حوار: أحمد الجعبري
أقول للدعاة: التمسوا خطى الشعراوى ومصطفى محمود والغزالى.. والإسلام جاء لإسعاد البشر.. والطيبة والأخلاق فى جينات المصريين.
البعد عن مبادئ الدين انتحار للأمة وسبب لظهور داعش.. ومن يرددون أن فى صحيح البخارى أحاديث ضعيفة مُخرّفُون
أقول للدعاة: التمسوا خطى الشعراوى ومصطفى محمود والغزالى.. والمشايخ لم يُعلّموا الناس آية "إنّ الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم فى شيء"
قليلون هم من يستحقون أن نطلق عليهم صاحب فكر مضيء، وبصورة أقل كثيرا من تجده بحق يحمل صفة العالم الموسوعي أو المفكر الإسلامي. ولكن حينما تجالس فضيلة العلامة الكبير الأستاذ الدكتور حامد طاهر، تعرف أنك بين يدي مفكر وعالم عظيم، جمع بين الأدب والفكر والشعر والفلسفة، والتأصيل مع التجديد. أثرى الحياة الأدبية بالعديد من الدواوين الشعرية والنثرية التي تثري النفس وتطير بالروح لتطاول الثريا، وعالج العديد من القضايا الفكرية والفلسفية والمجتمعية المهمة مثل قضايا المرأة والحضارة والعقيدة والنهضة والأخلاق واللغة العربية.
دعا الأستاذ الدكتور حامد طاهر نائب رئيس جامعة القاهرة الأسبق، العاملين فى مجال الدعوة بالسير على نهج الشعراوى ومصطفى محمود والغزالى، مؤكدًا أن تجديد الخطاب الدينى يستلزم من صاحبه أن يكون مؤهلا تاركًا التقليد متسمًا بلغة بسيطة بعيدًا عن المغالاة.
وقال فى حواره مع "الفتح اليوم" أن من يردد أن بصحيح البخارى أحاديث ضعيفة أو موضوعة هم مخرفون ولا يعرفون شيئا عن علم مصطلح الحديث، موضحًا أن المشايخ لم يُعلّموا الناس آية "إنّ الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم فى شيء".. تفاصيل أخرى كثيرة..فإلى نص الحوار:
- عاد الإرهاب الأسود لينال من وحدة المصريين..كيف المواجهة؟
الأمر يرجع إلى الدعاة والمشايخ الذين لم يُعلّموا الناس الآية الكريمة (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم فى شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون)، فلو طبقنا هذه الآية فى مصر فقط لما وجدنا (الجماعة الإسلامية – الصوفية – أنصار السنة – التبليغ والدعوة – الإخوان المسلمين) ولوجدنا يدًا واحدة تؤمن بأن الدين للتجميع لا الفرقة، ولإسعاد البشر، والإرهاب لم يحدث إلا بعدما فشلت المؤسسات الدينية فى المواجهة فالأصل أننا تخلينا عن مبادئ ديننا الأصيل ولم نفهمها حتى خرجت علينا داعش، فنحن من بعدنا عن الإسلام وهذا هو الانتحار عينه للأمة الإسلامية، ولنفهم جميعا أن الإسلام جاء لإسعاد البشر فقط فمثلا الله تعالى يحب أن يحج المؤمن مرة واحدة ويساعد غيره من المسلمين فى قضاء حاجاتهم أكثر من تكرار الحج أو العمرة ونحن نرى كيف أن الناس تأكل من الزبالة من شدة الفقر وكيف انتشر المرض ولا توجد لديهم أموال للعلاج.
كيف ترى قضية تجديد الخطاب الدينى وكيف يكون؟
مفهوم الخطاب الدينى هو أنه يجدد وأن يتناول الدين بطرح جديد من خلال الشكل والمضمون فمن يقوم بأمر الدين والدعوة هو حسن السمت ذو مخارج صحيحه وسليمة ويليق بالمظهر الخارجى وأن يكون مؤهلا وأن يترك التقليد مثلما فعل الإمام الشعراوى فى جلسته وفى لغته البسيطة غير اللغة المتقعرة، فاللغة ما هى إلا وسيلة وليست غاية ويكون التجديد فى المضمون من خلال التبسيط دون المغالاة ومن خلال استعمال الوسائل التكنولوجية والتعليمية مثل الدكتور مصطفى محمود وهذا نموذج الداعية التليفزيونى، ولدينا الإمام الغزالى مثال الداعية الكاتب باللغة البسيطة والإسلام الوسطى الجميل، فعلى جميع الدعاة أن يسيروا على هذه النماذج الثلاث (الشعراوى – مصطفى محمود – الغزالى) اختر ما يناسبك منهم وسر على طريقته.
فيم يكون التجديد، ومن أين نبدأ؟
أكبر عيب موجود بالأزهر الشريف هو أن أول خمسة قرون الأولى للدعوة الإسلامية هو العلم الصحيح السليم وما جاء بعده من مؤلفات هى إعادة إنتاج لما سبق فمنذ القرن السادس الهجرى لن تجد إلا نادرا أو قليلا مما يضيف جديدا مثل (ابن رشد – ابن خلدون – ابن تيمية) وهم قليلون أو أفراد، أما الكثافة الإسلامية فهى فى القرون الخمسة الأولى وخاصة من القرن الثانى إلى الخامس ولهذا يجب على الأزهر إبعاد أى كتاب بعد القرن الخامس مهما كان صحيحا وأن يكون التركيز فقط على الخمسة الأول منها، وتدرس كتب مثل (تأويل مشكل القرآن) لابن قتيبة فى مسألة رد الدعاوى ضد القرآن الكريم وينبغى أن يستصفى منها الكتب والمراجع للدعاة والعلماء للخمسة قرون الأولى فقط
- هل المقصود من رؤيتكم هى إبعاد كل ما بعد القرون (الخمسة) الأولى؟
لا. لا أقصد هذا فهناك العلماء العظام مثل القلقشندى والجبرتى وغيرهم ولكن أقصد التركيز على هذه الفترة ومع العظماء فقط ممن جاء بعدهم وأضاف جديدا ليس إعادة إنتاج أو شرح لما سبق.
- ظهر بيننا من يشكك فى (السنة النبوية) ويقول أن صحيح الإمام البخارى به أحاديث مكذوبة وموضوعة.. كيف ترد عليهم؟
صحيح البخارى هو أصدق وأصح كتاب بعد كتاب الله تعالى ومن يردد دعاوى أن به أحاديث ضعيفة أو موضوعة هم مخرفون ولا يعرفون شيئا عن علم مصطلح الحديث هذا العلم الذى أنشأه المسلمون ولم يأخذوه عن أحد غيرهم واخترعوه اختراعا، أقصد علم الرجال وعلم مصطلح الحديث، ولينظروا إلى الدقة فى تصنيف الأحاديث فى هذا العلم فالحديث إما حسن أو صحيح أو أحاد....لأخره، ولدينا كتب صحاح مثل صحيح (مسلم – البخارى – سنن أبى داود – ابن ماجه – سنن النسائى - وموطأ الإمام ابن مالك - ومسند الدارمى – سنن الترمزى – مسند ابن أبى شيبة – مسند ابن حبان)
و قد انكب عليها المحدثون وصنفوها فى موسوعات والآن أصبح من السهل الوصول الى أى حديث لها وهل هو صحيح أم غير صحيح؟
و لعل أكثر حرصنا وغيرتنا على علم الحديث هو ماجعل الحافظ العراقى يتناول كتاب إحياء علوم الدين للإمام الغزالى ويخرج أحاديثه ويبين الضعيف فيها من الموضوع من الحسن والصحيح. ومن يهاجمون السنة يهاجمونها من زمان بعيد كما هوجم القرآن الكريم من قبل أمثالهم.
لماذا تأخرنا عن الدول والشعوب التى نهضت، وما السبيل للحاق بالركب؟
المجتمع المصرى ينقصه حسن إدارة، فالكل يعمل داخل إطار وحده دون ترابط مع الآخر لدرجة أننا أحيانا نجد أن هناك تضاربا بينهما، مثلا لماذا تم الفصل بين وزارة الرى ووزاة الزراعة وخاصة أن 90% من المياه تذهب للزراعة و10% للشرب وأن الزراعة يجب لها المياه ولماذا تم الدمج بين وزارتى الصناعة والتجارة ولماذا تم الفصل فى وزارة التجارة ما بين داخلية وخارجية؟!
و لعل أكبر مشكلاتنا هى تمركزنا حول النيل فقط، وفعلا مصر هبة النيل ولكننا نهدر مياه النيل ولا نستفيد منه ولا نريد أن نخرج خارج حيّزه ولا نحافظ عليه، ومصر منحصرة فى 6% حول النيل فقط وتركت باقى المساحة كاملة، ورغم أننا إحدى الدول الغنية فى العالم كله بما فيها من ثروات عينية فى باطن الأرض وظاهرها ولكن كسل المصريين واكتفائهم بالزراعة فقط هو سبب تردى حالنا اليوم.. وقدماء المصريين أخرجوا الذهب من باطن الصحراء بدون آلات أو معدات حديثة، وما نريده الآن هو انطلاقه إلى كل مصر وليست الصحراء فقط بل إلى كل شبر فى مصر وأن نحترم أى مشروع للشباب حتى لو كان صغيرا ولو كان مشروع "التوكتوك" أو تجارة الخضروات على سيارة (كارو) ولكن بالالتزام بمعايير وقوانين الدولة لنضمن تحقيق التنمية مثل ما فعلت الصين حينما وضعت مكان مخصص للباعة ومثلما فعلنا نحن فى الدويقة من تخصيص معارض للباعة هناك.
هناك من يرى خطرًا على الهوية الإسلامية بعدما انخرط شبابنا فى تقليد كل ماهو غربي؟
لقاؤنا بالغرب حدث منذ عهد "محمد على" وهذا ما جعلنا نقلدهم فالقاعدة تقول "المغلوب مولع بتقليد الغالب" وهذه الظواهر موجودة ولكنها لا ترقى أن تكون ظاهرة عامة أو أن الشباب ترك هويته، ففى رمضان المبارك نجد الجميع يصوم وفى صلاة الجمعة الجميع يذهب للمسجد وأيضا الحج والعمرة وهذا يدل على تمسك المجتمع المصرى بالهوية وتقاليده الإسلامية، ولهذا لا يجب علينا أن نخشى على هويتنا الإسلامية، وكلها لا تخرج عن كونها ظواهر اجتماعية بسيطة.
- أدب الحوار أو الاختلاف مع الآخر.. فضيلة غابت عن مجتمعاتنا..برأيك لماذا؟
أدبنا العربى كله يقوم على ألا تتكلم إلا إذا كان للكلام فائدة وإذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب، وكان لدينا منهج فى الأزهر الشريف يسمى أدب الحوار والمناظرة كنا ندرسه ونحن صغار وكان يؤسس لهذه الآداب ولدينا فى تراثنا أمثلة عظيمة مثل ابن حزم الأندلسى حينما انتصر فى مناظرة مع أحد الشيوخ وغلبه ببيانه وفصاحته دون حجة ثم رجع إليه أمام المسلمين وشهد بأنه أكثر منه حجة وإنما غلبه ببيانه لا بحجته. فهكذا المسلم دائما يجب أن يعود عن خطئه حينما يتبين له الصواب من الخطأ، ولكن الواقع الآن غير هذا، وأنا لا أحب كلمة الآخر لأنك عندما تقول الحوار مع الآخر فهذا تقسيم غير طيب فأدب الحوار يجب أن يتم تَعلُّمِه من البيت والمسجد والمدرسة والجامعة والعمل مع الحرية فى إبداء الرأى وعدم التعصب.. وعلى الوالدين حينما يختلفان أمام أولادهما ألا يخرجا عن نموذج التربية الصواب وهذا ما يجب أن نعلمه لأولادنا.
وأما الشباب فيسلكون الأدب من خلال قدوتنا نحن، فحينما يرونا بأدبنا يتعلمون منا ولعل أعظم آفاتنا دائما فى الحوار هو الانسحاب مثلما كان يفعل أجدادنا العرب مع إسرائيل ينسحبون أمامهم إذا لم يعجبهم الحديث فتأخذ إسرائيل القرارات منفردة لأننا لم نستطع مجاراة الحوار.
- الإلحاد.. بدأ فى الظهور بمجتمعاتنا..كيف العلاج؟
الإلحاد ليست قضية أو ظاهرة تشكل خطرا على مجتمعنا لأنها فرديات من أصحاب عقول لا يملكونها فلو كانوا يعرفون شيئا عن العقل لعرفوا أنهم على خطأ فأى شخص عاقل يرى كيف يكون العالم حوله والقمر والشمس وأمامه قناة (جيوغرافيك ناشيونال) يراها ويعلم كيف أن للكون إلها وخالقا.. فالعالم كله يعيش فى توازن وأن الله تعالى موجود والشخص الملحد لحد وكفر إما لأن عقله ناقص أو عدم ثقافته أو اتباعه لبعض الفلاسفة الذين دعوا الى الإلحاد مثل فوليتر ولكن أمامه أيضا فلاسفة عظام كبار مثل ديكارت.
- ماأبرز مشاكل التعليم فى مصر..ومارأيكم فى التعليم المفتوح وغير المباشر؟
لا تطوير للتعليم إلا بإنشاء المدارس والفصول التى لا يزيد عدد الطلاب بالفصل الواحد عن 25 تلميذ ولا كلية عن 2000 طالب كما رأيت فى جامعة بكين رغم أن الصين تعدادها مليار و300 مليون بينما مصر 100 مليون وجامعة القاهرة بها 300 ألف طالب بينما جامعة بكين 40 الف طالب فقط، ولهذا يستطيع المعلم الجامعى متابعة الطالب وفرز المبدعين منهم وتنميتهم حقيقيا. فالمكان هو أهم شئ قبل التطوير. وأرى أن التعليم المفتوح والتعليم غير المباشر كلام فارغ وأن التعليم الصحيح هو التعليم المباشر بين الطالب وأستاذه فى مكان يجمعهما كما يحدث فى التعليم النظامى وهذا ما أوصى به مؤتمر اليونسكو 1998 بباريس وهذا ما أقرته أمريكا أيضا
-الفنون الجميلة هى محرك الإبداع طالما أنها فى حدود الشرع الحنيف كيف تنظرون إلى (الغناء – الرسم – التمثيل) وغيرها من الفنون؟
إذا كان هدفها فاضلا فهى فاضلة؛ أى إذا ألفت قصيدة وتم غناؤها لهدف طيب قومى أو عاطفى وجدانى فهى جيدة ومقبولة أما الغناء أو التمثيل الذى يهدف إلى إثارة الغرائز فهذا فن مشين وسئ ومثال الطيب ما أنشدته أم كلثوم (وقف الخلق ينظرون كيف أبنى قواعد المجد وحدى) فالإسلام يشجع كل ما هو صالح وينهى عن كل ما هو فاسد.
- انهيار القيم والأخلاق فى مجتمعنا... كيف تراه وتقيمه؟
ضعف الأخلاق شئ طبيعى ومن القرن الأول اشتكى أصحابه من فساد الأخلاق فما بالك بزماننا بعد 14 قرنا ولكن الأمر ليس بهذه القسوة والأمر لم يصل إلى الانهيار.. انظر حولك تجد الأصدقاء الطيبين والأخلاق الحميدة أيضا فالجانب الحسن مازال موجودا والبذرة الإسلامية والجينات الأصلية للشعب المصرى سواء أكان مسيحيا أم مسلما فنحن شعب واحد ولا يوجد غريب بيننا يُغيّر أخلاقنا أو تدخل عناصر شريرة.
- رخصة التحريم والتحليل..هل هى متروكة لكل فقيه أو مفسر؟
التحليل والتحريم من خصائص الله تعالى ولا يملكها أى شخص حتى النبى الكريم ولم تجز لنبى إلا فى آيه واحد ولنبى واحد فقط، قال تعالى (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِى الْأُمِّى الَّذِى يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِى التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) وهى أيضا مقرونة بإذن الله تعالى له ولهذا قال الله تعالى (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام)، وهذا هو السبيل لوقف سيل الفتاوى المنتشرة الان فى مصر وغيرها من الدول فكل من أطلق لحية اليوم يجعل لنفسه الحق فى الفتوى ولو بغير علم. والله تعالى هو الذى يحلل ويحرم وهو من قال (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) فمعنى الآية أن الله تعالى أرسى الحرام والحلال للدين كله أما مايستجد فى الدين من مسائل مثل المخدرات فيمكن إطلاق عليه لفظ محظور أما حرام فلا يجوز.
ما رأيكم فيمن يتهمون ابن سينا والفارابى بالردة؟
على من يهاجمهم أن يأتى بنص واحد خالفوا فيه الإسلام وألا يسمعوا أو يقرأوا لغيرهم بل يبحثوا بأنفسهم فهم فخر الإسلام وعزه.
حوار الأستاذ الدكتور حامد طاهر: أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم ونائب رئيس جامعة القاهرة الأسبق
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة