بقلم : د. محمد الشوبكى
المتخصص في الحوار القرآني
الحوار المنشود يقتضى تجنب الاستفزاز من أحد الطرفين للآخر، سواء بالعبارات المثيرة أو الكلمات المستفزة التى تحدث التوتر فى الأعصاب والإيعاز فى الصدور، فعليهما اختيار الكلمات التى تقرب ولا تباعد، وتحبب ولا تبغض، وتجمع ولا تفرق، يقول تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الحجرات: ١١ ]
من آداب الحوار- إذن - ألا يتجاوز المحاور فى مدح، ولا يسرف فى ذم. فالإسراف فى المديح والثناء فيه ملق ومهانة، والمبالغة فى الذم هى طريق الشر والرذيلة.إن من أقبح الصفات أن يتنزل العلماء فى حوارهم إلى جارح اللفظ وسيئ العبارة، معللين ذلك بضيق الصدر ونفاد الصبر، فقد قيل لرسول الله (صلى الله عليه وسلم): يا رسول الله ادع على المشركين. قال: (إنى لم أبعث لعانًا وإنما بعثت رحمة) [رواه مسلم]. كما قال (صلى الله عليه وسلم) (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) [ رواه البخارى].
![]()
والمتتبع للحوارات التى يزخر بها تراثنا يدرك الأدب الرائع بين المتحاورين فى أدق قضايا الإسلام وأحكامه، ويطلع على النماذج المشرقة التى حواها ذلك التراث الفكرى والمعرفي، ولعل أبرز دليل على ذلك الحوار الرائع الذى جرى بين عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- وعدد من صحابة الرسول (صلى الله عليه وسلم) حول توزيع الأراضى على المقاتلين، فقد كان موضوع الحوار منصبا على تفسير آيات عديدة من القرآن الكريم، ومع ذلك لم يشتد عمر فى كلمة ولم يعنف أحدًا فى عبارة، وإنما تبادل الجميع الرأى بالرأى والحجة بالحجة حتى اقتنع الجميع برأيه وقالوا: نِعْم ما قلت وما رأيت.ولقد وجدت أن أول من استخدم هذا الأدب (عفة اللسان والقلم) هو الملائكة، قال تعالى: (ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم) فالملائكة فى ردهم على المولى -عز وجل- لم ينزهوه عن أى عيب أو نقص فقط، بل أشد من ذلك بالتنزه عن لفظ كونهم معبودين.
ولأن العبادة لا تكون إلا لله وحده لم يستطع الملائكة أن يقولوا إنهم معبودون من دون الله حكاية عن قول المشركين تأدبا مع الله -عز وجل- فى الحوار معه سبحانه وتعالى.
عفة اللسان والقلم (1/2)
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة