أجدادنا الطيبون: جنة الحياة التى ننهل منها الحب الصافى

قصص وروايات
طبوغرافي

أزهار البساط الأخضر على مسرب الماء الصغير كانت أجمل الزهور وأينعها عند منبع الحياة، ورغم أن ذلك الينبوع الصغير رأيته بعد سنين طويلة صغيرا يكاد يكون مقفرا إلا أنه كان جنة الحياة التى ننهل منها جيئة وذهابا، بحثت عن تلك الزهور الصغيرة بعد حين فلم أجدها، والتمست رائحة العشب فافتقدتها، وتذكرت أزهار القطن الصفراء فغابت عن عيني، كان ذلك شرقى البلدة حيث يفصل بين بيوتنا وبين الزروع سياج من طين، كنا نقفز من فوقه نحن الصغار لنمرح على النجيل، ونستميح من رحيق العشب، ولم يكن ذلك هو المجمع الوحيد بيننا نحن أبناء السنوات الخمس، بل كانت تجمع ببيننا حضانة داخل الوحدة الاجتماعية، كم لعبنا فيها، وقطفنا فيها أجمل أيام العمر، كان أبى يستأجر ما يحيط بها من أراض من جهاتها الأربع، مزروعة بألوان الزروع والثمار، كم هى أيام جميلة خضراء تتوق نفسى إلى الكتابة عنها الآن لولا أننى أتذكر الآن زينة.

زينة الوردة الغضية فى مقتبل الحياة، وقطعة السماء الصافية بين الغيوم، ومطلع الفجر بعد ظلام الليل، وسكون الغيطان بين صخب الحياة ، وأمواج النهر الضاحكة بين عبوس الزمن ، ماذا أكتب.

أذكر أننى تشاجرت معها يومًا، ونهرتنى معلمتنا زينب، ولم يمض ساعة حتى كنا نلعب تحت شجرة المنتصف.
ولعل هناك مواقف كثيرة تنبع منها السعادة لا أتذكرها الآن بعد أن حملتنى شواديف بلدتنا وألقت بى فى حقول الغربة.

أعود الآن من غربتى إلى بلدتى كل حين وقد مر من عمرى عقود، فألقى على زروعها آلامى وأشواقي، وأتصفح وجوه أقران الطفولة فتتبسم الوجوه، وأقرأ فى وجوههم سعادة الزمن الجميل.

صار لهم أولاد وبنات، لكننى أظل أبحث بين وجوههم عن زينة، فلا أجدها، ولن أجدها، ليست زينة على بساط الأرض، لقد ودعتنا مبكرا وهى طفلة غضة، ووقفنا نحن الأطفال لا نفهم معنى الموت، لكننا بكينا، واعترانا صمت عجيب.

لن أجد زينة إلا مرسومة على النخيل والزروع ، وفى أطلال الطفولة، وفوق كئوس الطيبة والنقاء، ربما رأيتها على صفحة ماء صافية، وأوراق غصن حانية، وثمرة دانية .

رحم الله زينة ولعلنا نلقاها فى جنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت.