيل القلق والاضطراب ويبعث على التفاؤل، الإيمان بقضاء الله وقدره، ذلك الركن العظيم، من أركان الإيمان، عندما تتأمل يا مسلم، يا عبد الله، في قول الله: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إن ذلك على الله يسير} [الحديد: من الآية22].
أنها عند الله مكتوبة قبل أن تخلق، أنها عند الله مسطورة قبل أن توجد، أنها عند الله مثبتة قبل أن تكون في الواقع.
الانفعال وسرعة الغضب:
وللتغلب على سرعة الغضب والانفعلات الزائدة نتخذ الوسائل الآتية:
- الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، ومن ذلك ما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((إني أعلم كلمة لو قالها لزال عنه الغضب))، ويقصد بها الاستعاذة، أخرجه أحمد، من حديث معاذ بن جبل –رضي الله عنه.
- الحركة وتغيير وضع الجسم، فقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم- ((إن الغضب جمرة توقد في القلب، ألم تروا إلى انتفاخ أوداجه وحمرة عينيه، فإذا وجد أحدكم شيئاً من ذلك فإن كان قائماً فليجلس وإن كان جالساً فلينم))، أخرجه أحمد، من حديث أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه-.
- الوضوء، واستخدام الماء، فقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم-: ((إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ" أخرجه أبو داود، وأحمد من حديث محمد بن عروة عن أبيه عن جده عطية وكان له صحبة.
- ركز على السلوك الذي يزعجك وليس على الأشخاص، فالنقد، والتجريح، والسخرية، والاستهزاء، والاعتداء، لا تحل المشكلة بل تزيدها تعقيداً، وتجعل الشخص الآخر في موقف الدفاع.
- تعلم مهارات الاتصال، تعلم كيف تستمع للآخرين، وكيف تعبر عن مشاعرك وأفكارك بطريقة تظهر للآخرين فيها الاحترام.
- ذكِّر نفسك دائما بأن العصبية والغضب لا تحل أي شيء، ولن تجعلك تشعر أفضل، بل ربما تخلق لديك مشاعر سيئة، واستفد في ذلك من الخبرات الماضية.
- كن واقعياً في توقعاتك وفي مطالبك، وتأكد أن الحياة لا تصفو في كل شيء.
- اسأل الآخرين الذين لا يغضبون مثلك، واستفد من أفكارهم.
هذه الانفعالات والتقلبات المزاجية المصاحبة للوساوس أيها الأحباب إنما هي من عمل الشيطان، ولا تكون إلا مع الأشخاص ضعيفي الإيمان بالله تعالى، وضعيفي الثقة بأنفسهم، لذا وجب علينا أن نتمسك بالدين، وأن نكثر من طاعة الله تعالى، وأن نتمسك بهدي النبي الكريم – صلى الله