حوار / أحمد الجعبري
التعليم هو قاطرة التنمية الحقيقية في ظل وضع لا يدعو إلى مستقبل مشرق دون اتخاذ خطوات جادة ومسئولة، ويزداد التحدي قوة وخطورة حينما يتعلق الأمر بالأمن القومي المصري في ظل اتهامات توجه إلى أن العملية التربوية برمتها أصبحت بمنأى بعيد عن مسئوليتها الرئيسة في تحصين أبنائنا وشبابنا ضد كل خبيث، وبناء مجتمع متطور يحظى بالرفاهية والاستقرار.
وكان لجريدة الفتح اليوم هذا الحوار مع قامة تربوية عظيمة لها رؤيتها الحادة، ونظرتها الثاقبة في تطوير العملية التربوية المصرية، مع الأستاذ الدكتور محمد لطفي جاد، أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس بجامعة القاهرة، متحدثا عن كيفية الخروج من الأزمة الحالية والعبور الآمن بأولادنا ومدارسنا إلى الطريق الصحيح؛ وإلى نص الحوار:
كيف تقيم مناهج اللغة العربية والتربية الدينية ومدى فاعليتها في تحصين شبابنا، وهل المعلمون على قدر يؤهلهم لتدريسها ؟
هذه المناهج أعدها زملاء أفاضل لهم كل الشكر ولكن الواقع أن التربية الإسلامية أشتات متفرقات لا يوجد لها خط فكرى واحد كما أن الكتاب يعتمد على بعض الآيات القرآنية بعضها له تفسير وبعضها وضع له الكلمات الصعبة وعمل قائمة لمفردات ومعانى هذه المفردات فقط لا غير ولا أكثر؛ ولذلك لا يمكن لهذه المفردات أن تكوِّن شخصية لمواجهة الإرهاب والتطرف.
ثم إن بعض الآيات القرآنية المقررة والقصص المذكورة بهذه المناهج لا تتناسب مع المرحلة الدراسية لهم ولدينا بعض القصص والدروس بلغ فيها المكتوب ثلاث صفحات وهذا لا يتناسب خاصة مع الصفوف الثلاثة الابتدائية لأنهم مازالوا في مرحلة القراءة والكتابة بالإضافة الى أن المعلمين في المدارس ليسوا متخصصين في مناهج التربية الإسلامية بل أن بعضهم منهم أو أكثرهم من هذه الكليات متخصصين في اللغة العربية ولم يعدوا إعدادا جيداً في تدريس التربية الإسلامية داخل الكليات وأنا أقول هذا الكلام على أساس بحث علمى قمت به سنة 1999 وعرضته في مؤتمر علمى تابع لجامعة حلوان وكان منعقدا في جامعة الدول العربية في القاهرة وثبت أن معلمى اللغة العربية يحتاجون إلى أن يتعلموا كيفية تلاوة القرآن الكريم فالبعض منهم كان لا يجيد حتى تلاوة الصور الصغيرة فكيف يعمل في هذا المجال ولا يستطيع أن يقرأ القرأن وكيف أن يعلم المتعلمين الخلفية الثقافية الإسلامية .
كما أن كثيرا من المعلمين يحتاجون إلى دورات في الثقافة الإسلامية لذلك لابد من اختيار التربية الإسلامية وأن يعد لهم المنهج إعدادا سليما والمنهج ليس كتابا فقط يدرسه الطالب ويمتحن فيه آخر العام .
ومن هنا نؤكد علي دور وزارة الأوقاف في القضايا التى تخص شبابنا مثل الإرهاب والتطرف والتدخين والمخدرات.. إلى غير ذلك. ولا يمكن للكتاب وحده أن يجمع كل هذه الأشياء لمواجهة هذه التيارات الفكرية الهدامة في مصر ومن هنا لابد من أن تتعاون وزارة التربية والتعليم مع الأوقاف لمواجهة هذه التيارات الهدامة والتى تجعلنا نحزن حزنا شديدا .
اذاً المناهج غير كافية لتكوين عقل راشد للطالب.. ماالحل ؟
الحل أن التربية تعلم ألا يُقدم رأي واحد فقط بل يجب أن تدرس الأراء المختلفة في القضية الواحدة وكل رأى له أدلته وعلى المتعلم أن يدرس هذه الآراء. ويكون سؤالنا للمتعلم في النهاية إلى أى هذه الأراء تميل إليها ويجب هنا على المتعلم أن يعمل عقله لأن التربية الإسلامية تساعد على إعمال العقل وإعمال الفكر وتساعد على تنمية مهارات التفكير بكل أشكالها وأنواعها .
وبعد الخروج من المرحلة الثانوية إلى الحياة يستطيع أن يفكر في الكلام الذي سمعه هل هذا كلام معقول أم لا .
من أين نبدأ التجديد والتغيير للمناهج؟
البداية هي التخطيط الصواب وهو المنطلق للتطوير وبدونه سنظل نعيش في تخبط ، وأنا لا أريد أن أغير منهجا لأن التغيير لا يعتمد على تخطيط جيد فقد يأتى التخطيط بالأسوأ وقد يأتى بالأحسن ونحن لا نريد أن نجرب في أبنائنا لأنهم أمانة في رقابنا.
كيف؟
يمكننا أن نبنى مناهج التربية الإسلامية في ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية وهم خمس مقاصد حفظ الدين والنفس والعقل والمال والنسل وهذه المداخل تحدث عنها وأشار إليها الكثير من علماء الإسلام القدماء والمحدثين ، ويأتي تطوير المناهج وفق هذه النظرية عن طريق تحديد الخمس مقاصد وتفصيلها فمثلا المقصد الأول هو حفظ الدين: هذه الكلمة مظلة كبيرة يندرج تحتها كثير من الموضوعات تأخذ وترتب ترتيبا جيدا بحيث تقسم على 12 عاما أو 14 لو كنا نبدأ بالصف الابتدائى ويكون 6 ابتدائى 3 إعدادى 3 ثانوى وهكذا في باقى الموضوعات وتكون مقسمة على 12 سنة مثل ما يخص حفظ الدين على 12عاما أي 24فصلا وهكذا .
وإذا قمنا بتدريس علوم الشريعة على هذا النحو فمثلا عند تدريس مقصد "حفظ المال" من أين تأتى الرشوة أو السرقة أو النهب أو كيف ينفق الطالب أو المعلم ماله فيما لا يرضى الله تعالى او ما يغضبه أو ما يضر بهذا الوطن هذا هو حفظ المال فإذا وزعنا حفظ المال على 24 فصلا استطعنا أن نغطى كل القضايا المجتمعية والدينية والدنيوية.
وهناك قضايا غير هذه القضايا الخمس فلو أننا نظرنا إلى القضايا العالمية كلها لا يمكن أن تخلو من هذه القضايا الخمس .
وهكذا في حفظ النفس: نتعلم كيف أمارس الرياضة ولا أقول أن أشجع الرياضة وانفعل وأغضب وأموت ولكن حفظ النفس أن تحافظ على بدنك صحيا ونفسيا وعقليا وغير ذلك من الموضوعات التى تندرج تحت موضوعات حفظ النفس والمفروض أن نوزعها على 12 هاما فيما يخص حفظ النفس .
وهناك حفظ العقل من المغيبات والمسكرات وكل ما يؤذى الإنسان وفيه دعوة إلى التفكير وإعمال العقل وإلى التفكير الناقد والإبداعى ولأن الإسلام لا يحارب التفكير بل إن الإسلام هو دين التفكير ونحن في إحدى الجمعيات كنا في مؤتمر الجمعية المصرية للمناهج وطرق التدريس أقررنا أن التفكير فريضة إسلامية ولكن نحتاج أن ندرب أولادنا عليه فحفظ العقل يندرج أيضا تحته مجموعة من الموضوعات ربما تصل إلى 50 أو 60 موضوعا ويجب توزيعها على 24 فصلا دراسيا أى 12 سنة دراسية من الصف الابتدائى إلى الثانوى
أما حفظ النسل فهو أن أحافظ على الأعراض وأن أحافظ على البنات وعلى البنين. وبهذا سنواجه قضايا التحرش والفساد الأخلاقي .. وغيرها
ألسنا بذلك نبدأ من الصفر؟
لن نبدأ في رحلة التغيير من الصفر لأن لدينا الأساس التربوي والبحثي والتجريبي وكلها موجودة في كلية الدراسات العليا في التربية وقد ناقشنا العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه الخاصة بالشريعة الإسلامية ويمكن أن نستفيد منها في أن نأخذ الموضوعات والمطلوب هي ورش عمل لتقسيم هذه الموضوعات وتصنيفها من الصف الأول حتى الصف الثالث الثانوى .
برأيك ما أبرز المعوقات أمام تنفيذ تلك الرؤية؟
البداية تحتاج إلى قرار وما نحن جميعا إلا مستشارون نقدم النصيحة أما القرار في أيدي مؤسسات الدولة وتحتاج لإجراءات طويلة، وأنا شخصيا رهن الإشارة فحينما طلب منى إعداد كتاب اللغة العربية لطلاب الفصل الثالث الابتدائى لم أتأخر لحظة فإن طلب منى أن أجلس معهم فأنا على أتم الاستعداد أن أقدم الأوراق التى تساعد على تبنى هذا الحديث وهناك مشكلة أخرى في توفير المخصصات المالية لذل ولأن المناهج لا تطور إلا بعد حوالى 5 سنوات والتطوير يحتاج إلى ميزانيات مالية طائلة .
من يشارك المسئولية في تحصين الشباب من الفكر المتطرف ؟
كما قلنا إن مناهج التربية الإسلامية لا تساعد على معرفة الآراء الصحيحة من الآراء الخاطئة ومن هنا من السهل مساعدة من بعد مرحلة الثانوية العامة أن يميلوا إلى بعض الفئات يمين أو شمال والبعض يذهب إلى الفئات الخارجة عن الدين الإسلامى. فأين مساجد مصر هل صنعت أدوات لتحفيظ التلاميذ والشباب حفظ القرآن الكريم ومسابقات في الثقافة الإسلامية ولو بمقابل طفيف فأين دور المسجد ... وهل ينحصر في خطبة الجمعة وبعض الدروس التى يلقيها الشيوخ بعد صلاة العشاء الى جانب الصلاة فقط . خطبة الجمعة أمر ضرورى ودروس بعد العشاء أمر كبير لا يحضره إلا كبار السن أين الشباب من المساجد .
ما الخطة التى أعدتها المساجد لاحتواء الشباب في الصيف بدلا من أن يجلسوا على الإنترنت والفيسبوك ويتعلمون أشياء قد تضر بعقيدتهم. أين دور مراكز الشباب هل دورها فقط في أن يلعب الشباب ويلتقى صاحب الأخلاق الطيبة بصاحب الأخلاق الخبيثة ويختلط الهابط بالنابغ.
وأين وزارة الثقافة ودوراتها وندواتها ومؤتمراتها والقاعات التى تقيمها ولديهم علماء أجلاء كثيرون يمكن الاستفادة منهم فى توجيه هؤلاء الشباب وربما بدون مقابل وهناك المحبون لمصر ممن يريدون أن يقدموا البحوث لمصر بدون مقابل وفترة الصيف يجب أن تستغل لأن التربية الدينية ليست مرتبطة بالفصلين الدراسيين فقط فصل أول وفصل ثانىولا ننسى دورالعبادة فعليها مسئولية كبيرة أيضا وحتى المصائف المصرية ومراكز الشباب.
ولهذا يجب أن نعيد برامج القراءة وأين المكتبة المدرسية وأين قصص الأطفال التى تنمى الثقافة الإسلامية والقصص التى تعلم الدين لدى الأطفال.. ؟!