الإسراف والتبذير من الآفات التي ابتليت بها المجتمعات الإسلامية المعاصرة، فقد نجحت الآلة الإعلامية في تشكيل وجدان الناس وتحويلهم الى أداة لا هم لها الا الانفاق والسعي وراء الاستهلاك الترفي واهدار الاموال والثروات بشكل يحمل مخاطر تهدد استقرار الفرد والمجتمع، وتبتعد عن مبادئ الاسلام ومنهجه القويم في ذم الاسراف والتبذير والحض على الاعتدال والوسطية في السلوك، فلا شك أن الإسراف والتبذير.. يأكلان المواردَ والحسناتِ!
ويطلق العلماء تحذيرات من الاسراف في المياة التي أصبحت تتصدر اولويات هموم سكان العالم خصوصا ان الخبراء يؤكدون انه بحلول العام (2025) ستعاني (48) دولة من نقص حاد في المياه ولن يجد نصف سكان الارض ما يكفيهم من المياه النظيفة وان الفقراء هم اول من سيعانون من نقص المياه وقد صدر منذ سنوات تقرير عن البنك الدولي حول ازمة المياه جاء فيه: ان (80) دولة في العالم تضم (40 في المئة) من سكانه مهددة بنقص المياه وان (80 في المئة) من امراض مواطني العالم الثالث سببها المياه الملوثة وان عشرة ملايين شخص يموتون سنويا بالاسباب نفسها وان هنالك مليار شخص من الدول النامية يعانون من نقص مياه الشرب.
ومن أبرز مظاهر الإسراف في مجتمعنا زيادة معدلات استهلاك الكهرباء ووصول الاحمال الى الخط الاحمر، مايؤدي الي كوارث اقتصادية وإنسانية وبيئية منها وفاة مريض في غرفة العناية المركزة، عندما تنقطع الكهرباء فجأة عن الاجهزة الطبية المساعدة لابقاء المريض في حالة صحية ثابتة .
ويقول الدكتور محمد الشحات الجندي عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر: فيما يخص المنهج الاقتصادي للمسلم فالله تعالى يصف عباده بالتوسط والاعتدال في الإنفاق، فيقول: وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً)، «سورة الفرقان: الآية 67»، «أي ليسوا بمبذرين في إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهليهم فيقصرون في حقهم فلا يكفونهم بل عدلاً خياراً وخير الأمور أوسطها.ويضيف : والناظر فيما عليه الناس، يجد أنهم في الإنفاق طرفان ووسط، فهناك القابضون أيديهم، البخلاء بأموالهم، المقترون على أنفسهم وأهليهم، فضلاً عمن سواهم، وعلى النقيض من هؤلاء، آخرون مسرفون مترفون، باسطو أيديهم كل البسط، وبين هؤلاء أناس سلكوا السبيل القويم، والتزموا العدل والاعتدال، واتخذوا بين ذلك سبيلاً.
وأضاف الدكتور الجندي : بالنسبة للطرف الأول، البخلاء، فإن البخل أن يمنع الإنسان الحق الواجب، فأما من منع ما لا يجب عليه فليس ببخيل، لأنه لا يذم بذلك،
وأما بالنسبة للطرف الثاني، وهم المسرفون، فإن السرف هو تجاوز الحد في الإنفاق، والتبذير هو الإنفاق في غير حق، والإسراف والتبذير كل منهما متشابهان .
وكما جاءت الآيات محذرة من عاقبة البخل والتقتير، فقد جاءت ناهية عن الطرف المقابل وهو الإسراف والتبذير قال تعالى: (وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ).
ويؤكد الدكتور الجندي أن الإسراف والتبذير كفر بنعمة الله، وطغيان في الأرض، ومؤاخاة للشيطان قال تعالى: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ)، «سورة الإسراء: الآية 27»، والإسراف يؤدي بصاحبه إلى الكبر والعلو في الأرض، فضلا عن أنه يؤدي إلى إضاعة المال وتبديد الثروة، فكم من ثروة عظيمة وأموال طائلة بددها التبذير وأهلكها الإسراف، وأفناها سوء التدبير.
وعن مظاهر الإسراف والتبذير يقول الدكتور يوسف ابراهيم -استاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الازهر-: هناك تصرفات وسلوكيات تتزايد في مجتمعاتنا تعبر عن الاتجاه الى سيطرة المادية رغم ان هذا يتعارض مع اسلامنا، ويبدو هذا في استشراء سلوكيات الاسراف والتبذير في الاستهلاك المظهري والامور الترفيهية مثل الحفلات والافراح واقتناء السيارات والملابس والجري وراء الموضات وإهدار الاموال في اقامة الولائم حباً للظهور والتفاخر وجرياً وراء الشهرة ولفت الانظار، وهناك استغراق الأسر في شراء المأكل والمشرب بما يفوق الحاجة ولا يراعي الامكانات الاقتصادية.
ويشير د. يوسف ابراهيم الى أن عامل التقليد والرغبة في مسايرة الآخر خاصة الاثرياء والمشهورين يتحكم في تصرفات قطاع كبير من المجتمعات العربية والاسلامية، الامر الذي يدفع للانفاق بلا ضابط وبما يفوق الطاقة اعتماداً على الاقتراض .
أخطر آفة ابتليت بها الأمة: الإسراف والتبذير
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة