الأبناء هبة من الله سبحانه وتعالى لعباده، وهم زينة الحياة الدنيا، إذ قال عز وجل: «الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا» [الكهف: 46].
وهم أمانة وفتنة واختبار ومسئولية لا بد من أن يرعاها المرء حق رعايتها. قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 28]. كما أمرنا الله عز وجل، بالعمل على إصلاح النفس والأهل، والنأي بهم بعيدًا عن الهلاك. إذ قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6]، وقال: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132]، وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ((كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ)).
ولهذا كان من الضروري الأخذ بكل وسائل العلم لتحقيق الصالح العام ولهذا قدر العلماء جواز تنظيم النسل إذا كانت هناك ضرورة لازمة لهذا سواء أو لم تكن الظروف المادية والمعنوية تؤهل الزوجين لتربية عدد أولاد كثير، وحكموا بجوازه شرعا، ولهذا فيجوز للزوجين أن يلتمسا أي وسيلة من الوسائل المشروعة لتنظيم عملية الإنجاب؛ لتحقيق ما يصبو إليه صلاح حال البلاد والعباد.
والمقصود بتنظيم الأسرة أن يتخذ الزوجان باختيارهما واقتناعهما الوسائل التي يريانها كفيلة لتحقيق هذا التنظيم الهادف إلى تباعد فترات الحمل، لتقليل عدد أفراد الأسرة بصورة تجعل الأبوين يستطيعان القيام برعاية أبنائهما رعاية متكاملة مالية ومعنوية ونفسية وأخلاقية ومجتمعية، ولعله من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن تنظيم الأسرة أو الإنجاب لا يتعارض مع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «تنكاحوا، تكاثروا، تناسلوا، فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة»، فالإسلام دين نظام وعدل في سائر العبادات كالصلاة والصيام والزكاة، وكذلك تنظيم الأسرة يُعد من بين هذه الأنظمة.
وقد ثبت طبيا أن لبن الحامل مضر بالرضيع، كما أننا لا بد أن نعرف أن هناك فرقا شاسعا بين كلمتي تنظيم وتحديد، إذ إن التحديد معناه المنع، والمنع معناه القتل، وهذا هو المحرم شرعا أما التنظيم فهو المباح.
كما أن الإسلام يحرص أشد الحرص على صحة الزوجة، ولهذا يجوز للمرأة أن تنظم حملها بما يتناسب مع حالتها الصحية، بدليل أن الإسلام أباح الإجهاض في حالة ما إذا كان الحمل مضرا بالزوجة.
وفى عهد الرسول، صلى الله عليه وسلم، كان الصحابة الكرام يعزلون أي يقذفون خارج المرأة، ولم ينههم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؛ لأن الإسلام دين عدل، ونحن بحاجة لتنظيم شئون حياتنا في كل الاتجاهات بما فيها الأسرة.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف»، وإن الكثرة القوية المتعلمة أفضل من الكثرة الضعيفة والجاهلة، والمقصود بالتنظيم هنا أن تنظم كل أسرة عدد أفرادها بحسب إمكاناتها، لأن كل إنسان ينجب وفق ظروفه.
أما بالنسبة إلى أولئك الذين يمتنعون عن الإنجاب مطلقا بحجة الخوف على أبنائهم من ضيق العيش في المستقبل، أو امتناع المرأة عن الإنجاب خوفا على صحتها ورشاقة جسدها وعدم تضييع شبابها، فهذا لا يجوز وهو محرم شرعا، ويعد معصية كبرى لأن الزواج شرع للإنجاب وتكوين المجتمع الذي تعد الأسرة هي لبنته الأساسية، لذا فكلمة تنظيم لا تتعارض مع الإسلام في شيء، بل الإسلام دعا إلى التنظيم في كل الأمور.