تحتاج مجتمعاتنا العربية والإسلامية إلى كل صور العطاء الخيرى الإسلامي من صدقات سائلة وجارية ووقف خيرى وتسديد ديون الغارمين والغارمات ، وتعد المساهمة في تحسين المستوى المعيشي للفئات المعدمة والفقيرة من أفضل ما يقدمه المسلم في حياته وسوف يجني ثمرة ذلك خيراً وبركة في الدنيا وجزاء إلهياً في الآخرة وينبغي أن يتسابق المسلمون في هذا الأمر الذي تفوق علينا فيه للأسف غير المسلمين رغم أن تعاليم وتوجيهات أديانهم لا تدفعهم إلى ذلك.
يقول الشيخ علي أبو الحسن الرئيس الأسبق للجنة الفتوى بالأزهر الشريف: من المؤسف أن تتلاشى أو تختفي الصدقة الجارية من حياتنا المعاصرة حتى انضمت هذه السنة النبوية إلى جملة السنن المهجورة التي حرم المسلمون خيراتها وبركاتها.
مجتمعات أكثر رحمة
ويضيف: إذا كانت فريضة الزكاة قادرة على خلق مجتمعات آمنة ومستقرة تسود فيها مشاعر المحبة والتعاون والتكافل الاجتماعي، فإن الصدقات التطوعية والجارية تسهم في مجتمعات أكثر رحمة وإنسانية حيث تتزايد أعداد ضحايا الفقر والمرض والبطالة وغيرهم من المحتاجين إلى العطاء الإنساني الدائم ويستطيع هؤلاء الذين أنعم الله عليهم بخيراته، ورزقهم بنعمه، أن يمدوا يد العون والمساعدة للفئات الأكثر فقراً وحاجة وما أكثرهم في بلادنا العربية والإسلامية.
![]()
ويؤكد الشيخ أبو الحسن أن الصدقة الجارية وإن لم تكن واجبة شرعاً إلا أنها من أبرز الواجبات الإنسانية التي حث عليها الرسول صلى الله عليه وسلم إعانة للمحتاجين، وتفريجاً لكرب المكروبين، والمساهمة في توفير سبل العيش الكريم للفقراء والضعفاء، ونشر دور العلم الذي يخرج الناس من ظلمات الجهل إلى نور المعرفة.ولأن الزكاة وحدها قد لا تكفي في بعض المجتمعات خاصة التي يتزايد فيها الفقراء لتحقيق هذه الأهداف الإنسانية النبيلة كان للصدقات التطوعية والوقف الخيري دورهما الكبير، حيث حبب رسولنا الكريم المسلمين في هذا العطاء الإنساني، وجعله من القربات التي يتقرب بفعلها الإنسان إلى خالقه عز وجل، فهي مما ينفع المسلمين ويصلح حالهم، وما أحوج المسلم إلى ما ينفعه بعد مماته بعد أن تنقطع صلته بالدنيا.. وهنا تأتي الأمور الثلاثة النافعة له، والتي أشار إليها الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف وأولها «الصدقة الجارية».
من فضائل الأعمال
ويؤكد الرئيس الأسبق للجنة الفتوى بالأزهر أن الصدقة الجارية من فضائل الأعمال التي ينبغي أن يحرص عليها هؤلاء الذين يتطلعون إلى تعويض ما فاتهم في الدنيا من أعمال خيرية..ويقول: الصدقة الجارية التي تنفع المسلم بعد رحيله من دار الفناء إلى دار البقاء مجالها واسع جداً وهي حسب قدرة كل إنسان وحالته المادية فقد تكون مسجداً كبيراً وقد تكون مكتباً صغيراً لتحفيظ القرآن الكريم وقد تكون مبرد مياه يضعه صاحبه في طريق يحتاج الناس فيه إلى الماء وقد تكون أبسط من ذلك لكنها تجلب لصاحبها أجراً وثواباً كبيراً ما دام مخلصاً في عطائه للفقراء والمحتاجين.
ويضيف: يجب أن يعلم من يتصدق أنه يتعامل مع اللَّه حيث يقول الرسول الكريم: «إن الصدقة تقع في يد اللَّه عز وجل قبل أن تقع في يد العبد».
باب متسع
عطاء مستمر
ويوضح الشيخ أبو الحسن أن الرسول وسع باب الخير بالصدقات ليكون كل أفراد المجتمع في حالة عطاء مستمر للآخرين مما يعمل على نشر المودة والمحبة، حيث حرص على نشر ذلك أولاً بين أفراد المجتمع الصغير ممثلاً في الأهل والأقارب وجعل ثوابها مضاعفاً حيث يقول صلى الله عليه وسلم: «الصدقة على المسكين صدقة وعلى القريب اثنتان صدقة وصلة رحم»، ويقول: «ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك فإن فضل شيء فلذي قرابتك فإن فضل شيء عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا».التصدق بالحلال الطيب
وحتى تؤدي الصدقة الجارية دورها في تماسك أفراد المجتمع وتعمل على نشر المحبة والمودة بينهم ويحصل المسلم على أجرها وثوابها فعليه أن يتصدق من مال أو كسب حلال طيب كما يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «إن اللَّه طيب لا يقبل إلا طيباً»، وبالتالي فمن يكسب المال من الحرام أو يأكل مال الناس بالباطل من خلال الغش في الصناعة أو التجارة أو الرشوة والاختلاس ثم يتصدق منه فإن الله لا يقبله وليعلم المسلم أنه يتصدق من مال اللَّه الذي أعطاه إياه كما يقول رب العزة: «وآتوهم من مال الله الذي آتاكم»، كما أن من يتصدق لا ينبغي أن يتبع صدقته بالمن والأذى وإلا حرم ثواب الصدقة فالله سبحانه وتعالى يقول: «يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى».
والمسلم مطالب بأن يخرج الصدقة من أفضل ما عنده، فلا يتصدق كما يفعل بعض الناس بما لا يرضى أن يستخدمه مثل الثياب القديمة، وبقايا الطعام امتثالاً لقول اللَّه عز وجل: «يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون...».وينتهي الرئيس الأسبق للجنة الفتوى بالأزهر إلى أن الصدقة الجارية باب عظيم من أبواب الخير تنفع المتصدق ببركة ماله في الدنيا والجنة في الآخرة، وينتفع المجتمع بها حيث تعمل الصدقات على علاج مشكلة الفقر التي تزايدت في المجتمعات العربية، كما أنها تؤدي إلى التماسك والمحبة وما أحوج مسلمي اليوم إلى ذلك، حيث نعيش زمناً قل فيه التواصل الخيري بين الأغنياء والفقراء وضعف فيه التكافل الاجتماعي والإنساني بين الناس.
الصدقة الجارية.. سُنّة اختفت من حياتنا
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة