الأستاذة/ سمية رمضان
مستشار أسرى
أنا زوجة وأم لبنتين وولد، بنتي الكبرى في السنة الثانية من الجامعة، والحمد لله أولادي متفوقين دراسيا ومتميزين أخلاقيا، ولكن ما يؤرقني في حياتي هو زوجي، فزوجي إنسان شكاك جدا؛ في أثناء الخطوبة كان يقول لي: أنا إنسان غيور جدا، وكنت سعيدة بغيرته وحبه لي، ولكني وقتها لم أكن أعتقد أن هذه الغيرة ستصل إلى شكه في سلوكي وتصرفاتي، بل واتهامه لي بالخيانة، ولما فاض بي الكيل وطلبت الطلاق، بدأ يعتذر، ويقول: أنه لا يقصد، ثم يعود مرة أخرى ويكرر نفس تصرفاته، لقد توترت علاقتي به كثيرا، وأحيانا لا اطيق أن يلمسني، لقد جرحني واتهمني في شرفي، ولا استطيع أن أغفر له ذلك، وفي كثير من الأحيان أجلس لأبكي وحدي من شدة إحساسي بالظلم، ألم يعلم أنه يذبحني، وأنا التي كنت أحبه كل الحب، فقد كنت أرى فيه حلمي وحياتي، سامحه الله.
لقد فكرت كثيرا في الطلاق، ولكني خائفة على مستقبل أولادي وبناتي، فليس لهم ذنب فيما يحدث، لم أعد أحتمل الوضع.. أفيدوني ماذا أفعل؟!
الرد
أهلا ومرحبا بكِ أختي الكريمة ضيفة عزيزة على صفحة استشارات أسرية بجريدة الفتح اليوم، ونشكر لكِ أختي الفاضلة ثقتك بنا.
أختي الحبيبة.. أشكر لكِ حرصكِ على بيتكِ وأسرتك، وعلى تفانيكِ من أجل استمرار هذا البيت، وهذا بالفعل بداية مبشرة، فطالما كان هدفك استمرار هذه الأسرة وعدم هدمها فسوف تصلين إلى ما تريدين إن شاء الله.
حبيبتي.. هناك بعض الغموض في رسالتك، فأنتِ لم تذكري مثلاً:
- لماذا يغير زوجكِ؟. وما هي المواقف التي حدثت بينكما، وشعرتِ فيها بغيرته؟وممن يغير؟ ومتى بدأت هذه المشكلة؟!
الكثير والكثير من الأسئلة تطرح نفسها، وبخاصة أنكِ متزوجة منذ أكثر من عشرين سنة، وابنتك الكبرى طالبة جامعية، وأظن أن سنك قد تجاوز الأربعين، ولهذا أتلمس فيكِ رجاحة العقل، واتزان العاطفة.
الأسئلة السابقة لو استطعنا الإجابة عنها بكل صراحة سنجد الحل لكل المشكلات إن شاء الله.
حبيبتي.. ربما كنتِ من الشخصيات التلقائية في التعامل مع الجميع، فتتعاملين بحسن نية، فيفهم الناس تلك التصرفات بشكل خاطئ، ويعتبرها زوجكِ تجاوزًا في التعامل، ولقد تدخلت منذ فترة في مشكلة مشابهة، وبدأ الزوج في سرد بعض التصرفات من زوجته، فسرها هو أنها خيانة وتجاوزًا، والزوجة كانت تتصرف بحسن نية، واستغل بعض الحاقدين بعض تصرفات الزوجة، فأوغروا قلب زوجها عليها، وبدأ يشك فيها ويتهمها، وتحولت حياتهما من الحب والمودة والرحمة، إلى الشك والنفور وعدم الثقة، ولهذا كان حرص الإسلام عن البعد عن مواطن التهم والريب:
فعن صفية بنت حيي رضي الله عنها، قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفًا، فأتيته أزوره ليلًا، فحدثته ثم قمت فانقلبت، فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على رسلكما إنها صفية بنت حيي، فقالا سبحان الله يا رسول الله، قال: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءًا، أو قال: شيئًا))
قال ابن بطال: (في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنها صفية)) السنة الحسنة لأمته، أن يتمثلوا فعله ذلك في البعد عن التهم ومواقف الريب)
وقال الغزالي: (حتى لا يتساهل العالم الورع المعروف بالدين في أحواله فيقول: مثلي لا يظنُّ به إلا الخير؛ إعجابًا منه بنفسه، فإنَّ أورع الناس وأتقاهم وأعلمهم لا ينظر الناس كلهم إليه بعين واحدة، بل بعين الرضا بعضهم وبعين السخط بعضهم... فيجب الاحتراز عن ظنِّ السوء، وعن تهمة الأشرار، فإنَّ الأشرار لا يظنون بالناس كلِّهم إلا الشرَّ).
حبيبتي.. الحياة لا تستقيم على وتيرة واحدة ، فهي تأرجحنا بين الصعود والهبوط، بين السعادة والشقاء، وبين الصحة والمرض، فالحياة متقلبة، وربما ضيعتِ على نفسك الكثير والكثير من لحظات السعادة بكثرة التفكير في مواقف زوجكِ دون النظر إلى حلها، فمنذ يومين فقط اتصلت بي صديقتي تشكو لي حزنها على ما ضيعته من لحظات سعيدة كان يمكن أن تعيشها مع زوجها، ولم تشعر بقيمة ما في يدها إلى بعد أن فارق زوجها الحياة.
حبيبتي، ابدئي صفحة جديدة مع زوجكِ الذي كان أملك وحلمك في الحياة، وافتحي معه نافذة للحوار متناسية ما كان منه من اتهام، وصارحيه، وأخبريه بمشاعرك اتجاهه، وقولي له إنكِ ما زلتِ حريصة على استمرار الحياة من أجله ومن أجل أبنائكما، اسمعي منه جيدا، فهو حريص عليكِ، ولهذا أصر على استكمال طريقكما معًا.
حبيبتي.. لو كانت غيرة زوجكِ ليس لها أساس، وكانت غيرة مرضية، أو هي نوع من أنواع الوسواس القهري، أو الشك المرضي، فعليكِ باستشارة أحد الأطباء النفسيين، فهو في هذه الحالة يحتاج إلى علاج ودعم نفسي وإعادة تأهيل نفسي واجتماعي.
وفي كلتا الحالتين فالحل يبدأ من عندكِ أنتِ، وليس من طرف آخر، وأذكرك بأنه عندما نشير بإصبع الاتهام إلى أحد، فإن ثلاثة أصابع تتجه نحونا، فالمسئولية مشتركة بينكِ وبينه، ولكن الحل يبدأ منكِ لأنك من أرسلتِ إلينا.
وأخيرا.. همسة في أذن كل زوج: اجعل الثقة أساس الحياة بينك وبين زوجتك، ولا تجعل للشيطان إليكما سبيلا، ولا تتهمها بغير دليل ملموس، فلقد غلظ الشرع عقوبة رمي المحصنات.
والزوجة ترى في زوجها السند والحماية والحب والحنان والأمان، ولن تكون تلك المعاني بغير الثقة، فالبيت الذي لا يقوم أساسه على الثقة المتبادلة القائمة على حسن الاختيار من الطرفين، سيكون هشا ضعيفا تهدمه رياح الحياة ومشكلاتها.
حفظ الله لنا بيوتنا، وجعلها عامرة بطاعته .. آمين
زوجي غيور جدا ويتهمني بالخيانة.. فماذا أفعل؟!
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة