التلبينة سنة نبوية وإعجاز علمي

صحة وجمال
طبوغرافي

عن عائشة رضي الله عنها: (أنها كانت تأمر بالتلبينة للمريض وللمخرون على الهالك) وكانت تقول: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن التلبينة تجم فؤاد المريض وتذهب ببعض الحزن))  وفي رواية للبخاري: (أن عائشة كانت تأمر بالتلبينة وتقول: هو البغيض النافع). 


وعن عائشة أيضاً قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصاب بعض أهله الوعك أمر بالحساء فصنع ثم أمرهم فحسوا منه، ويقول: إنه ليرتو فؤاد الحزين، ويسرو عن فؤاد السقيم كما تسروا إحداكن الوسخ عن وجهها بالماء) .
وفي رواية البخاري أن عائشة كانت إذا مات الميت من أهلها فاجتمع لذلك النسوة ثم تفرقن إلا أهلها وخاصتها أمرت ببرمة من تلبينة فطبخت ثم صنع ثريد فصبت التلبينة عليها، ثم قالت: كُلن فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (التلبينة مجمة لفؤاد المريض تذهب ببعض الحزن) والبرمة القدر.
وعن أم المنذر بنت قيس الأنصارية رضي الله عنها قالت: (دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه علي وعلي ناقه، ولنا دوال معلقة. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل منها، وأخذ علي ليأكل منها فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: مه يا علي إنك ناقه، فكف علي. قالت: فصنعت شعيراً وسلقاً وجئت به. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أصب من هذا فهو أنفع لك) رواه أبو داود وروى الترمذي نحوه وفيه: (فجعلت لهم سلقاً وشعيراً ...) الحديث وفيه: (فهو أوفق لك) والناقه الذي أبلّ من مرضه ولم تتكامل صحته.
وأما القول المأثور (الحمية رأس الدواء والمعدة بيت الداء) فليس حديثاً نبوياً وإنما هو على الأغلب من كلام طبيب العرب الحارث بن كلدة وكان يقول: (رأس الطب الحمية).

كيف تصنع التلبينة:
قال ابن حجر: قال الأصمعي: (التلبينة حساء يعمل من دقيق أو نخالة ويجعل فيه عسل -وقيل لبن- وسميت تلبينة تشبيهاً لها باللبن وفي بياضها ورقتها) وقال أبو نعيم في الطب: (هي دقيق بحت). وقال البغدادي: (التلبينة السحاء ويكون في قوام اللبن وهو الدقيق الناضج لا الغليظ النيء، وإذا شئت أن تعرف منافع التلبينة فاعرف منافع ماء الشعير لا سيما إذا كان نخالة (مطحوناًَ) فإنه يحلو وينفذ بسرعة ويغذي غذاء لطيفاً وإذا شرب حاراً كان أحلى وأقوى  نفوذاً والمراد بالفؤاد في الحديث رأس المعدة).
قال ابن القيم: (الحمية حميتان: حمية عما يجلب المرض، وحمية عما يزيده، فالأولى حمية الأصحاء والثانية حمية المرض والأصل فيها قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ... فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} (سورة المائدة 6) فحمي المريض عن استعمال الماء لأنه يضره. وأنفع ما تكون الحمية للناقه من المرض فإن طبيعته لم ترجع بعد إلى قوتها، والقوة الهاضمة ضعيفة والطبيعة مستعدة فتخليطه يوجب انتكاسها).
(وأعلم أن في منع النبي صلى الله عليه وسلم لعلي من الأكل من الدوالي وهو ناقه أحسن التدبير، فالدوالي رطب معلق في البيت والفاكهة تضر بالناقه من المرض؛ لسرعة استحالتها وضعف الطبيعة عن وقتها، وفي الرطب خاصة ثقل على المعدة، فتشتغل بمعالجته وإصلاحه عما هي بصدده من إزالة بقية المرض وآثاره، فلما وضع الشعير والسلق بين يديه أمره بأكله فإنه من أنفع الأغذية للناقة، فإن في ماء الشعير من التبريد والتغذية والتلطيف والتليين ما هو أصلح للناقه لا سيما إذا طبخ بأصول السلق فهذا من أوفق الغذاء لمن في معدته ضعف).
ومما ينبغي أن يعلم أن كثيراً مما يحمى عنه العليل والناقه إذا اشتدت الشهوة إلفيه فتناول منه الشيء اليسير الذي لا تعجز الطبيعة عن هضمه لم يضره تناوله، بل ربما انتفع به، فإن المعدة والطبيعة تتلقيانه بالقبول والمحبة فيصلحان ما يخشى ضرره.
ولذا فقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم صهيباً على تناول التمرات اليسيرة كما يروي لنا صهيباً رضي الله عنه قال: (قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم وبين يديه خبز وتمر فقال: أدن فكل فأخذت تمراً فأكلت فقال: أتأكل تمراً وبك رمد؟ فقلت يا رسول الله أمضغ من الناحية الأخرى فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم). 
وإنه لمن المعجز حقاً التوافق التام بين هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الحمية وبين معطيات الطب الحديث، والذي يعرف الحمية بأنها: التدبير الغذائي الخاص بالمريض من إلزامه منهاجاً من الغذاء لا يتعداه أو منعه ممن بعض أنواع الأغذية أو الأشربة التي أضحت مؤذية له بسبب مرضه.
وتعتبر الحمية جزءاً من المعالجة في كثير من الحالات ولكل مرض حميته. ولقد نبه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهمية الحمية حق في دور النقاهة.
 وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يغذي المريض بألطف ما اعتاده من الأغذية وقد وصف التلبينة والحساء لأنهما سهلا الهضم لطيفا التغذية، فكل منهما يريح المعدة ويقوي هضمها، ويخفف آثار الحزن، ولأن الطعام الثقيل في ظروف الانفعال قد يعرض المريض لعسرة الهضم.

ولقد كان الشعير غالب طعام أهل الحجاز لأن الحنطة عزيزة عندهم، لذا فإن التلبينة كانت تصنع من دقيق الشعير. وتؤكد مصادر الطب الحديث وصف حساء الشعير في الحميات وكغذاء لطيف سهل الهضم حيث يستعمل مهروس الشعير بعد نزع قشوره مطبوخاً بالماء أو الحليب للمسعورين والأطفال، وتوصف للمتوعك والمصاب بالحمى، أو بقلة الشهية، أو عسرة الهضم، هذا وسنتكلم عن السلق تحت عنوانه الخاص.
ومن الهدي النبوي في الحمية أيضاً، ألا يجبر المريض على الطعام أو الشراب حين تعافه نفسه، فقد روي عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب فإن الله عز وجل يطعمهم ويسقيهم) . 
قال ابن القيم: (ما أغزر فوائد هذه الكلمة النبوية المشتملة على حكم إلهية، وذلك لأن المريض إذا عاف الطعام والشراب فذلك لاشتغال الطبيعة بمجاهدة المرض، أو لسقوط شهوته أو نقصانها لضعف الحرارة الغزيرة أو خمورها.. واعلم أن الجوع هو طلب الأعضاء للغذاء لتخلف الطبيعة به عليها عوض ما يتحلل منها، وإذا وجد المرض اشتغلت الطبيعة بمادته وانضاجها وإخراجها عن طلب الغذاء أو الشراب، فإذا أكره المريض على الطعام اشتغلت به الطبيعة عن فعلها واشتغلت بهضمه وتدبيره عن إنضاج مادة المرض ودفعه، فيكون ذلك سبباً لضرر المريض).
يقول د. عادل الأزهري : (معظم الأمراض يصحبها عدم رغبة المريض في الطعام، وإطعام المريض قصداً في هذه الحالة يعود عليه بالضرر لانشغال جهازه الهضمي بعمله، كما يجب مما يتبعه عسر هضم مع سوء حالة المريض، وكل مريض له غذاء معين، ويجب أن يكون سهل الهضم قليل الغذاء، وإن من دلائل الشفاء عودة المريض إلى سابق رغبته في الطعام).
ويؤكد الدكتور النسيمي (أن الله سبحانه وتعالى قضت حكمته أن يكون في الجسم مدخرات كبيرة يستفيد منها وقت الحرمان، فينبغي أن لا يغتم ذووا المريض لعزوف مريضهم عن الطعام خلال المرض، فإن المعدة قد لا تحتمل الطعام الزائد، أو لا تحتمل الطعام مطلقاً، وقد يسبب له غيثاناً أو قيئاً.. ولذا لا يجوز أن يجبروا مريضهم على الطعام وقد عافته نفسه).