الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الإسلامى
القرآن الكريم كله خير، وصفات الله تعالى كلها خير، ويكفي أنها صفات الله جل في علاه، وليس بعد هذا شيء، وهي أسماء الله، وليس بعد هذا كرم، ولا مَكْرُمة، ولا ميزة، ورغم هذا إن تأملت جليا، فـإنك ترى خيرية في بعض آيات القرآن وسوره، الحديقة يا سادة كلها جميلة، لكن هناك داخل الحديقة، غصون يافعة يانعة، لا يصل إليها ولا يرتقي مرتقاها، إلا من شربوا من كأس حب الملك، فـقربهم إليه، وأدناهم إليه، وأعطاهم ما لم يعط غيرهم: {وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً}.
ولا ينبغي أن تسأل عن العلة، الله يختار ما يشاء، ويفعل ما يشاء، {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}، التفضيل هذا في بعض سور القرآن الكريم، وإن كانت الخيرية ثابتة في كل ما قاله الله عز وجل، ألا يكفي أنه كلام الله: {وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا }، كما تتفاضل بعض آيات القرآن الكريم، تتفاضل آية الكرسي على غيرها، وخواتيم سورة البقرة على غيرها، وخواتيم سورة الحشر على غيرها، إلى غير ذلك، مما ثبت من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الخيرية أساسها ومصدرها عند الله سبحانه وتعالى، لكن الخيرية ثابتة، الخيرية التي بها زيادة، وفيها تفاضل موجودة وراسخة في أفهامنا، ولابد أن نعلمها، وأن نعيها بـقلوبنا، فما فضلت الفاتحة بـأنها أم الكتاب إلا لأسرار كثيرة، سـنقول ونجول فيها، لكن منتهاها عند الله سبحانه وتعالى.
خصوصية الأسماء الحسنى.
كل اسم له خصوصية، وكل اسم للعبد منه حظ، فـإذا لم تظفر بـحظك من كل اسم، فقد فات منك خير كبير، وهذا مجال طيب، ودروس طيبة ونافعة، {اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيْثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُوْدُ الَّذِيْنَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِيْنُ جُلُوْدُهُمْ وَقُلُوْبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِيْ بِهِ مَنْ يَشَاءُ} أي أن آيات القرآن الكريم تأخذك في النهاية إلى ذكر الله، ولكن الذي يقشعر بدنه، وهو يقرأ آيات الطلاق في سورة البقرة، أو سورة الطلاق في القرآن الكريم، ويقشعر معها بدنه، معنى هذا أنه وصل إلى حالة إيمانية عالية، خلاف من يقرأ سورة الرحمن، لا بد أن يتأثر معها قلبه، خلاف من يقرأ سورة القيامة، لابد أن يتعايش معها فؤاده.. وهكذا.
الله تعالى فضل بعض الأسماء على بعض، الأسماء الحسنى، وفي داخل الاسم الأعظم، رصدنا أحد عشر اسما لله تعالى هي الاسم الأعظم، يتفاضل بعضها على بعض، وهي الثابتة في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، ورصدناها بالتحليل في الدروس السابقة بفضل الله سبحانه وتعالى.
ذو الجلال والإكرام - على سبيل المثال - يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {أَلِظُّوا بِيَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}، عندما يقول النبي ألظوا بها أي رددوها كثيرا، معنى هذا، أن لها أفضلية على غيرها، كما يقول الإمام الشوكاني معنى ألظوا بها في تحفة الذاكرين، أن النبي صلى الله عليه وسلم يريد منا أن نتعلم الأسماء الحسنى، وأن نتعلم الاسم الأعظم، وأن نتعلق بالاسم الأعظم، وهذا الكتاب - للعلم – (تحفة الذاكرين) للإمام الشوكاني، من أمتع ما قرأت في حياتي، لأنني أحب الذكر، وتربيت في بيئة إيمانية، وكل ما يشدني إلى ذكر الله فإنني به أنتعش، وبه أتفاعل، وأتفائل.
فضل الله تعالى الحي القيوم على كثير من الأسماء، وهذا أمر لا يقلل من قيمة باقي الأسماء، فلكل اسم عظمته ومثاقيله الخيرية، التي لا يستشعرها إلا من كان له عند الله تعالى حاجة، إذا دعاه بـالاسم الأعظم أجابه الملك، لماذا؟ لأن معنى الاسم استقر في قلبه.
لأجل هذا، سترى اسما له أفضلية السبق على جميع الأسماء، بعد اسم الله، أخذنا اسم الله، أخذنا يا ذا الجلال والإكرام، أخذنا يا رحمن يا رحيم، أخذنا يا حي يا قيوم، وكُلها اسم أعظم، تأتي عند الحنان المنان، لم يَرد الحنّان في الاسم الأعظم في حديث النبي، إنما ورد المنان، لأن كلمة المنان في عطاءها، ما منَّ إلا لأنه حنان، ما منّ على الكافر بـرزقه وهو كافر، إلا لأنه حنان، ما منّ على العاصي بـتوبته، إلا لأنه حنان، فجمع النبيُ صلى الله عليه وسلم الاسمين معا، الحنان المنان، جمعهما في اسم المنان.
المنان اسم كبير عظيم من الأسماء العظمى لأن كل ما في الكون هو منّ من الله تعالى عليك، حتى النبي صلى الله عليه وسلم، لقد منّ الله تعالى عليه، قال تعالى: { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهُ أرحم بعباده من هذه بولدها))، لأنه حنان، ومنّ سبحانه وتعالى على عباده، ثم تحنن عليهم في الدنيا، والآخرة.
لأجل هذا، فإن أعظم مِنّة من الله عز وجل، للعالم كله، هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي إطار التفاضل الذي أتحدث عنه الآن، فـإنني أقول: الاسم الأعظم هو إحساس المحب بما أراده الحبيب، إحساس الحاجة الذي دائما ما أتكلم عنه.
لفظ الجلالة "الله".
كلمة "الله" لها خصوصية تفرّد، لفظ الجلال، استشعار الجلال بكلمة "الله"، لأجل هذا يعلمك النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء بـ "الله" في كل النوائب، يعلمك أن تقول: الله ربي.
كلما غبت عن حالك الذي أنت عليه، وخالفت العهد الذي بينك وبين سيدك، فإذا عدت له قلت له سبحانك، إذا أفقت من غفوتك وبث الشيطان في روعك أن الله تعالى لن ينصرك، ونصرك الله تعالى، رغم أنف الشيطان، فلما أفقت من ساقية الدنيا، ودوران الغفلات، وعدت إلى رب الأرض والسموات، وأدركت أنك عبد بين يديه، وقلت سبحانك، فلما أفاق من حالة كان فيها، إلى حالة أخرى ارتقى إليها وعلم قدره، ومقامه، قال سبحانك.
القرآن الكريم يدلك على هذه المعاني، كي تحيا بها في حياتك، كي تستقيم بها حياتك، ما جعل الله تعالى هذه الأسماء الحسنى وما جعل اسمه الأعظم، إلا مفاتيح فرج، "لا إله إلا الله العظيم الحليم" فرج، "لا إله إلا الله رب العرش الكريم" فرج، "لا إله إلا الله رب السموات، ورب الأرض، ورب العرش العظيم"