الإسلام يقوم على البذل والإنفاق وينهى عن الشح والإمساك؛ ولذلك حبب إلى الناس أن تكون نفوسهم سخية وأكفهم ندية ووصاهم بالمسارعة إلى دواعى الإحسان ووجوه البر قال الله تعالى: «الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية، فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون» "سورة البقرة - 274".
يقول الدكتور حلمى عبدالرؤوف أستاذ الفقه والقراءات بجامعة الأزهر، الله سبحانه وتعالى لم يفرض على الناس فى الزكاة وسائر وجوه الطاعات إلا قدرا ضئيلا؛ لأنه أدرى بحالهم وأعلم بطبيعتهم وحبهم للمال يقول الله تعالى: «وإنه لحب الخير لشديد» "سورة العاديات-8" ويقول: «وتحبون المال حبا جما» "سورة الفجر - 20". فلو أمر الله تعالى بإخراج المال كله ما استطعنا وعشنا حياتنا فى جو خانق من الأحقاد والضغائن؛ ولذلك يقول الله تعالى: «إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم. ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا فى سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفســه والله الغنى وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم» "ســورة محمد 36- 38"
حسن الاستقبال
وأضاف: ورد ذكر النفس الشحيحة فى القرآن الكريم فى عدة مواضع منها ما جاء فى سورة الحشر قال الله تعالى: «وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ. وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» "سورة الحشر 9" ونزلت هذه الآية فى وصف الأنصار وكانت أوصافا جميلة لحسن استقبالهم المهاجرين فى سبيل الله ومحبتهم لله ورسوله فقد آمنوا طوعا ومحبة واختيارا وآووا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبوأوا دار الهجرة والإيمان حتى صارت مرجعا يرجع إليه المؤمنون ويلجأ إليه المهاجرون ويسكن فى حمايتهم المسلمون ومن محبتهم لله ورسوله أحبوا أصحابه ومن نصر دينه وهم لا يحسدون المهاجرين على ما آتاهم الله من فضله وخصهم به من الفضائل، وهذا يدل على سلامة صدورهم وانتفاء الغل والحقد والحسد عنها.
وأوضح أنه وردت صفة النفس الشحيحة فى سورة التغابن قال الله تعالى: «فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون» جاء فى تفسير هذه الآية أن الله تعالى يأمر بتقواه التى هى امتثال أوامره واجتناب نواهيه وقيد ذلك بالاستطاعة والقدرة وأن كل واجب عجز عنه العبد يسقط عنه وإذا قدر الإنسان على بعض الأمور وعجز عن بعضها فإنه يأتى بما يقدر عليه ويسقط عنه ما يعجز عنه كما قال النبي- صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم». وأن الإنسان يسمع ما يعظه الله به وما يشرعه له من الأحكام ويطيع الله ورسوله فى جميع الأمور وينفق من النفقات الواجبة والمستحبة ومن يفعل ذلك يكون خيرا له فى الدنيا والآخرة لأن الخير كله فى امتثال أوامر الله تعالى وقبول نصائحه والانقياد لشرعه والشر كله فى مخالفة ذلك. ولكن هناك آفة تمنع كثيرا من الناس من النفقة المأمور بها وهو الشح المجبولة عليه أكثر النفوس لأنها تشح بالمال وتحب وجوده وتكره خروجه من اليد فمن وقاه الله شر شح نفسه بالإنفاق النافع لها فأولئك هم المفلحون، لأنهم أدركوا أوامر الله تعالى وإذا كان الإنسان نفسه شحيحة لا تنقاد لما أمرت به خسر الدنيا والآخرة.
سوء العاقبة
وبين أستاذ الفقه والقراءات بجامعة الأزهر أنه جاء ذكر النفس الشحيحة والبخيلة فى السنة النبوية الشريفة وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ بالله من البخل لقبحه وسوء عاقبته ويقول: «اللهم إنى أعوذ بك من البخل» وعن جابر -رضى الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم «أهلكهم دنيويا وأخرويا بسبب ما اقترفوا من هذه المظالم وكان الشح سببا لما ذكره رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من هلاك لأن بذل المال للناس ومواساتهم به يورث الحب والتواصل وإمساكه عنهم يورث الهجران والقطيعة .
وعن أبى هريرة- أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قال: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا .