اللهم ارزقنا وإياكم صدق الخاشعين، وخشوع المتقين، وتقوى المخلصين، وإيمان المخلصين، اللهم خلّصنا من الأغيار، وارزقنا الأنوار والأسرار، واجعلنا في معية النبي المختار صلى الله عليك يا حبيب الله، اللهم صل وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد الذي اصطفاه ربه، واجتباه ربه، وجمله ربه، ورفعه ربه ونوره ربه، صلاة وسلامًا يليقان بمقام المصطفى عند ربه العلي، عدد ما أحاط به علمك، وجرى به قلمك، وأحصاه كتابك، وعلى آله وصحبه الطيبين.
عشنا إخواني وأخواتي وأحبابي في الله في معية الحبيب صلى الله عليه وسلم في الدرس السابق مع المخلصين، وما أجمل أن تكون واحدًا ممن تعلموا في هذه المدرسة المحمدية الجميلة التي تخرج فيها أصحابه صلى الله عليه وسلم.
النماذج التي قصصتها عليك في الدرس الماضي زلزلت قلوب المتابعين، وأحيت فينا الآمال أن هذه الأمة ما زالت عريقة في الخيرية ( ما دام قائدها هو الرسول صلى الله عليه وسلم ) إذا كنا قد عشنا مع المخلصين فى الدرس الماضى فنحن في هذه الليلة بمشيئة الله تعالى نبحث عن أنفسنا بين هؤلاء المخلصين، الذين داروا في فلك سيدنا صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه الكرام، مع الدرس الثالث أعود إليك أحمل في قلبي حبًّا كبيرًا لهذا النبي العظيم الذي نتزلزل بحبه، ونرتوي بالشوق إليه.
فى الدرس الثالث أبحث معك عن قلبي وقلبك كما تعودنا، فى الدرس الثالث نكتشف أنفسنا من جديد، وأيكم زيد الليلة؟ سأفاجؤك مفاجئات سارة تنعش عندك الآمال، وتقوي عندك الهمم، وتجعلك تحلق معي في الملأ الأعلى.
المخلصون نوعية فريدة من البشر استخلصهم الله تعالى لرسالة لا يؤديها غيرهم - اكتب هذا عندك في ذاكرة فؤادك – "لا يؤديها غيرهم" فهم الذين اصطفاهم الله تعالى لهذه الرسالة، إذًا المخلص الذي حدثتك عنه اللقاء الماضي مع المخلصين ـ هم الذين جاهدوا في مرتبة الإخلاص - ظل يجاهد، ويجاهد حتى كُتب عند الله تعالى من المخلصين، وأما النوعية الفريدة المتميزة أخي الكريم، وأختي الكريمة حفظكم ربي التي أتحدث عنها الليلة فتلك نوعية اصطفاها الله تعالى من سابق الأزل قبل أن يخلق هذا الكون على الأقل بخمسين ألف سنة، فسطرهم عنده في الملأ الأعلى فهم صفوة الصفوة الذين قدمهم الله عز وجل على الناس واصطفاهم في الأساس، في أساس الكون.
النوعية التى أتحدث عنها الليلة نوعيه فريدة نوعية متميزة، أكانت من الأنبياء الكبار العظام الذين أثبتوا للناس أجمعين أن التوحيد سهل، وأن التوحيد ميسر،
وأن الله تعالى هيأ القلوب، والآذان والأذهان والأسماع، وكل شيء لتوحيد الله عزّ وجلّ، وهيأ الكون لكي يوحد الله، هذه رساله لا يؤديها إلا هؤلاء، وثبتوا حتى آتاهم الله تعالى اليقين، بعد تبليغ هذه الرسالة العظيمة.
{إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} ثبات يوسف عليه السلام هو الذي جعل الملك يثني عليه، ليس لأنه مخلص في مرتبة المجاهدة، ولكن في مرتبة الاصطفاء هنا معناه أن الله عز وجل يقوي الإنسان بإرادة إلهية لكي ينجح، لابد أن تنجح يا يوسف، لماذا؟ إنه من عبادنا المخلصين، لابد أن تنتصر على امرأة العزيز يا يوسف، لماذا؟ إنه من عبادنا المخلصين، لابد أن تؤدي رسالتك في السجن، وتقنع هؤلاء الكفار بالإيمان بالله، لأنك من عبادنا المخلصين.
لن أسألك الليلة، ولن أقول لك: وأيكم يوسف؟ لأنك ستقول أنّ يوسف عليه السلام اصطفاه الله عز وجل بسابق الرسالة، ولكن حُقّ لي أن أسألك، وأيكم على أخلاق يوسف؟ الله أكبر، وأيكم على أخلاق يوسف؟ هذا موضوع جميل من الموضوعات القلبية العظيمة التي أُحبّها، وأحبُّ أن أتحدّث عنها كثيرًا، وأيكم على ثبات قلب يوسف عليه السلام؟ وأيكم على قوة إيمان يوسف؟
المسألة الأولى في درس الليلة، أن الاصطفاء يتحول من كونه مجاهدة إلى تكليف ـ تكليف بالرسالة ـ إني جاعلك للناس إمامًا ـ هذه مرتبة اصطفائية لسيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، قرار يقوله الملك، ويصدّق إبراهيم والكون كله بما قاله الله عزّ وجلّ فيكون إبراهيم عليه الصلاة والسلام إمامًا للدنيا كلها اصطفاءً، ويجعل الله تعالى القلوب المؤمنة الموحدة تهتدي مع إبراهيم عليه السلام، حتى يكون إبراهيم أمة ومدرسة في التبليغ، ومدرسه في الإيمان، ومدرسه في الثبات، ومدرسه في كل شيئ جميل.
لن أسألك ولن أقول لك وأيكم إبراهيم عليه السلام؟ هذه مسألة صعبه، ولكنني سأسألك كما سألتك قبل عشرين سنة في برنامج لقاء الإيمان، وأيكم على قلب إبراهيم الخليل؟
من الذي قلبه خليلي نقي، وطاهر ونظيف، وخالص، ومستخلص لله رب العالمين.
أيّكم على هذه الشاكلة؟ هذه الأسئلة التي أفاجئك بها الليلة كما فاجأتك في الدرسين الأول، والثاني، هي التي أردتها بمعية الحبيب صلى الله عليه وسلم، إنني أكتشف نفسي من جديد حيث أجدني صغيرًا بجوار هؤلاء، وحُقّ لي أن أكون صغيرًا، وحُقّ لكل مسلم أن يضع نفسه في مكانها ونصابها الطبيعي، أن يقول تمنيت أن أكون ذرة تراب من التي يمشي عليها هؤلاء الذين اصطفاهم الملك.
لازالت هذه الآية الكريمة تزلزلني { إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلِصِينَ}
ثم إني سأسألك سؤالًا آخر، لن أقول لك: وأيكم موسى عليه السلام؟ هذه مرتبة صعبة
ولكني سأسألكم: أيّكم في قوة إيمان موسى عليه السلام؟ الله أكبر، قال له الملك: {قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ}
اصطفاء يعنى موسى عليه السلام ينطبق عليه أنه مخلص، استخلصه الله تعالى، مخلص في العمل، {واذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً}
معاني يا أحبابي تزلزل الجبال الشامخة، ما أجمل كلامك يا رب العالمين، إن الله تعالى ذكر الصفة الاصطفائية لموسى عليه السلام الكليم قبل أن يذكر أنه رسولًا نبيًّا، وذلك إبراز لقيمة الاصطفاء، والاجتباء، والمجاهدة التي أبحث عنها في درس الليلة، واذكر في الكتاب موسى ـ الكتاب يعني في اللوح المحفوظ، في الملأ الأعلى فيما سطره الملك، لا يضلّ ربي ولا ينسى، مكتوب في صفة موسى عليه السلام.
كل واحد منا له صفة عند الله عز وجل، مكتوب بجوار اسمه الصفة التي هو عليها اليوم، هذه الصفة أيها الأحباب، ليست ثابتة، أنت اليوم مخلص صادق ملتزم مستقيم، هذه صفاتك التى سطرتها بعملك مكتوبه عند الله عز وجل، لكنك إذا جئت غدًا أو بعد غد، وعملت شيئًا بخلاف ما أنت عليه الآن تتبدل صفتك، تتبدل الأسماء والصفات تمامًا، كنت صادقًا لكنك فعلت بخلاف هذا فصرت كاذبًا بعد أن كنت صادقًا. الاصطفاء تثبيت للصفة، احذر أن تعود إلى الخلف، احذر أن تتبدل صفتك في الملأ الأعلى: {بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ}
عندما يموت العبد فإن الصفات التي مات عليها ترفعه بها الملائكة، يا رب هذه صحيفة عبدك فلان، كان وكان وكان وكان، التوصيف الإيماني لك هو الذي يجعلك في المكانة التي تمنيت أن يختم بها عملك حتى قال الملك في وصف بعض الأنبياء: { إنه لمن المصطفَين الأخيار} الله أكبر، المصطفين الذين اصطفاهم الله عز وجل للرسالة، ونجحوا في الرسالة.
في معية الحبيب في جامعة الحب، في جامعة الإخلاص التي أحدثك عنها الليلة المصطفين الأخيار الذين اصطفاهم الله تعالى لأداء رسالة معينة، ونجحوا في هذه الرسالة.
الله أكبر، فلمّا نجحوا في هذه الرسالة ثبتهم الله تعالى عليها، فصارت صفتهم منطبقة على أفعالهم، يوسف أيها الصديق، مثلا صارت صفته الصديقية، على خلفية أن الله تعالى اصطفاه وأجلسه في مكان، ورتب له مهامًّا معينةً فأداها كما ينبغي، ويخرج يوسف عليه السلام، ويأتي أيوب فيجلس مكانه، يحدثنا أيوب أن الله تعالى اصطفاه لكي يكون أستاذا في الصبر، هل نجحت يا أيوب عليك السلام؟ نرى ماذا قال الملك، وحق له أن يكون الملك: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا} الله أكبر اصطفاه ربه لمهمة، وأجلسه في مكان في بلد أو في مدينه لأداء هذه المهمة، وتركه يؤدي المهمة وأدخله في اختبارات تمحيص وتمحيص، ماذا فعلت؟ فرد عنه الملك { إنا وجدناه صابرًا هذا هو الاصطفاء ـ الاصطفاء للمهمة، الاصطفاء لأداء رسالة معينة { إنا وجدناه}، وجدناه صابرًا متى يقال عنك أخي الكريم، وأختي الكريمة إنا وجدناه صابرًا؟ عنك أنت، وليس عن أيوب عليه السلام، متى يقال عنك في صحيفتك يوم القيامة نعم العبد إنه أواب؟ متى تكون مثل أيوب؟ الاصطفاء هنا في الرسالة، والإنسان يكلف بهذه الرسالة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه الكرام .
درسنا الليلة فيه زلزلة من جانب ظاهر وجانب باطن، أما الجانب الظاهر فإن كل إنسان يؤدي رسالة، ويخدم الناس، وينفع الناس، ويجاهد في هذه الحياة، فإن الله تعالى هو الذي اصطفاك له، لا تقل لي: إن هؤلاء المصطفَين الأخيار لهم اصطفائية خاصّة عند الله تعالى، فأين أنا منهم؟ أنت جالس في هذا المكان حتى إذا كنت تؤدي عملًا صغيرًا، فإن الله عز وجل قد اصطفاك لهذا العمل، فلابد وأن تكون فيه مخلصًا، أنت تؤدى رسالة في هذا المكان والله تعالى قد أختارك لكي تحرس هذا المكان أو تقضي حاجات الناس في هذا المكان، فلابد أن يقال عنك كما قال الملك عن أيوب: {إنا وجدناه صابرًا} يقال عنك إنا وجدناه ثابتًا، إنا وجدناه مؤمنًا، إنا وجدناه مستقيمًا، هذه هى صفات أهل الصفوة التي أبحث عنها في درس الليلة.
وأما الجانب الخفيُّ فإنّ كل مسلم على وجه الأرض مكلف: { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} أنت من خير أمة أخرجت للناس ونبيك سيدهم:
وكلهم من رسول الله ملتمس *** غرفا من البحر أو رشفا من الديم
أنت إذًا دخلت في الخيرية، أمة كلها خير ما موقعك في هذه الأمة؟ هذا الذي أبحث عنه الليلة.
لا أحب أن يعدّك العداد أو أن يذكرك الذاكرون، ولكن لابد وأن تقدم بصمة لك في هذه الحياة هؤلاء هم المخلصون فعلًا، وهم أصحاب البصمات الذين إذا غابوا افتقدوا، عندما تغيب عن حياة الناس بأن تكون مريضًا أو مسافرًا، أو جاءك اليقين يعني الموت يقال فلان كان هنا كان يفعل وكان يفعل، فلان هذا أثّر في هذا المكان علم في هذا المكان على حد قول الشاعر
الذي تذكر مجده وتاريخه العريق وذكرياته مع قومه فجلس متذكرًا المجد الذي كان يعيشه وتحسر على الناس بعد أن يموت لأنه كان علامة ظاهرة في مصابيح الزمان، قال الشاعر:
سيذكرني قومي إذا جد جدهم*** وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
إخواني وأخواتي هيا بنا ندخل معية الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه الكرام.
بعد هذه المقدمة المطولة التي فرقت فيها بين المخلِصين والمخلَصين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما بين مخلِص ومخلَص يعني مخلص بضم الميم برسالة معينة ومخلص بمهام معينة.
وددت أن أكون واحدًا من هؤلاء الذين ذكر الله عز وجل أسمائهم في الملأ الأعلى، تخيل أن واحدًا من الصحابة يذكره الملك ويسميه الملك باسمه يقول فلان بن فلان، يسميه الملك باسمه، هذه اصطفائية عالية لكن لابد وأن تسأل، ماذا كان يعمل هذا الرجل؟ ولماذا لا أكون مثله؟ جاء في الصحيح أن أُبَيّ بن كعب، ولن أقول لك وأيكم أبي؟ لأن هذه القمم الشامخة كان لها نور من الله سبحانه وتعالى، وأرجو لكل واحد منكم أن يكون له نور، اللهم اجعلنا وإياكم من أهل النور، ومن أهل البصيرة: {يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} النور هذا كان ساطعًا عند أُبي بن كعب رضي الله تعالى عنه، تمنيت أن أحدثكم ذات مساء عن قصة أبي وعن تاريخه المزلزل لأنه من صفوة المخلَصين، بعد أن نجح في مرتبة المخلِصين نجح في مرتبة المخلَصين ـ نجح أبي في المخلِصين بكسر اللام فارتقى إلى المخلَصين بفتح اللام ـ الله أكبر ـ دعني أسألك وأيكم أبي وأينا أبي؟
الجملة التى قلتها الآن هي الدرس كله، هي الساعة التي أحدثك فيها الذى ينجح منا في مدرسة المخلِصين سيرى نفسه ارتقى إلى مرتبة المخلَصين بفتح اللام مباشرة الذين استخلصهم الله عز وجل له بعد أن صفّاهم ونقّاهم وطهرهم ونور قلوبهم بأنواره وأسراره.
النبى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه يأتي أبيًّا ذات ليلة ويطرق عليه بابه، ويقول له: "يا أُبيّ إن الله تعالى أمرني أن أقرأ عليك سورة البينة" فنظر أُبيّ إلى وجه النبى صلوات ربي وسلامه عليه، حبيب الله هؤلاء تلاميذك بأبي أنت وأمي، هؤلاء أصحابك الذين ملئوا الدنيا نورًا، يكفي أنهم شاهدوك، يكفي أنهم جلسوا بجوارك، يكفي أنهم استمتعوا بمتابعة أعمالك، وسعدوا بالتأمل فى وجهك المستنير يا حبيب الله، ولما لا يرتقي أبيّ؟ ولما لا يرتفع أبيّ وهم يعاينون النبي صلوات ربي وسلامه عليه وهو في كل يوم يزداد نورًا مع نور، مع إشراقات الوحي تنساب أسارير النور على وجه صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وصاحب الشفاعة العظمى، هنيئا لك يا أبيّ، وهنيئا لمن هُم على شاكلتك من هؤلاء الذين أحبوا كتاب الله عز وجل، والذين أحبوا قيام الليل.
قلت لك في الدرس الأول هؤلاء المحبون لهم أحوال خاصة، لكن المكافآت سخية، نحن الليلة نقدم لكم جانبًا من سخاء العطاء الرباني: {عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}هؤلاء هم المصطفين الأخيار، وهذه أخلاقهم.
لازلت أيها الأحباب ضيفًا على أبي بن كعب الذي أتاه النبى صلى الله عليه وسلم يطرق بابه، فتعجب أبي أن يأتي إليه النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه وقال له إنّ الله تعالى أمرني أن أقرأ عليك سورة البينة، فقال أبي أوذكرني الملك؟ يعني: الله الكبير الملك وحق له أن يكون الملك قال يا محمد اذهب واقرأ سورة البينة على أبيّ؟ ونزل الوحي باسمي يا رسول الله؟ قال له النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، فبكى أبيّ، إنه أعظم بكاء في التاريخ.
أنا كتبت عن هذا ذات مرة وتجرّأت على هؤلاء الأحباب ودخلت إلى حياتهم دخول المحب واشتياق الملهوف إليهم، فقلت وددت أن أكون شعرة في صدر أبي بن كعب الذي ذكر الملك اسمه في الملأ الأعلى، الله أكبر هذا نوع إخواني وأخواتي من الذين عاشوا في كنف سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام، ودخلوا معه في دائرة جميلة جدًّا وهى دائرة الارتقاء.
درس الليلة يدخل ضمن دروس الارتقاء بالعبادة، الارتقاء بالقلب، إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه تعلم منه أصحابه الكرام أن المسلم لا يرضى بحاله في العبادة، وهذه مسألة مهمة جدًّا في مرتبة هؤلاء المخلصين، ليس هناك مخلص من أهل الصفوة راضيًا عن حاله مطلقًا، يرى نفسه دائمًا أن عمله في نقصان.
سترى سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام بأبي أنت وأمي يا حبيب الله يقوم الليل كاملًا حتّى تتورم قدماه، في الأساس أنه مصطفى ولكنه لم يركن إلى كونه المصطفى الذي اصطفاه الله تعالى ووعده أن يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، كما جاء في صدر سورة الفتح، ورغم ذلك فإن النبي صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه الكرام لا يرتضي بهذا، يريد أن يزيد، يريد أن يزداد فيقوم الليل كله حتى تتورم قدماه، ولسان حاله عندما يُسأل: "أفلا أكون عبدًا شكورًا" بأبي أنت وأمي يا رسول الله.
هذه أخلاق هؤلاء الناس الذين أحدثك عنهم الليلة، المصطفين، هؤلاء الذين عاشوا في معية الحبيب صلى الله عليه وسلم، والذين تعلقوا بهدي الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه، ربما كانوا قلة في الاصطفاء من الله سبحانه عز وجل، ولكنهم كثرة بأفعالهم الدالة على حبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا} من الذي اصطفى صاحبه إلا الله عز وجل؟ الاصطفاء أن الله تعالى اختار الصديق رضي الله تعالى عنه وأرضاه ليكون سندًا مع النبى صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه الكرام في رحلة الهجرة، انظر إلى هذه الحالة، إنه يؤدي الرسالة على خير وجه، ويخرج مع سيدنا محبًّا له صلوات ربي وسلامه عليه، هذا اصطفاء جميل، اصطفاء الحب فبقى الصديق على هذه الحالة يؤدي الرسالة التي كان عنوانها إلى أن لقي ربه العظيم ((لا تحزن إن الله معنا ))
إن الله معنا عنوان لمدرسة كبيرة ـ مدرسة الذين ثبتهم الله عز وجل بالإيمان، إن الله معنا، الدنيا تجتمع ضدَّك ويقف الناس أمامك، لا ترجع إلى الخلف، تقدّم وقل إن الله معنا إن الله معنا {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا} اصطفاء لهؤلاء السبعين الذين خرجوا مع سيدنا موسى عليه السلام، ولكن لم يكونوا على قلب سيدنا موسى عليه السلام، ولا على ثبات سيدنا موسى عليه السلام، ففشلوا في هذه المهمة، ولم يؤدّوها كما أدّاها سيدنا موسى عليه السلام لاختلاف القلوب، هؤلاء الذين عاشوا مع سيدنا صلى الله عليه وسلم ونظروا إليه، ونقلوا علمه إلى الناس، اصطفاهم الله عز وجل لخدمة هذا الدين، وكل مسلم يؤدي خدمة لهذا الدين أكان يعتلي منبرًا، أو يؤدي رساله أو يصلح بين الناس أو يقيم شرع الله تعالى في بيته وبين أولاده، أو يعلّم أولاده القرآن فهو من الذين اصطفاهم الله عزّ وجلّ، ومن الذين يباهي الله تعالى بهم ملائكته.
في ذاكرتي أيها الأحباب معين كبير، هذا السلسال من النور الذي خرج من النبى صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه الكرام، فتأثّرت به الدنيا كلّها، ولكنني دائمًا عندما أقف أمام هؤلاء المحبين فإن قلبي يخشع عند ذكرهم، فهم الذين حمّلهم الله تعالى هذه الرسالة، وهم الذين أطلق الله تعالى بهم الناس، وأصلح الله تعالى بهم الناس، لأن الله تعالى اصطفاهم لمهمة معينة.
معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه واحد من هؤلاء الذين اصطفاهم الله تعالى في معية الحبيب صلى الله عليه وسلم، لكي يقول عنه النبي صلى الله عليه وسلم إنه أمة، معاذ أمة في العلم، أمة في تبليغ الرسالة، معاذ عالم هذه الأمة، وأيكم معاذ؟ يستطيع الجميع أن يكونوا مثل معاذ في تبليغ الرسالة، وتعليم الناس هذا النور العظيم، الله تعالى جعلهم مفتاحًا لهذا النور، وأيكم معاذ؟
في معية الحبيب كلنا يستطيع ان يكون معاذًا.
عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه واحد من هؤلاء الذين اصطفاهم الله تعالى أيضًا واختارهم لرفقة حبيبه صلى الله عليه وسلم، ويقول عنه سيدنا صلوات ربي وسلامه عليه إنه أمة وحده، يعيش وحده، ويموت وحده، ويُبعث وحده.
فعلًا أيها الأحباب الكرام يعيش وحده ويموت وحده ويوم القيامة مع الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
المخلَصون بفتح اللام دائما سترى بينهم واحدًا من شهداء يوم أحد، مثل مصعب بن عمير، وأنا في معية الحبيب صلى الله عليه وسلم يا مصعب لا يفوتني أن أذكرك وسط هذه القمم النيرة التي أتحدث عنها الليلة، وأنت أستاذ كبير، حق لك وأنا أتحدث هذه الليلة في معية المخلصين بفتح اللام حق لك أن تكون منهم لأنك نقلت الرسالة كاملة من مكة إلى المدينة، وكنت خير سفير لخير نبى صلى الله عليه وسلم، كأنّي أراك الآن رضي الله تعالى عنك تدخل بيوت المدينة بيتًا بيتًا، ما أصبرك يا مصعب..و كلما دخل بيتًا من بيوت المدينة قبل أن يأتيها النبى صلوات ربي وسلامه عليه، فرأى الناس في مصعب شخصية النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام وعظمة النبي قبل أن يشاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم، وأيكم مصعب؟ لن أقول لك أنّ مصعب هذا كان من أغنى أغنياء مكة، وكان يحظى بالنعيم، وكان يعيش فى أبهى عيش، وكان يأكل في أواني الذهب والفضة، وينخلع من الدنيا إلى الله عز وجل، وأنت تراه في زهده لا حرج أن يلبس ثوبًا مقطعًا بعد أن كان يرتع في النعيم، ولا حرج أن أذهب إليك لكي أزورك كلما تشرفت بزيارة مدينة سيدنا صلى الله عليه وسلم، فأذهب إلى مكانك يا مصعب أدنى جبل أحد، وأنت بجوار حمزة، في آخر مرة قبل شهور ذهبت كي أزورك وكان الوقت ليلًا وكان الظلام يسود المكان، لكنني آثرت أن أمشي على رجلىّ فاستقبلتني رائحة المسك، مسك يفوح في أجواء المدينة، المسك الذي خرج منك يا مصعب بعد ألف وأربعمائة سنة ويزيد، لازال يملأ مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، ربما أسعد بك يوم القيامة وأقول لك في حياتي تأثرت كثيرًا بك يا مصعب، كنت أستاذًا لي، تعلمت منك الكثير، فتحت قلوبًا كثيرة، فُتحت مدينة بأكملها أمام صبرك وثباتك وأدبك حتى دخلت المدينة كلها في الإسلام، يا مصعب أنت الآن تهنأ في الجنة، أنت الأن ينساب منك المسك الذي يملأ أجواء المدينة، والمنطقة التي فيها منازل الشهداء عند جبل أحد، ولكن لن تفارقني هذه الصورة المزلزلة عندما يستشهد مصعب، إذا رأيت الدنيا زائلة أمامك فلا تحزن عليها، إذا رأيت الدنيا قادمة إليك مزركشة فلا تفرح بها، كم كان يملك مصعب من الزخارف والذهب، وإني أراك الآن أمامي شهيدًا، اسمح لي أن لا أتكلم، فإن كلامي لا أتحمله، ماذا أقول عن مصعب الشهيد الذي حاولوا تغطيته وتكفينه ولكن الكفن كان عاجزًا أن يكافي رأسه من ناحية أو رجلية من الناحية الأخرى، فإذا مُدّ من ناحية الرأس انكشفت رجلاه، وإذا مُدّ من ناحية القدمين انكشفت رأسه، ويدفن على هذه الحالة.
مصعب لا حرج أن تستقبلك ملائكة الرحمن، إني أعتزّ بك الليلة، وأنا أتحدث عنك ليس عن مصعب الفتى المدلل الذي ازدانت له الدنيا، ولكن عن مصعب الشهيد الذي لازال ينزف مسكًا.
ولماذا الشهداء ينزف منهم المسك؟ لأنهم تمسكوا بالله لأنهم تمسكوا بالرسالة، لأنهم من الذين يمسكون بالكتاب، المسك يلازمهم لأن حياتهم إخواني وأخواتي كانت مسكًا تمنيت أن أخرج لكم كل ما عندي عن مصعب، وعن أُبيّ بن كعب رضي الله تعالى عنهما، وهذان الرجلان لهما بصمات عظيمة في حياة كل مسلم يعرف قيمة الرجال، الرجال ليسوا أشخاصًا ولا أفرادا أو يعدهم العادّون، بل هى صناعة محمدية، مدرسة كبيرة عظيمة، يدور التاريخ، وتدور الأيام، وتدور السنون والدهور، ويبقى مصعب بن عمير واحدًا من الذين اصطفاهم الله تعالى، اسمح لي هذه المرة أن أقول: اصطفاهم، لكي يتكلم بلسان النبى صلوات ربي وسلامه عليه، وينقل النور إلى يثرب التي تحولت إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام، وبطلها الذي حمل النور ذاك الصحابي رضي الله تعالى عنه الذي حمل هذه الرسالة.
أستأذنك يا مصعب وأنا أحبك، وحبك يملأ قلبي، أستأذنك سيدي وأعود إلى أًبيّ بن كعب الذي تركته واقفًا مع النبى صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه الكرام، أبيّ بن كعب هذا لا تحسب أنه عاش خمسين سنة، أو ستين سنة لكي يحمل هذا المجد، لا تحسب أنه عمّر طويلًا، ولكنه عاش فترات قصيرة، ولكنها فترات مؤثرة لقد مات عن ثلاثين عامًا، كان شابًّا ليس كهلًا كبيرًا، ولا مسنًّا، ولكن هذه السنوات التي عاشها في مؤثرة ذاكرة الزمن أشدّ التأثير، ما الذي جعل الملك يذكر اسم أُبيّ بن كعب في الملأ الأعلى؟ إنه السؤال الذي سأكشف عنه في حلقات قادمة بإذن الله تعالى، لكنني أردت أن أقول لك في درس الليلة أن الاصطفاء مرتبة إيمانية اصطفائية يأتي معها العمل، قد يصطفيك الله عز وجل لعمل ويختارك إمامًا للناس، أو عالمًا تعلم الناس، أو تصلح بين الناس، أو تعطف على الأيتام والفقراء.
قد يصطفيك الله عزّ وجلّ لرساله معينة، أو تحفظ القرآن مثلا، كما قالت لي أمٌّ بالأمس تحدثني عن ابنها الذى كان يحفظ القرآن فضيع القرآن في لحظة، زاغ فجأة عن الطريق: { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ} شخص علمه الله الكتاب والحكمة واستخلفه مكان سيدنا موسى عليه السلام في بني إسرائيل، ليس هناك معشر السادة اصطفاء بعد هذا، " بلعام بن باعوراء" يا بلعام أنت هنا مكان موسى عليه السلام بعد أن قُبض موسى، وبعد أن قُبض يوشع، وبعد أن قُبض هؤلاء، أنت العالم الوحيد في بني إسرائيل الآن، أنت إمامهم أدِّ الرسالة كما ينبغي يا بلعام، الرسالة قوية يا بلعام، التكليف شديد يا بلعام، خطؤك ليس كخطأ الشعب أو الناس، احذر يا بلعام، احذر أن تلتفت وراءك، احذر أن تفتن، احذر معك رسالة يا بلعام، أنت تجلس مكان موسى عليه السلام، ومكان هارون عليه السلام، ومكان يوشع عليه السلام، احذر يا بلعام، إن الله تعالى اصطفاك، لكنّ العهد صعب، لكن الميثاق غليظ، ماذا أقول لك؟ يا حسرة على العباد، أخشى عليك من الفتنة يا بلعام، أخشى عليك يا بلعام أن تأخذك الدنيا أو مفاتنها أو النساء فتكون في الحضيض الأسفل، وحتى الحضيض لن يقبلك أن تكون فيه، لن يتحمل الرسالة نعم إني أسمعك تقول كلمة يا بلعام، تقول لي لماذا تعتب عليّ أنني خنت الرسالة وضيعت الرسالة؟ ولا تعتب على أبيك؟ هو يقصد بأبي آدم عليه السلام، {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىَ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} بلعام يدافع عن نفسه، تعيب عليّ أنني خنت الرسالة مكان سيدنا موسى عليه السلام، وضيعت بني إسرائيل، وضيعت التوراة، وانحرفت، ولماذا لا تعيب على أبيك الذي خان العهد مع الله عز وجل؟ قلت له يا بلعام شتّان بين معصية ومعصية، إن آدم عليه السلام لم يكن متكبرًا ولا متعاليًا، ولا قاصدًا الذنب بخلافك أنت، ألبسك الله تعالى عباءة فخلعتها، أعطاك الله تعالى نعمة فرفصتها، منَّ الله عليك برسالة فلم تبلغ هذه الرسالة، انظر ماذا قال عنك الملك؟ { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ}
لم يكن آدم عليه السلام بهذه الحالة التي ذكرها الملك عنك، لكنك انسلخت من الرسالة، المعنى إخواني وأخواتي أن الله تعالى قد يصطفي أحدنا لرسالة معينة، أو يتحمل تكاليف معينة، ثم يضيق بها ذرعًا، يعني لا يريد أن يحملها ولا يريد أن يؤديها، هؤلاء يُسلب النعيم منهم، أمّا الذين اصطفاهم الله عز وجل وثبتهم هم أمثال أصحاب النبي صلوات ربي وسلامه عليه، الذين أحدثكم عنهم.
أُبيّ بن كعب ومصعب ومعاذ وبن مسعود هؤلاء الكبار لسان حالهم {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} إن الله تعالى اصطفى بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا من المصطَفَين الذين حافظوا على عهدهم حتى أتاهم اليقين، وذكرت لك الليلة مصعبًا وأبيًّا أنا أقدم لك بلاسم شافية تتناسب مع الدرس حتى لا أحوِّل الدروس إلى قصص وحكايات.
ولكن آخذ من كل صحابيٍّ في كل ليلة ما يتناسب مع الدرس الذي أنا فيه، ولكنني أتمنى أن يتاح لي من العمر أن أكلمكم عن هؤلاء الناس جميعهم، لأنّ في داخل حياتهم أسرارًا كثيرة تغذي المشاعر، وتقوي الإيمان، لن يفوتني في هذه الليلة أن أقدم تحية قبل أن أختم درسي وأغادر المكان وسأكون مخطئًا خطئًا كبيرًا إذا لم أذكر هذا الرجل، سعد بن معاذ إنه واحد من المخلصين، لو حدثتكم عن عرش الرحمن وعن هيبة العرش وعن جماله وعن جلاله من منكم يتصور أن عرش الرحمن يهتزّ لموت واحد من هؤلاء الشهداء، إذا أردت أن أتكلم عن سعد بن معاذ فإني سأزلزل قلوبكم، فكما تأثرت بأبيّ بن كعب مصعب رضى الله عنهما، فإن سعدًا صنفًا آخر كيف مات سعد؟ وكيف نعاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام؟ وكيف ذهب النبي لكي يتابعه وهو مريض؟ وهو رضي الله تعالى عنه وأرضاه يسلم الروح، ماذا أقول؟ وكأني أرى سعدًا أمامي، وأرى النبي صلى الله عليه وسلم وخلفه الصحابة، ويقف النبي صلى الله عليه وسلم ساعة كاملة لكي يدخل ليعاين سعدًا قبل أن يُزفّ، زفاف والله زفاف، يوم أن يموت المسلم أعظم زفاف له.
قبل أن يُزفّ سعد وقف النبي صلى الله عليه وسلم ساعة لا يستطيع أن يتقدم أو يتأخر رافعًا رجله اليمنى بأبي أنت وأمي يا حبيب الله ولا يستطيع أن يخفض رجله لكثرة الملائكة الذين يملئون المكان، وما هي إلا لحظات حتى فاضت روحه إلى الله تعالى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لقد اهتزّ عرش الرحمن لموت سعد" كلام صعب، كلام جميل، أيكم على قلب سعد في حب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه؟ أيكم على قلب سعد في الصدق مع الله عز وجل؟ أيكم على قلب سعد في الثبات على الحق؟ أيكم على قلب سعد في نصرة دين الله عز وجل؟ أيكم على قلب سعد في حبّ الأمة، وفي تبليغ الرسالة؟ أيكم على قلب سعد الذي اهتز له عرش الرحمن؟
كنت الليلة في معية الحبيب صلى الله عليه وسلم ولكنها كانت معية جميلة خاصة حيث كنت ضيفًا مع المخلصين.
حدثتك الليلة عن أفضل قلوب رأيتها وقرأت عنها وتمنيت أن أكون ظلًّا لها، عندما أتكلم عن سيدنا يوسف، وعن سيدنا موسى، وأتكلم عن سيدنا أيوب، وأتكلم عن سيدنا أبيّ، وعن سيدنا مصعب، وعن سيدنا معاذ، وبن مسعود، وختمت بسعد رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
تمنيت أن أكون ظلًّا لأحد هؤلاء، اللهم ثبّت قلوبنا على دينك، اللهم ارض عنا واعف عنا، واجعلنا من المخلصين، واجعلنا مع المخلصين.
والمخلصون تعلموا في معية الحبيب صلى الله عليه وسلم وكان شعارهم ((واعلموا أن فيكم رسول الله))