الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الإسلامى
قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه أبو أمامة ((صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب)) [رواه الطبراني في معجمه الكبير (8014)، وقال الهيثمي: إسناده حسن : 3/115].
كان الصالحون السابقون أسرع الناس في صناعة المعروف وبذله، ومن ذلك ما ذكر من صنيع أبي بكر الصديق حين ولي الخلافة ، فكان في كل يوم يأتي بيتاً في عوالي المدينة، تسكنه عجوز عمياء، فينضج لها طعامها، ويكنس لها بيتها، وهي لا تعلم من هو، فكان يستبق وعمر بن الـخطاب إلى خدمتها.[أُسد الغابة 3/327].
ولما ولي عمر الخلافة خرج يتحسس أخبار المسلمين، فوجد أرملة وأيتامًا عندها يبكون، يتضاغون من الجوع، فلم يلبث أن غدا إلى بيت مال المسلمين؛ فحمل وقر طعام على ظهره، وانطلق؛ فأنضج لهم طعامهم، فما زال بهم حتى أكلوا وضحكوا [الرياض النضرة1/385].
ومن صناعة المعروف أيضًا ما ذكر عن علي زين العابدين، فقد كان أناس من أهل المدينة لا يدرون من أين معايشهم، فلما مات فقدوا ذلك الذي كانوا يؤتون بالليل، ولما غسلوه رحمه الله وجدوا بظهره أثرًا مما كان ينقله بالليل إلى بيوت الأرامل [سير أعلام النبلاء4/393].
وهذا عبد الله بن المبارك كان ينفق من ماله على الفقهاء، وكان من أراد الحج من أهل مرو إنما يحج من نفقة ابن المبارك، كما كان يؤدي عن المديون دينه، ويشترط على الدائن أن لا يخبر مدينه باسمه. [سير أعلام النبلاء8/386].
ولقد كان الأنبياء أكثر الناس حرصًا على صناعة المعروف, وكذا كان نبينا صلى الله عليه وسلم، قيل لعائشة: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي, وهو قاعد؟ قالت: (نعم بعد ما حطمه الناس) أي: بكثرة حوائجهم. [مسلم 732].
ومن صور صناعته للمعروف صلى الله عليه وسلم ما جاء عن عبد الله بن جعفر، قال: فدخل صلى الله عليه وسلم حائطًا لرجل من الأنصار فإذا جمل، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حنَّ وذرفت عيناه، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم؛ فمسح ذفراه، فسكت؛ فقال: ((من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار، فقال: لي يا رسول الله؛ فقال: أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟ فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه)) [أبو داود : 2549].
ومنه أيضاً شفاعته لمغيث عند زوجته السابقة بريرة، كما روي عن ابن عباس رضي الله عنه، وفيه أن زوج بريرة كان عبدًا، يقال له مغيث، كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي، ودموعه تسيل على لحيته؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعباس: ((يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة، ومن بغض بريرة مغيثاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو راجعتِه قالت: يا رسول الله تأمرني؟ قال: إنما أنا أشفع. قالت: لا حاجة لي فيه)).[البخاري ح5283].
وإبراهيم الخليل عليه السلام، بلغ هذه المنزلة بصناعته للمعروف، فقد روى البيهقي في الشعب بسنده إلى عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((يا جبريل لِم اتخذ الله إبراهيم خليلاً؟ قال لإطعامه الطعام يا محمد))[الدر المنثور 2/706].
وهذا موسى عليه السلام {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}[القصص:23-24].
وقال الله على لسان عيسى {وجعلني مباركاً أينما كنت}[مريم:31] روى أبو نعيم وغيره بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في تفسيره للآية: ((جعلني نفاعاً للناس أين اتجهت)) [الدر المنثور5/509].