بديع الزمان النورسى

قصص وروايات
طبوغرافي

ولد فى قرية نورس التابعة لناحية إسباريت، شرقى الأناضول فى تركيا عام (1294هـ – 1877م) من أبوين صالحين كرديين، كانا مضرب المثل فى التقوى والورع والصلاح، فقد ولد فى عهد السلطان ( عبد الحميد الثانى ) أواخر عمر الدولة العثمانية الآيلة للسقوط، وعاصر تكالب العداء وتزاحمهم للقضاء على هذه الدولة.

والإمام بديع الزمان سعيد النورسي، طويل القامة، عسلى العيون، حنطى اللون، شافعى المذهب.
ولم تكن حياته رحمه الله تعالى، إلا ملحمة من الأحداث التى سخرها لخدمة القرآن العظيم، وتفسير نصوصه، وبيان مقصد آياته البينات؛ ضمن رؤية تجلت مع الزمن ومع أطوار عمره.

لقد سخر الإمام بديع الزمان سعيد النورسى حياته لبث اليقظة وإعادة الحياة للأمة الإسلامية بعد طول رقاد فى ظل حقد أسود على الإسلام أبان الحكم العثماني.
لقد ظهر نبوغ النورسى منذ طفولته حيث كان دائم السؤال والاستطلاع لكل ما استغلق عليه فهمه، فكان يحضر مجالس الكبار ويصغى إلى ما يدور بينهم من مناقشات فى مسائل شتى، ويقول النورسى عن نفسه: كنت قد حدّثت خيالى فى صباى، أى الأمرين تفضل؟ قضاء عمر سعيد مع سلطنة الدنيا وأبهتها على أن ينتهى ذلك إلى العدم أم وجودًا باقيًا مع حياة اعتيادية ذات مشقة ؟ وقد تأصلت أخلاقه وقويت عندما اشتد عوده، وانعكس هذا على كل تصرفاته مع من قابلهم من مسئولين وحكام.

وقد التحق النورسى من صغره بمجموعة من الكتاتيب والمراحل التعليمية الموجودة حول قريته نورس. وقد كان نبيهًا ذكيًا يستوعب كل ما يقدم له من علم، وسرعان ما اشتد نهمه العلمى إلى الاستزادة المعرفية الحقة خارج حدود قريته أو بلده فظل يرتحل من مركز إلى مركز ومن عالم إلى آخر حتى حفظ ما يقرب من تسعين كتابًا من أمهات الكتب.

انكب بعمق على دراسة كتب الرياضيات وعلم الفلك والكيمياء والفيزياء والجيولوجيا والفلسفة والتاريخ حتى تعمق فيها إلى درجة التأليف فى بعضها فسمى بـ بديع الزمان اعترافًا من أهل العلم بذكائه الحاد وعلمه الغزير واطلاعه الواسع.

النورسى والكفاح

مع بدأ الحرب العالمية الأولى كان الإمام النورسى فى طليعة المجاهدين فشكل فرقًا فدائية من طلابه، واستمات فى الدفاع عن حمى الوطن فى جبهة القفقاس، وجرح فى معارك عدة مع الروس وأسر فى عام 1334 هـ واقتيد شبه ميت إلى “قوصتورما” فى سيبيريا فى روسيا، حيث قضى سنتين وأربعة أشهر، إلى أن جاءت الثورة البلشفية فأتاحت له فرصة الهرب من معتقله، فعاد إلى بلاده فى 19 رمضان 1336هـ الموافق 8 يوليو 1918م، واستقبل استقبالًا رائعًا من قبل الخليفة، وشيخ الإسلام، والقائد العام وطلبة العلوم الشرعية، ومنح وسام الحرب.

وعين عضوًا فى “دار الحكمة الإسلامية” التى كانت لا توجه إلا لكبار العلماء؛ فنشر فى هذه الفترة أغلب مؤلفاته باللغة العربية منها: تفسيره القيم “إشارات الإعجاز فى مظان الإيجاز” و”المثنوى العربى النوري”.

أسس (الاتحاد المحمدي) فى سنة 1909 ردًا على دعاة القومية الطورانية، والوطنية الضيقة، كجمعية الاتحاد والترقي، وجمعية تركيا الفتاة.

انضم إلى (تشكيلات خاصة) وهى مؤسسة سياسية عسكرية أمنية سرية، شكلت بأمر السلطان محمد رشاد، قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى، من أجل المحافظة على أراضى الدولة العثمانية، ومحاربة أعدائها، وكان قد انضم إلى هذه المؤسسة كثير من المفكرين والكتاب، وكان النورسى من أنشط أعضاء قسم (الاتحاد الإسلامي) فيها، وأصدر مع عدد من العلماء (فتوى الجهاد) التى تهيب بالمسلمين أن يهبوا للدفاع عن الخلافة.

وفى هذه المرحلة سافر إلى مدينة (وان) عام 1910 وبدأ يلقى دروسه ومحاضراته، متجولاً بين القبائل والعشائر الكردية، يعلمهم أمور دينهم، ويرشدهم إلى الحق.

وفى سنة 1911 سافر إلى دمشق، وألقى فى المسجد الأموى خطبته الشهيرة باسم الخطبة الشامية التى وصف فيها أمراض الأمة الإسلامية، ووسائل علاجها.

وفى سنة 1912 عين بديع الزمان قائداً لقوات الفدائيين الذين جاؤوا من شرقى الأناضول، من الأكراد خاصة.
وقد استمر الإمام النورسى فى تأليف “رسائل النور” حتى عام 1950م، أثناء اعتقاله وترحاله من سجن إلى سجن ومن محاكمة إلى أخرى، وطوال ربع قرن من الزمن لم يتوقف خلالها من التأليف والتبليغ حتى أصبحت أكثر من 130 رسالة جمعت تحت عنوان كليات رسائل النور، ولم يتيسر لها الطبع فى المطابع إلا بعد عام 1954م.

وكان النورسى يشرف بنفسه على الطبع حتى أكمل طبع الرسائل جميعها. وكانت تدور مواضيعها حول تفسير آيات القرآن بأسلوب علمى عصرى.