مازال فهم عملية الإبداع ومراحلها من أكثر القضايا الخلافية بين التربويين وعلماء النفس وطرائق التدريس ، ويذكر "والاس وماكسبرى" أن عملية الإبداع عبارة عن مراحل متباينة تتولد أثناءها الفكرة الجديدة المبدعة ، وتمر بمراحل أربع هي :
1- مرحلة الإعداد والتحضير :في هذه المرحلة تحدد المشكلة وتفحص من جميع جوانبها ، وتجمع المعلومات حولها ويربط بينها بصور مختلفة بطرق تحدد المشكلة، وتشير بعض البحوث إلى أن الطلاب الذين يخصصون جزءاً أكبر من الوقت لتحليل المشكلة وفهم عناصرها قبل البدء في حلها هم أكثر إبداعاً من أولئك الذين يتسرعون في حل المشكلة .
ولقد قال جوته في وصف هذه المرحلة " كل ما نستطيعه هو أن نجمع الحطب ونتركه حتى يجف وستدب فيه النار في الوقت المناسب " وقال إديسون إن أكثر إلهامه كان جهداً وكداً وعرقاً . ولعله كان يقصد المشقة التي كان يعانيها أثناء مرحلة الإعداد . ويتضح لنا أن هذه الرحلة يتم فيها تحديد المشكلة وفحصها من جميع نواحيها وتجمع المعلومات من الذاكرة ومن المطالعات وتهضم جيداً ويربط بعضها ببعض بصور مختلفة ثم يقوم المبدع بمحاولات للحل يستبعد بعضها ويستبقى البعض الآخر لكن يصعب الحل وتبقى المشكلة قائمة .
2 - مرحلة الاحتضان ( الكمون أو التحضير ) :
هي مرحلة ترتيب يتحرر فيها العقل من كثير من الشوائب و الأفكار التي لا صلة لها بالمشكلة ، وهى تتضمن هضماً عقلياً – شعورياً ولا شعورياً – وامتصاصاً لكل المعلومات والخبرات المكتسبة الملائمة التي تتعلق بالمشكلة. كما تتميز هذه المرحلة بالجهد الشديد الذي يبذله المتعلم المبدع في سبيل حل المشكلة . وترجع أهمية هذه المرحلة إلى أنها تعطى العقل فرصة للتخلص من الشوائب والأفكار الخطأ التي يمكن أن تعوق أو ربما تعطل الأجزاء الهامة فيها .وهذه المرحلة هي أيضاً مرحلة تريث وانتظار لا ينتبه فيها المبدع إلى المشكلة انتباهاً جدياً غير أنها ليست فترة جمود ولكنها فترة كمون فيها يتحرر العقل من كثير من الشوائب والمواد التي لا علاقة لها بالمشكلة وفيها تطفو الفكرة بين آن وآخر على سطح الشعور ويشعر المبدع شعوراً غامضاً بأنه يتقدم نحو غايته وفيها تنزع المشكلة التي استحوذت على الذهن إلى اقتناص الذكريات والأفكار والصور الذهنية التي بها الإبداع وقد تطول هذه المرحلة عند العلماء والفنانين لمدة سنين بل يعمد بعض المبدعين إلى استبعاد أفكارهم عن قصد بعد مرحلة الإعداد والقيام بعمل آخر أو ترويح آخر فهو في هذه الحالة يحتاج إلى وجهة نظر طازجة إلى المشكلة يتيحها الاستجمام وترك الموضوع دون الاستمرار بقلق في مسالك عقيمة .
3- مرحلة الإشراق (أو الإلهام ):
وتتضمن انبثاق شرارة الإبداع أي اللحظة التي تولد فيها الفكرة الجديدة التي تؤدى بدورها إلى حل المشكلة ولهذا تعتبر مرحلة العمل الدقيق والحاسم للعقل في عملية الإبداع وفى هذه المرحلة يثب الحل إلى الذهن ويتضح على حين فجأة لحناً كان أو رسماً أو كشفاً علمياً أو قصيدة ... كما يثب الاسم الذي يحاول الفرد تذكره بالإرادة أو مثل ذلك كمثل من ينظر إلى شيء بعيد غير واضح في الأفق فتارة يبدو له هذا الشيء بصورة أخرى وإذا به قد اتضح وتحددت معالمه على حين فجأة أو كمثل من ينظر في صورة من تلك الصور الملغوزة يحاول أن يكشف فيها عن رسم غزال مختبئ أو صياد متربص أو طائر على شجرة وكأن الإلهام ضرب من الاستبصار الفجائي أو الحدس . وبفضله تبرز الفكرة الجديدة أو الحل الجديد بغتة وعن طريقه تتكامل الأجزاء والعناصر في وحدة جديدة وفريدة وقد تكون الإلهام مصحوباً في بعض الأحيان بانفعال شديد .
4- مرحلة التحقيق (أو إعادة النظر ):
في هذه المرحلة يتعين على المتعلم المبدع أن يختبر الفكرة المبدعة ويعيد النظر فيها ليرى هل هي فكرة مكتملة ومفيدة أو تتطلب شيئاً من التهذيب والصقل وبعبارة أخرى هي مرحلة التجريب (الاختبار التجريبي) للفكرة الجديدة (المبدعة) .وقد يكون الإلهام الخطوة الأخيرة في التفكير الإبداعي أحياناً غير أنه في أغلب الأحيان يتعين على المبدع أن يختبر الفكرة المبدعة ويعيد النظر فيها ليرى هل ها فكرة صحيحة أو مفيدة أو تتطلب شيئاً من الصقل أو التهذيب ؟ الوقع أن كثيراً من المبدعين يجدون أن إبداعهم لا يولد مكتملاً بل يكون في حاجة إلى تعديل كبير وتحوير وتصويب وتكييف غير قليل وهذا ما يدل على أن الإلهام ليس آخر المطاف بل لابد أن تتلوه مرحلة مجهود آخر . ولاشك في أن هناك فارقاً كبيراً بقين الظفر بفكرة لصورة فنية أو لقصيدة أو لنظرية أو لاختراع وبين رسم هذه الصورة أو إخراج هذا الاختراع أو صوغ هذه النظرية والتحقق من صحتها وظاهر أن هذه المرحلة فئ التفكير الإبداعي شبيهة بالخطوة الأخيرة في الاستدلال مع ملاحظة أن خطوات الإبداع ليست خطوات الاستدلال والمنهج العلمي .