ليلة استثنائية عاشها المصريون توقف أمامها التاريخ ملياً وتابعها العالم بشغف ليرى الرئيس عبدالفتاح السيسى مؤسس مصر المدنية الحديثة وهو يُوحّد النسيج الوطني ويترجم الكلام عن الوحدة الوطنية وحقوق المواطنة إلي أفعال بإزاحة الستار عن بنائين عظيمين فى العاصمة الإدارية الجديدة بتبرعات المصريين هما مسجد «الفتاح العليم» وكاتدرائية «ميلاد المسيح» أشرفت على بنائهما الهيئة الهندسية للقوات المسلحة لتكون بيوت يذكر فيها اسم الله أول ماينجز علي أرض العاصمة الجديدة ، وكما أُسست "القاهرة" مدينة الألف مأذنة منذ أكثر من ألف عام، لتكون قاهرة كل جيوش أعدائها، نستبشر خيرًا أن تكون العاصمة الجديدة منارة للعالم أجمع.
المشهد حمل رسائل للداخل والخارج ولم يكن سوي استجابة واعية لمعطيات الجغرافيا والتاريخ والتكوين الحضاري والثقافي لأقدم دولة في التاريخ عايشت الأديان منذ اللحظة الأولي .
ويحسب للرئيس السيسي مشروع العاصمة الإدارية القومي الذي يضاهى أحدث العواصم فى العالم ويُدخل مصر عصر المدن العالمية وهي بمثابة العاصمة الضرورة في مواجهة الزيادة السكانية المتنامية جنباً إلي جنب مع 13 مدينة أخري فى شمال الدلتا، وشرق القناة بسيناء، والساحل الشمالي، وفي الصعيد، حيث كان الرئيس السيسي أول من يحول الرمال التي تباع بتراب الفلوس والصحراء التي لاتطأها قدم بشر إلى ذهب .
وأقيمت أول صلاة جمعة بمسجد "الفتاح العليم" بالعاصمة الإدارية الجديدة، بتلاوة قرآنية مباركة من الشيخ خالد الجارحى كما رفع الآذان الشيخ مصطفي عاطف.وجاءت خطبة الجمعة، بالتوعية بأهمية العمل وإعمار الأرض وعدم اليأس وضرورة التمسك بالأمل والإخلاص فى العمل وأن من أفضل الأعمال، إعمار مساجد.
ووجه الدكتور أسامه الأزهري مستشار رئيس الجمهورية للشئون الدينية رسالة للعالم قائلاً: "من أعماق مصر العظيمة من مسجد الفتاح العليم، وفي عام جديد، تأتي هذه الخطبة لتكون رسالة موجهة للعالم كله من أرض الكنانة أقول فيها باسمكم جميعًا المصريون العظماء في شتى بقاع مصر، للعالم كله أن عهدًا جديدًا وعامًا جديدًا ستشهد فيه أرض الكنانة مصر عدة شعارات الأول الأمل الذي يتحول إلى عمل، والثاني الحلم الذي يحققه العلم، والشعار الثالث الإرادة التي تتحول إلى إدارة، وإرهاب ينهزم، وجرح يلتئم، وشعب مترابط ينسجم، جيش عظيم يحمي وشعب كريم يبني".
وأضاف: " آن لنا أن يولد وينطلق للعالم من أرض مصر خطاب ديني جديد عميق مربتط بأصله من القرآن والسنة وعلوم الأمة وحضارتها متصل بالعصر بمختلف أزماته واسئلته وتحدياته قادر على حسن الربط ما بين هذين الأمرين.
واستطرد: "آن لنا أن نطلق خطابًا يستلهم مدارس العلم الكبرى كالأزهر في مصر، والزيتونة في تونس والقرويين في المغرب والمسجد الأموي في دمشق، آن لنا أن نطلق خطابًا جديدًا يحقق الأمان والعلم والعمران، ويحقق محاسن الأخلاق ومكارم الشريعة، خطابًا تزول معه كل الجزئيات التي شُغل بها الناس واستهلكت وقتهم وعقولهم".
وأكمل: "هيا بنا الى الأمام الى العمل، إلى العمران، إلى بناء الوطن، وتعزيز منظومة القيم وتعزيز البحث العلمي، إلى اشاعة الأمان في الدينا كلها إلى محاربة الفقر والتخلف والمرض إلى طي صفحة كل لحظة ألم شعر بها كل مصري".
وتوجه العالم الأزهري، بتحية وحب وولاء إلى سيد وقف قبل بضع ألوف من السنين على أرض مصر مدبرًا ومخططًا وراعيًا لأساليب خروج أرض الكنانة من أزمتها مؤيدا بنور الوحي والنبوة محفوظا بالعصمة والعناية سيدنا يوسف بن اسحاق، يوم أن وقف وجعل نبوته ورسالته قائمة على أصلين الأول الدعوة إلى توحيد الله الذي هو أساس سائر الرسالات والأصل الثاني حماية مصر وإنقاذها وتدبير حكيم تتعافى به مصر قال تعالى : يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46) سورة يوسف.
وختم خطبته: "إيمان عميق بأن الوطن لايتزلزل أبدا مهما عبرت عليه أزمات أو شدائد، ورسالة يوسف عبر السنين تتجدد اليوم ، أرض مصر لاشيء يعادل رخائها إذا أقبل، ولا تحدث فيها شدة إلا يأتي بعدها، عام فيه يغاث الناس، عام يقطف فيه المصريين ثمرات تعبهم وصبرهم على مشقة بناء وطنهم، الرسالة الأولى دعوات فيها أن يجعل الله هذا العام عام رخاء ووفرة ويسر، والرسالة الثانية من مصر للعالم نطلقها اليوم من مسجد الفتاح العليم، أرض الكنانة تمد يدها لكم بالسلام والعلم والحضارة، وتدعوا العالم كلة الى شراكة وصداقة واخوة وبناء يليق بمصر وبالإنسانية".
الشيخ خالد الجارحي، صاحب أول تلاوة قرآنية لصلاة الجمعة بـ"الفتاح العليم" حيث يتمتع بصوت رخيم خاشع مميز ويعتبر واحدا من أشهر مقرئي القرآن الكريم في مصر درس في الأزهر وعمل معلما للقراءات والتجويد وعلوم القرآن الكريم بكلية المعلمين بمحافظة الرس السعودية والتابعة لجامعة القصيم بالمملكة وعمل كمدرس للقرآن والقراءات والتجويد بمعاهد معلمي القرآن الكريم وعضو بنقابة القراء في مصر وعضو لجنة التحكيم لمسابقة القرآن الكريم ويمتلك إجازة في القراءات العشر الكبرى والعشر الصغرى، وإجازة برواية عاصم وحفص وشعبة من الشاطبية، وإجازة برواية حفص من الطيبة من المسجد النبوي الشريف ومعتمدة من جامعة طيبة بالمدينة المنورة، وإجازة برواية قالون عن نافع من الطيبة، وإجازة برواية ورش، وإجازة بقراءة حمزة بن حبيب الزيات، وإجازة برواية شعبة.
أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال الاحتفال بالمولد النبوي الشريف دعوة للإقتداء بنبي الرحمة الذي بعث ليتمم مكارم الأخلاق مطالباً بترجمة معاني رسالة الإسلام التي تلقاها سيد الخلق وأشرفهم إلى سلوك عملي وواقع ملموس في حياتنا ودنيانا وإرساء مبادئ وقواعد التعايش السلمي بين البشر وحق الناس جميعاً في الحياة الكريمة، دون النظر إلى الدين أو اللون أو الجنس، فقد خلقنا المولي شعوباً وقبائل، متنوعين ثقافياً ودينياً وعرقياً، لكي نتعارف.
دعا إلي استدعاء القيم الفاضلة التي حث عليها الإسلام ورسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم والتي تنادي بالعمل والبناء والإتقان، لنواجه بها أولئك الذين يدعون إلى التطرف والإرهاب موضحاً أن رسولنا الحبيب صلي الله عليه وسلم كان وما يزال قدوة للناس جميعاً، فلقد كان على خلق عظيم، فدعونا نقتدي بنبي الرحمة لنجعل من وطننا الحبيب مصر منارة للسلام والرقى، ولتستعيد مكانتها الطبيعية كمركز للحضارة والعلم والثقافة للإنسانية جمعاء.. دعونا ننقذ العقول من حيرتها، وننبه النفوس عن غفلتها، وننشر المفاهيم الحقيقة السمحة للإسلام. احرصوا على غرس القيم الإنسانية السامية في القلوب والأذهان، لننبذ العنف والكراهية والبغضاء.
وتثمن جريدة الفتح اليوم هذه الدعوة الرئاسية وتدعو لالتماس مواطن القدوة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، والاقتداء به وإحياء سننه، والسير على نهجه وشرعته، والاقتداء برسول الله في عفة لسانه، ونقاء قلبه، وحكمته في أسلوب الدعوة، وكمال رحمته وشفقته وعفوه وصبره وعدله ووفائه، وكمال خلقه فقضت مشيئة الحق تبارك وتعالى أن تختم الرسالات بآخر رسول يكون خاتم النبيين يتمم مكارم الاخلاق.. ويخرج بالبشر من بين أسوار ليل متجهم، وجهالة مطبقة، ووثنية محدقة.. إلى واحة فجر مترعرع على ضفافة كل فضائل الخير.. فيعطر الوجود عبيره، ويمنح الحياة رشده، ويخرج الناس من الظلمات إلى النور.. وعلى يده تمت المكارم فعاش العالم في ظل أيامه وقد وجد الحق الذي افتقده والعدل الذي غاب عنه.. والفضائل التي دفنت تحت وطأة الظلام .. فاستعادت الحياة رشدها ويقينها، وبدأت في ظل إيمانها.. وما أفاء عليها من سعادة وإشراق ترى الوجود بمنظار على هدي خاتم النبيين صلوات الله وسلامه عليه.. والله أعلم حيث يجعل رسالته.
ويؤكد علماء الدين علي ضرورة الاقتداء بأخلاق النبى صلى الله عليه وسلم- التى جاء الرسول الخاتم ليتمم مكارمها - قولا وعملا، لما فيها من النجاة والهداية للحائرين والتائهين، فى ظلمات الشهوات وبحور المعاصى واللذات الفانية، حتى يصلوا ويهتدوا الى شاطئ نور الإيمان، ويذوقوا لذة وحلاوة القرب من الله الرحمن، قال تعالي” قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم”.
السعادة الحقيقة
يقول د. أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف: نحن في أمس الحاجة إلى التعرف الى أخلاقيات الرسول الراقية التي سجلت أعظم درجات التحضر، ونحن مدعوون إلى التعبير عن حبنا له من خلال الالتزام بهديه، فهذا الالتزام هو كمفتاح السعادة الحقيقية، حيث رسم لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم طريق الحياة الأخلاقية المثالية التي تحقق للإنسان حياة مطمئنة تغلفها الرحمة والعدالة والمساواة والتسامح.
ويضيف: لقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كل الآداب الفاضلة والأخلاقيات الراقية والسلوك المتحضر، وربانا على المثل والمبادئ التي تحقق لنا السعادة والطمأنينة وتجلب لنا رضا الخالق والمخلوق، لكن للأسف ابتعدنا كثيرا عن هدى رسول الله وأهملنا توجيهاته النبوية القويمة فشاعت بيننا البغضاء، وانتشرت السلوكيات المرفوضة، واختفت قيم الرحمة والتكافل والمودة والعفو وغير ذلك من فضائل الإسلام التي تجسدت في سلوكيات الرسول وأقواله وتوجيهاته الكريمة.
ويوضح د. هاشم أن عناية الرسول بالجانب الأخلاقي كانت كبيرة وواضحة من خلال توجيهاته الكريمة، ومن بين الأحاديث التي توضح هذا الجانب قوله صلى الله عليه وسلم: «اتق الله حيثما كنت، واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن».
وهذا الحديث يتضمن ثلاث وصايا جامعة تشمل جميع المعاملات التي يستقيم بها أمر الدين والدنيا، وبينت حقوق الله تعالى وحقوق العباد.. فحق الله سبحانه وتعالى «أن يتقى حق تقاته» بأن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر، ويحمد على السراء والضراء، و «وخالق الناس بخلق حسن» تنبيه إلى أن أهم الخصال التي ينبغي أن يتحلى بها الإنسان هي (حسن الخلق) فهو ركن عظيم من أركان التقوى، ومن هنا يقول صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، ويقول صلى الله عليه وسلم: «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا». وكان بذلك خير أسوة لأمته في الاعتماد على العنصر الأخلاقي منهجا يستقر فيه الوجدان، وينبثق في المشاعر والسلوك، ويقوم عليه واقع المجتمع الإنساني الفاضل، وتكون أمة الإسلام به خير أمة أخرجت للناس.
الرقي الإنساني
يؤكد د. أحمد عبده عوض الداعية والمفكر الإسلامي أن المسلمين اليوم أحوج إلى العمل بتوجيهات رسولهم الكريم، والالتزام بسنته، والاهتداء بهديه حتى تستقيم حياتهم العامة والخاصة، وتتحقق لهم الطمأنينة والسكينة التي يبحثون عنها، خاصة في هذا العصر الذي تعددت فيه صور الانحراف عن منهج الله، ويشعر الإنسان المسلم فيه بالحيرة والقلق والاضطراب، لفقدان القدوة والمثل الأعلى.
ويوضح د أن توجيهات الرسول تحمل كل معاني الرقي الإنساني، فقد أرسى قواعد التعامل «المثالي» بين البشر، فهي تحميهم من كل الانحرافات الفكرية والسلوكية والجرائم المتنوعة التي اقتحمت حياتنا، وتنقذهم من الأزمات النفسية والمشكلات الصحية، فأخلاقيات الإسلام توفر للإنسان السعادة والرضا، وتزيل كل ما في نفسه من رواسب وأحقاد تجاه الآخرين، حتى ولو أساءوا إليه.. كما أن هذه الأخلاقيات الفاضلة تحمي المجتمع من كل المصائب التي لحقت به، وتوفر لكل أفراده الأمن والاستقرار.
ويشير إلي أن الرسول كان حريصاً على نشر الطهر والصفاء ومكارم الأخلاق، ولذلك شدد على التحذير من كل ما يتنافى مع الخلق الفاضل أو يسيء إلى الأفراد والمجتمعات، أو ينشر الضغائن بين الناس، أو يمزق عرى المودة ويفرق بين الأحبة، أو يوقد نار العداوة والبغضاء، مشدداً على أن المسلمين اليوم في أمس الحاجة إلى القيم والأخلاق الإسلامية التي نشرها وأشاعها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويضيف: لابد من ترجمة المنهج النبوي إلى واقع في حياة الأمة الإسلامية، وأن يقول المسلمون للعالم إن أمة محمد صلى الله عليه وسلم لم تمت، وأنها قادرة على التعافي من خلال العودة إلى منهجها القويم والتمسك بمسلك نبيها الخاتم صلى الله عليه وسلم، فتصدير صحيح الإسلام وسنة نبيه للآخرين، وبعث الروح في الأمة، والتمسك بالمنهج النبوي الوسيلة المثلى للفوز في الدارين.