الذنب سم قاتل والتوبة دوائه والطاعة هي العافية

الحكم الربانية
طبوغرافي

في الحكمة الخامسة عشرة يطيب لي أن أقدم لكم هذا اللقاء من التراث، وليس جميع الحكم التي أقولها من كلام الشيخ بن عطاء الله السكندري وإنما أقتطف من جميع كلام الصالحين، فحكمة اليوم من كلام الإمام الجُنيد، يقول الإمام: "الذنب سُمّ قاتل، والتوبة دوائه، والطاعة هي العافية" هذا كلام مهم، سأحدثكم اليوم عن هذه المعاني الثلاثة ـ الذنب ـ التوبة ـ العافية ـ العلماء يسألون: أيهما أفضل؟ من أقام على طاعة ولم يغضب الملك كما قال سيدنا: "شاب نشأ في طاعة الله" من السبعة الذين يظلهم الله تعالى في ظله، أم أن الإنسان يخوض المعاصي وبعد هذا تحلوا له التوبة فيتوب، وتعظم عنده الرغبة.

 هذه المسألة انشغل بها الإمام القيم بن القيم  في كتابه "مدارج السالكين بين منزلة إياك نعبد وإياك نستعين"

الطاعة التى بدأ فيها الإنسان حياته مثلى أنا على سبيل المثال، لا أذكر وأنا صغير ولا زلت حتى الآن صغيرًا أنى اندرجت في أي معصية، أو تعمدت أن أقع في أي معصية، وُلدتُ في بيت مسلم، منذ صغرنا نصلي الفجر في جماعة، والبيت كله ذاكر لله عز وجل، البيت كله قرآن وأذكار وأدعية، البيت كله علم، وهكذا، هل هذا أفضل أم الدخول في أبواب المعاصى ثم بعد ذلك تأتى التوبة؟ الذي عليه أهل السنه والجماعة أن الذي اندرج في الطاعة، وسلك طريق الطاعة، وأحب الطاعة، أفضل من الذي أذنب ثم تاب، لماذا؟ لأن الطاعة كلها ثمرات، كلها طيبات، كلها خيرات، وكلها بياض للقلب، أما الذنوب كما يقول الشيخ أنها سم قاتل، فالذى شرب السم ثم يحاول ان يتخلص من فلا بد وأن يترك أثرًا عليه، الذنب سم قاتل، أيهما أفضل، الذي يتعاطى السم أم الذي لا يتعاطى؟ طبعا الذي لا يتعاطى، ولذلك جاء في الحديث الشريف: "من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليّ عبدى بشيئ أحب إليّ مما افترضته عليه" إذًا سلمكم الله تعالى وأحبكم، من منا يحب أن يتجرع الذنوب؟ من منا يحب أن يشرب من إناء فيه سم؟

 المعصية حتى وإن كانت صغيرة فهي سم قاتل، قد يستصغر الإنسان المعصية ويأتيها، وبعد ذلك يقول يا رب إني أتوب إليك، إني أرجع إليك ومن يغفر الذنوب إلا أنت، وإني صادق في توبتي، وصادق في أوبتى، هذا جيد ولكن كان الأفضل أن لا يُغضب الملك من الأساس، كان الأفضل أن لا يترك الشيطان يتغلب عليه، يأتي إليك فيجد مكتوبا على بابك "شاب نشأ في طاعة الله" يعني يا أيها الشيطان أنت وجنودك ليس لكم عليّ سلطان، لكن الذي وقع في المعاصي، وشرب السم كما يقول الشيخ الإمام معناه أنه أوشك أن يموت، لأن الذنب يترك صاحبه مترنحا بين الحياة والموت، لأن الذنب موت للقلب سلمكم الله تعالى، الذي تعود على الرشوة أو أكل الحرام فهذا سم قاتل، بعد سنة أو سنتين أو ثلاثة أصبح الأمر عاديا جدا، لا يفرق بين حرام وحلال، أصبح من لزوميات حياته أن يأخذ الرشوة، الذي درج على شرب الخمر، في البداية كان يشرب وهو خائف، ولكن الآن أصبح الخمر بالنسبة له بعد أن أدمنها مثل الماء، الذي تعود أن يفطر في نهار رمضان والناس كلهم صيام حتى الأطفال، في بادئ الأمر شكله العام يكون ليس كريما، لكن بعد ذلك يتعود فتجده يأكل أمام الناس ويدخن في الشارع، ويذهب إلى  مطاعم غير المسلمين لكى يأكل ويشرب، سلمكم الله لماذا؟ لأن الذنب سم قاتل سيطر على كل حياته، فحولها إلى موت بالمعصية.

قال الملك: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} يعني شخص يضرب أمه لكي يرضي زوجته أو يمتثل لأمر الزوجة وهو لا يعتقد أنه على باطل ويعتقد أنه على صواب سلمك الله، بعض الفرق التي يمكن أن توصف بأنها متأسلمة، يقول أحدهم أن قتل المسلم على غير مذهبه الذي يدين به يتقرب به إلى الله، سم قاتل سلمك الله تعالى وأحبك وأعزك.

الذنب سم قاتل والتوبة دواءه وترياقه، والطاعة هي العافية هل يكفي لك أن تتوب؟ ليست التوبة وحدها تكفى، بل لا بد من المداومة على عمل الخيرات، فلا بد للتوبة من توبة، النبى صلى الله عليه وسلم يقول: "توبوا إلى الله واستغفروه فإنى أستغفر الله في اليوم مائة مرة" وفى رواية أخرى: "توبوا إلى واستغفره فإنى أستغفر الله في اليوم الواحد أكثر من سبعين مرة" فلا بد من التخلص من سُمّ المعصية ومن شؤم المعصية، ومن ذل المعصية، فالتوبة لا تكون مجرد قول باللسان فقط، بل هى إصرار على عدم العودة إلى المعاصى أبدا.

واستكمال التوبة أن تسأل الله أن يعافيك من الذنوب، وأن يعافيك من المعاصي، وأن يعافيك من الرفقة السيئة، وأن يعافيك من نفسك الأمّارة بالسوء، وأن يعافيك من الشياطين، كل هذه عافية، الذنب سم قاتل والتوبة دواءه وترياقه، والطاعة هي العافية، الطاعة التي يحبها الإنسان كما قال عُمير بن وهب كما حدثتك في معية الحبيب صلى الله عليه وسلم يقول عمير بن وهب: "فلما أسلمت بايعت النبي صلى الله عليه وسلم أنني لا أدع مكانًا أي لا أترك مكانًا أغضبت الله تعالى فيه وعصيت الله تعالى فيه إلا وأذهب إلى هذا المكان وأفعل فيه طاعة أو حسنة" الله أكبر، هذه هى العافية من الذي دلك على الشيطان؟ من الذي علمك التدخين والزنا والعادة السرية ومشاهدة الأفلام الإباحية؟ من علمك؟ فلان..  إذًا عندما تتوب احذر منه ولا تخالطه بعد ذلك، هذا الذي جرعك السم، غير هذا الصديق، إذا أردت أن تتوب فتمسك بالعافية، والعافية هنا تكمن في صحبة الأخيار من الناس.

 ادع الله عز وجل أن يرزقك حبهخ جل وعلا، قال النب صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك  وحب عمل صالح يقربني إلى حبك"

 إذا نظرت إلى المصحف أتي لك بالعافية، بعافية القلب وعافية العينين وعافية الروح وعافية الهمة والعزيمة، وإذا نظرت إلى ما يغضب الله تعالى تجرعت سما قاتلا، أخرج السم بسرعة، معنى ذلك: سارع بالتوبة للتخلص من هذا السم الخطير الذى إن تمكن منك فلن تستطيع التخلص من بسهولة، وإن تخلصت منه فسيترك أثرًا لا محالة لأنك تركته ينهش في إيمانك فترة طويلة.

لكي ترجع لابد من التخلص من السم، من المعصية ومن أسبابها  والتخلص ممن دلّوك على المعصية، المرأة معذرة التى التفتت إلى غير زوجها وأعجبت بواحد من الناس معذرة سلمك الله وأحبك وبعد ذلك تابت لابد وأن تقطع كل ما له صله بهذا الرجل تماما وتندم على كل لحظة عصت الله تبارك وتعالى فيها مع هذا الرجل أو غيره سلمكم الله، ولا تصح لها التوبة إلا بهذا، لأن القلب عندما يلتفت إلى  الحرام فمعنى هذا أن القلب ضعف إيمانه، الطاقة الإيمانية أصبحت ضعيفة، كان يصلي ويحب الصلاة والآن أصبح يتهاون في الصلوات ولا يؤديها على أوقاتها الصحيحة، لماذا؟ لأن الطاقة الإيمانية لم تجد ما يقويها، لم تأخذ شحناتها بشكل مستمر، فبدأ الإيمان يضعف.

كانت حكمة اليوم مؤثرة لأنها عرفتنا أن الذنوب ليست أمرًا عاديًّا ل، فالذنب سم قاتل والتوبة دواءه وترياقه، والطاعة هي العافية.

 اللهم عافنا وإياكم من الذنوب والمعاصي، وأبعد عنا السم القاتل وحبب إلينا التوبة الصادقة التي هي الدواء والترياق، وارزقنا الطاعة والثبات على الطاعة، فإن الطاعة هي العافية، اللهم عافنا من الناس، وعافنا من الشياطين، وعافنا من النفس الأمارة بالسوء، وعافنا من الضعف، وعافنا من الكسل، وعافنا من الهم، وعافنا من الجبن، وعافنا من التعلق بغير الله تعالى.

{إِنَّ الّلهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلٌّونَ عَلَى النَّبِىِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْ وَسَلِّمُا تَسْلِيمًا} .

{يُؤْتِى الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءٌ}

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ