التوحيد عقيدة وسلوك

حوارات
طبوغرافي

بقلم الإذاعي:

ممدوح السباعي

 

التوحيد غاية لأجلها خُلق الوجود، قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، والعبادة في غايتها بدؤها ونهايتها التوحيد، ومن قبله تأتي كل العبادات وعلى نهجه المعاملات، وفي مرماه الهدف الأسمى حسن الخلق، الذي قال فيه من جاءنا من الله بأخبار الله: {لقد جاءكم من الله نور}، يقول : ((إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق)).


وجاء في غاية الأمر من أعلم وأعرف وأقرب وأعبد خلق الله لله صلى الله عليه وسلم حين أتى أعرابي قائلا: يا رسول الله أُحبّ أن أصل إلى غاية الأمر – يقصد من الإسلام والإيمان والعبودية والرضا والإحسان والتقوى والقرب – وأخاف أن تتفلت مني كثرة الأوامر، أي خاف الأعرابي من كثرة ما ألزمه به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذن عليك بذكر: لا إله إلا الله، وإطعام الطعام))، لا إله إلا الله هي خير قول على الإطلاق لأفضل وأطهر وأنزه الخلائق، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((خير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله))، وهي عقيدة تُعتقد بالقلب، وهي جلاء القلب لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد إذا أصابه الماء)) قيل: يا رسول الله وما جلاؤها؟ قال: ((كثرة ذكر الموت وتلاوة القرآن))، ولا إله إلا الله هي مرضاة الله وغاية العبودية التي بها يغفر الله لمن يشاء، لقوله تعالى في الحديث القدسي: ((يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا، لأتيتك بقرابها مغفرة)).


وما بعد المغفرة سوى الرحمة والنعيم والجنان في عليين، فهذا جواب الأعرابي الذي قال: أودّ أن أصل إلى غاية الأمر، وأخشى كثرة الأوامر، فالشطر الأول الشهادة، أما الشطر الثاني هو إطعام الطعام، وهو مصدر الحياة في أسبابها وقوت قوامها، والمتأمل يجد إطعام الطعام فيه عمومية، فكل الأحياء تطعم والمثل على النفع بل النجاة والفوز بالتعيم، وجاء التبشير من البشير في قوله صلى الله عليه وسلم: ((بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ قَدْ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِىٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِى إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَاسْتَقَتْ لَهُ بِهِ فَسَقَتْهُ إِيَّاهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ))، والبغاء هو أسود الفحشاء، فغفر الله لها بسبب جرعة ماء سقتها لكلب، فكيف بمن أحسن إلى إنسان؟ فالشق الثاني إطعام الطعام بعموميته كفالة وحفاظا على مؤنة الحياة.


وإطعام الطعام نفع الناس وكفالة الأمة فيما بينها وهو أمر حياة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: ((والله لا يؤمن)) قالوا: من يا رسول الله؟، قال: ((من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم))، والكفالة هنا تبلغ مبلغ الإيمان، فمن علم بجوع جاره ولم يطعمه غير مؤمن، والجار له حق على جاره وهو حق الجوار، فإذا كان الجار مسلما كان له على جاره حقان: حق الجوار، وحق الإسلام، فإذا كان الجار قريبا لجاره، فأصبح له عليه ثلاثة حقوق: حق الإسلام، وحق الجوار، وحق الرحم.


فتأمل كفالة الإسلام لكل الخلق حتى الجار أيا كان أمر عقيدته، لأن الإسلام دين من خلق، والخالق خالقٌ لكلّ شيء، فربط الإيمان بمن به آمن بقدر حفاظه على جاره، "فمن بات شبعان وجاره جائع" – تأمل اعقل قبل أن تتكلم- ومواضع التكافل لا تُحصى، وكفى شرفا أن الفقراء نسبهم الله إلى نفسه كنسب الأبناء، والأغنياء وكلاء.. وتعالى الله سبحانه.


وتأمل حب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم للفقراء، فمن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم احشرني في زمرة المساكين))، فالنبي صاحب المقام المحمود يدعو فيشرّف المساكين بأن يكون في زمرتهم، وكافل اليتيم في قرب من الرسول صلى الله عليه وسلم كالسبابة والوسطى، وما أحوجنا الآن إلى الكفالة للتعايش وهي النجاة، وهذا وقتها، فتأمل ولا تغفل.