ولد سفيان الثوري سنة 97 هـ، في خلافة سليمان بن عبد الملك في خراسان، حيث كان أبوه مشاركًا في الحملات التي كانت ترسل إلى هناك.
أما عن نسبه، فاسمه سفيان بن سعيد بن مسروق بن حبيب بن رافع بن عبد الله بن موهبة بن أبي بن عبد الله بن منقذ بن نصر بن الحارث بن ثعلبة بن عامر بن ملكان بن ثور بن عبد مناة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر.
قال شعبة بن الحجاج: ((ساد سفيان الناس بالورع والعلم))، وقال قبيصة بن عقبة: ((ما جلست مع سفيان مجلسًا إلا ذكرت الموت، ما رأيت أحدًا كان أكثر ذكرًا للموت منه)) وقال الذهبي: ((قد كان سفيان رأسًا في الزهد والتأله والخوف، رأسًا في الحفظ، رأسًا في معرفة الآثار، رأسًا في الفقه، لا يخاف في الله لومة لائم، من أئمة الدين)).
كان لسفيان الثوري آراؤه الخاصة بالزهد، فيروى عنه قوله: ((ليس الزهد بأكل الغليظ، ولبس الخشن، ولكنه قصر الأمل، وارتقاب الموت)) ، ويقول: ((الزهد زهدان: زهد فريضة، وزهد نافلة. فأما الفريضة، فإنه واجب عليك، وهو أن تدع الفخر والكبر والعلو والرياء والسمعة والتزين للناس، وأما زهد النافلة، فهو أن تدع ما أعطى الله تعالى من الحلال، فإذا تركت شيئًا من ذلك صار فريضة عليك ألا تتركه إلا لله عز وجل، وإن أردتم أن تدركوا ما عند الله عز وجل، فكونوا في هذه الدنيا بمنزلة الأضياف))، كما كان يقول: ((المال داء هذه الأمة، والعالم طبيب هذه الأمة، فإذا جر العالم الداء إلى نفسه، فمتى يبرئ الناس؟)).
وقد اعترف الكثيرون بفضل سفيان الثوري، وأنزلوه منزلة عالية، واعترفوا بفضله. فقد وصفه الذهبي بأنه: ((شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، سيد العلماء العاملين في زمانه)) ، وقال عبد الله بن المبارك: ((كتبت عن ألف ومائة شيخ، ما كتبت عن أفضل من سفيان)) وقال أيوب السختياني: ((ما لقيت كوفيًا أفضله على سفيان))، وقال يونس بن عبيد: ((ما رأيت أفضل من سفيان. فقيل له: فقد رأيت سعيد بن جبير وإبراهيم وعطاء ومجاهدًا، وتقول هذا؟! قال: هو ما أقول، ما رأيت أفضل من سفيان)) وقال عبد الرحمن بن مهدي: ((ما رأت عيناي أفضل من أربعة، ما رأيت أحفظ للحديث من الثوري، ولا أشد تقشفا من شعبة، ولا أعقل من مالك، ولا أنصح للأمة من ابن المبارك(( وقال يحيى بن سعيد القطان: ((ليس أحد أحب إلى من شعبة، ولا يعدله أحد عندي، وإذا خالفه سفيان، أخذت بقول سفيان)) وقال أيضًا: ((سفيان الثوري فوق مالك في كل شيء)) وقال عباس الدوري: ((رأيت يحيى بن معين، لا يقدم على سفيان أحدًا في زمانه، في الفقه والحديث والزهد وكل شيء، وقال المثنى بن الصباح: ((سفيان عالم الأمة وعابدها)) وقال ابن أبي ذئب: ((ما رأيت أشبه بالتابعين من سفيان الثوري)) وقال بشر الحافي: ((كان الثوري عندنا إمام الناس))، وقال أحمد بن حنبل: ((أتدري من الإمام؟ الإمام سفيان الثوري، لا يتقدمه أحد في قلبي))، وقال الأوزاعي: ((لو قيل: اختر لهذه الأمة رجلاً يقوم فيها بكتاب الله وسنة نبيه، لاخترت لهم سفيان الثوري))، وقال وكيع بن الجراح: ((كان سفيان بحرًا))، وقال أبو بكر الخطيب عنه: ((كان إمامًا من أئمة المسلمين وعلمًا من أعلام الدين، مُجمعًا على أمانته بحيث يستغني عن تزكيته مع الإتقان والحفظ، والمعرفة والضبط، والورع والزهد)).
رحم الله سفيان الثوري قدوة الصالحين ورفيق المخلصين.