النورسى : لست شيخ طريقة

قصص وروايات
طبوغرافي

جاءت رسائل النور لتحمل شعلة “ إنقاذ الإيمان “ فى تركيا، وقد قال النورسى عن نفسه “ أننى لست بشيخ طريقة.. فالوقت الآن ليس طرق صوفية بل وقت إنقاذ الإيمان “
ولهذا فإن أول الرسائل التى ألفها هى ( رسالة الحشر) وناقش فيها مسألة البعث، ويوم القيامة، ويوم الحشر والتى أصبحت تصور من قبل الدوائر الملحدة بأنها خرافة أو أسطورة لا سند لها من دليل عقلى أو علمى وقد كان الإمام مستلهما فكره من الأسماء الحسني، موردا فيها شواهد الموت ويقظته.. واعتمد فى برهانه العقلى فى البعث على النباتات التى تذبل وتموت.. ثم ما تلبث أن تورق وتزهر من جديد .. وهذه عملية بعث جديد تتكرر أمام أنظارنا على الدوام.. فلم الاستغراب إذن من البعث يوم القيامة؟!

النورسى.. شعاره إنقاذ الإيمان وخدمة القرآن

مشروع النورسى الفكرى الدعوى

لقد كرس النورسى حياته كلها للقيام بمشروعٍ سماه “إنقاذ الإيمان وخدمة القرآن” حيث يقوم على تحويل إيمان الناس من مجرد إيمان تقليدى موروث إلى إيمان تحقيقى مشهود. ومن أقواله فى هذا الموضوع «لا يدخل المرء الجنة بطريقته.. هذا عصر الإيمان لا الطريقة» ولهذا فإن الإمام بديع الزمان سعيد النورسى يقسم حياته إلى قسمين؛ “سعيد القديم”و “سعيد الجديد”. فيعبر عن فترة حياته التى كان يشتغل فيها بالسياسة الدنيوية إلى حد ما بفترة “سعيد القديم”، ويعبر عن فترة حياته التى تبدأ مع بداية تأليف رسائل النور، والتى تبرز فيها وظيفته التجديدية فى الإيمان والقرآن بفترة “سعيد الجديد”.

وقد كان للإمام النورسى تراث عظيم أثر به فى الفكر الإسلامى وجدد خطابه، فلم يتناول صاحب الدعوة النورسية مشاكل بلاده الإقليمية فقط، وإنما كان خطابه خطابًا إسلاميًا عامًا لفائدة كل المسلمين، وكانت نظراته وفلسفاته من الجدة بحيث يمكن وصفها بالتجديد، فقد تناول فى عهد حياته مشاكل حدثت بعد ذلك ووضع لها حلولها وتفسيراتها..

وللإمام النورسى موسوعة علمية، أدبية، إيمانية ضخمة تسد حاجة هذا العصر، وتخاطب مدارك أبنائه، وتدحض أباطيل الفلاسفة الماديين، وتزيل شبهاتهم من أسسها، وتثبت حقائق الإيمان وأركانه بدلائل قاطعة، وبراهين ناصعة، جمعت فى ثمانية مجلدات ضخام، هي: الكلمات - المكتوبات - اللمعات - الشعاعات - إشارات الإعجاز فى مظان الإيجاز - المثنوى العربى النورى - الملاحق - صيقل الإسلام، وقد ترجمت إلى اللغات العربية والإنكليزية، والألمانية، والأردية، والفارسية، والكردية، والفرنسية، والروسية وغيرها.

مفهوم الحرية ( المشروطية) عند النورسى

لقد صرف الإمام كثيرا من جهده فى خطبه ومقالاته لبيان المفهوم الحقيقى فيها لمعنى ( الحرية فى الإسلام أو نظام الشورى الإسلامي) وتأثير الإسلام فى الحياة السياسية، وإصراره على الحكم بأصول الشريعة الإسلامية الغراء، وقد كان قوله دائمًا:” بنى وطنى لا تسيئوا تفسير الحرية كى لا يذهب من أيديكم.. لا تصبوا العبودية العفنة فى قوالب براقة وتسقونا من علقمها..

إن الحرية لا تتحقق ولا تنمو إلا بتطبيق أحكام الشريعة ومراعاة آدابها”
والمشروطية عند النورسي، هى تفسير لقوله تعالى { وشاورهم فى الأمر } [ آل عمران:159]. وقوله تعالى { وأمرهم شورى بينهم } [ الشورى: 38] فهى المشورة المشروعة.. وإن روح المشروطية هى أن تكون القوة فى القانون، والأمر والنهى فى يد الحق، وأن يكون المرء خادمًا..

إذ المشروطية هى حاكمية الأمة، والحكومة ليست إلا خادمة.. ولئن صدقت المشروطية فالقائم مقام، ( الوزير) أو الوالى ( المحافظ أو الرئيس) ليسا رؤساء بل خدام مأجورون.

ولقد رد الإمام على افتراءات الغرب من أن الدين ليس أساس الحياة، أو ما نسمعه الأن من أبواق كاذبة خادعة تدعو إلى فصل الدين عن السياسة، وقد جاء رده فى هذه القضية تحديدًا “ إن الخطأ نابع من عدم معرفتهم أن الدين أساس الحياة؛ فظنوا أن الأمة شيء، وأن الإسلام شيء آخر؛ وهما متمايزان؛ ذلك لأن المدنية الحاضرة أوحت بذلك واستولت على الأفكار بقولها إن السعادة فى الحياة نفسها. إلا أن الزمان أظهر أن نظام المدنية فاسد ومضر. والتجارب القاطعة أظهرت لنا أن الدين حياة للحياة ونورها وأساسها، وإحياء الدين إحياء لهذه الامة.. والإسلام هو الذى أدرك هذا..

إن ترقى أمتنا هو بنسبة تمسكها بالدين، وتدنيها هو بمقدار إهمالها له، بخلاف الدين الآخر.. وهذه حقيقة تاريخية، قد تنوسيت.