حوار /أحمد الجعبري
لعل انتشار ظاهرة الفتاوى الشاذة والتكفيرية والتشدد في الرأي أصبحت من أكثر الظواهر المخيفة والتي تهدد أركان المجتمع المصري والإسلامي، والتي أدت إلى إضعاف عرى الأمة والمجتمع، وكانت سببا في تمزيق المجتمعات الإسلامية وإحلال التنازع فيها، وإيمانا منا بدور المؤسسات الدينية الوطنية في تقديم المعالجات الفكرية والدينية لما يطرأ على الأمة من خلاف في القضايا، كان لنا لقاء مع أ. أحمد رجب أبو العزم، مدير مرصد الفتاوى الشاذة والتكفيرية لبيان دور المرصد في التصدي لتلك الظاهرة.
- نبذة تعريفية لمرصد الفتاوى التكفيرية والشاذة؟
أنشئ مرصد الفتاوى عام 2014 م، بهدف رصد الفتاوى الشاذة والتكفيرية الصادرة عمن يطلق عليهم لقب (مشايخ) أو من يتصدرون للفتاوي دون علم أو وجه حق، أو ما يتداول على المواقع الإلكترونية أو صفحات التفاعل الاجتماعي. من خلال التصدي لظاهرة فتاوى التكفير والآراء المتشددة في مختلف وسائل الإعلام المحلية والعالمية، وتقديم معالجات فكرية ودينية لتلك الظاهرة وآثارها. ومحاولة الوقوف على الأنماط التكفيرية والمتشددة في المجتمع لتكون محل مزيد من البحث والدراسة لتقديم تصور لعلاج الظاهرة والمرتبطين بها.
كما أن تحسين صورة الإسلام وتنقيح الخطاب الديني من ظواهر التشدد التي طرأت عليه من أهداف المرصد وخاصة فيما يتعلق ببعض الفتاوى التكفيرية.
ويقتصر دور المرصد على الدور التنويري وتوضيح المفاهيم وبيان صحيح الدين، ولا نمتلك أي وسائل ردعية أو سلطة تخول لنا مقاضاة من يخرج عن أصول الدعوة والفتوى الصحيحة، كما أن الفتوى التي نقدمها تكون استشارية فقط وليست إلزامية.-هل لديكم فروع في العالم الإسلامي أم أن الأمر يقتصر على القاهرة، وهل تردون على ما يثار من فتاوى شاذة في دول أخرى؟
ليس لنا أي فروع أخرى خارج القاهرة، ومرصد الفتاوى أنشئ ليرد على كافة الفتاوى المتعلقة بالدين الإسلامي حول العالم كله، وليس مقصورا على مصر فقط أو الوطن العربي، فالمرصد يقوم برصد كل الفتاوى على مستوى العالم أجمع والرد عليها، ومن هذا ما أصدرناه من بيانات مختلفة تتعلق بتنظيمات " بوكو حرام" بنيجيريا، وجماعة "داعش" بالعراق.. وحرمانية الانتماء إليهما، والتصدي للفتاوى الشاذة الصادرة منهما، مثل ( وأد البنات، تحريم تعلم اللغة الإنجليزية.. إلخ).
-مرصد الفتاوى الشاذة والتكفيرية جهة رسمية تابعة لمؤسسة الأزهر الشريف؟ وهل هناك تواصل مع مجمع البحوث الإسلامية أو دار الإفتاء أو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، وما الفروق بينهم؟
المرصد هو مؤسسة تابعة لدار الإفتاء المصرية، وقد استقلت الدار عن وزارة العدل ماليا وإداريًا عام 2007م، والمرصد هو جزء من دار الإفتاء، وهو أحد أقسام المركز الإعلامي للدار، وكما هو معلوم فإن دار الإفتاء هي الجهة الوحيدة الرسمية المخولة بأمر الفتوى بحكم القانون والدستور، ويتم التواصل مع مجمع البحوث الإسلامية للفتاوى التي تحتاج إلى اجتهاد جماعي وخاصة ما يحتاج إلى إجراء دراسات وبحوث عامة، أما لجنة الفتوى بالأزهر الشريف فهي تابعة لمشيخة الأزهر الشريف وهي منتشرة في معظم بقاع الجمهورية للرد على الفتاوى البسيطة لعامة المسلمين، ويظهر دور المرصد واضحا في التنسيق والتكامل مع المؤسسات الدينية الإسلامية في مصر (الأزهر والأوقاف) وتقديم التوصيات لتضمينها في الخطاب الديني الرسمي، وتقييم ردود الفعل حول الخطاب الديني والفتاوى والآراء الصادرة عن المؤسسة الدينية، سواء الأزهر الشريف أو دار الإفتاء أو وزارة الأوقاف، والهيئات التابعة لهم.
-ماذا قدم المرصد لمن يطلقون الفتاوى المتشددة وهم غير مؤهلين علميًا ولا عقليا للفتوى، ولا يدركون خطورة ما يطلقونه من أحكام ؟
أصدر المرصد العديد من البيانات والتقارير التي تعرضت لتلك الظاهرة، كما رصد بعضًا من الفتاوى السياسية التي تم رصدها بعد ثورة 25 يناير حتى وقتنا الحاضر، والتي أصبحت أحد أكثر القضايا التي تحتاج إلى مزيد من الضبط والتأصيل، في ظل "فوضى الفتاوى" وانتقالها من الاجتماعي إلى السياسي لتهدد وتروع وتحرض وتشعل الفتن وتدعو إلى القتل وتبيحه، بما يضع المجتمعات كلها دون استثناء فوق بركان يتطاير شرره بالفعل في خضم الواقع السياسي المتصارع.. فأصبحت الفتاوى اليوم مسخرة لخدمة أهداف سياسية وحزبية معينة، وتوظف الدين لاستقطاب الأتباع، واستغلال شغف الناس بالدين من أجل سحب البساط من تحت أقدام منافسيهم بإطلاق فتاوى تكفير المعارضين والمثقفين، كما أكد مرصد الإفتاء أنه بمراجعة شرعية تلك الفتاوى التكفيرية من الجانب الفقهي ثبت أن من يطلقونها غير مؤهلين شرعيًا للفتوى لافتقادهم أدنى المعايير العلمية المعتمدة في إصدار الفتاوى الشرعية، ولعدم إدراكهم خطورة ما يطلقونه من أحكام تؤدي إلى إحداث الفتن بين أبناء الوطن الواحد، فضلاً عن جعلهم التكفير مدخلاً شرعياً للقتل واستباحة الدماء والأعراض، بما يمثل إفسادًا في الأرض يهدم مقاصد الشريعة الإسلامية من أساسها.
- ظهور الكثير من الفتاوى المتشددة والمتعصبة والمسيئة للإسلام تجاه الغرب أدى إلى نفور أبناء المجتمع الغربي من الدين الإسلامي، وظهور "فوبيا الإسلام" لديهم، ما دور المرصد في التصدي لتلك الشبهات؟
أوصى المرصد بضرورة تنسيق الجهود الإسلامية في مجال رصد الفتاوى المسيئة للإسلام والمسلمين والتعامل معها بشكل عملي وفقهي يقدم من خلالها معالجة وافية وكافية. ويرد كل ما يثار من شبهات حول صورة الإسلام والمسلمين، كما دعا إلى ضرورة مخاطبة الغرب بلغة يفهمها ويتواصل بها، عبر سبل وآليات تصل بالرسالة الإسلامية إلى عقر دار المجتمع الغربي لإزالة اللبس وسوء الفهم عن الإسلام والمسلمين. كما ناشد بضرورة إعداد دراسات معمقة لأسباب ظواهر التكفير والتطرف.
وأوصى بضرورة الاهتمام بالتواصل والحوار مع الغرب، تواصلا يهدف إلي البيان والتوضيح وليس الدفاع أو الهجوم كما حث الشرع الحنيف، والدليل على ذلك أن القرآن الكريم حاور اليهود والنصارى وحاور منكري البعث ومنكري الرسالات السماوية، وحاور الجميع بمنطق العقل والحجة، فالحوار مفيد لنا باستمرار لأنه يعرض منطق الإسلام وحججه الواضحة .
-ما التوصيات التي يقدمها المرصد لأهل الفتوى بالمجتمع المصري بصفة خاصة، وجميع مؤسسات الدولة بصفة عامة؟
الإفتاء له طبيعة خاصة في المجتمع المصري فهو ذو تأثير وتأثر بجميع جوانب الحياة، ويجب على الأمة أن تعنى بشأنه وتنتبه إلى خطورة ممارسته، وضرورة قيام مؤسسات الإفتاء الرسمية بمهمة إصلاح ظواهر الانقسام المجتمعي والخلل الاجتماعي الناتج عن فوضى الفتاوى حيث إن الفتاوى الشاذة أحدثت أثرًا عميقًا في المجتمع ونظمه وتقاليده، كما يجب ألا يتأثر منهج الإفتاء بالسياسة الحزبية فيما يصدره من يقوم على الفتوى، وليعلم جيدا أنه مسئول أمام الله تعالى يوم القيامة عن فتواه وما ترتب عليها من ظلم أو غبن أو جور وعدم إنصاف، أو كانت سببًا في إراقة دم أي إنسان على وجه الأرض دون حق، وأن يظل على حياده وعدم التبعية لأي حزب أو شخص أو رأي سوى المبادئ الحاكمة للسياسة الشرعية في الإسلام.
ويجب أن نؤكد على أن دار الإفتاء بمرجعيتها الوسطية ومنهاجها المعتدل هي القادرة على إعادة التوازن إلى الحياة العامة في المجتمع المصري، من خلال توجيه وتصويب وتوضيح أي رأي صادر من أي جهة تنتصر لاتجاهاتها الفكرية وتحاول أن تصبغه بصبغة دينية لتؤثر على الرأي العام.
حوار الأستاذ/ أحمد رجب أبو العزم، مدير مرصد الفتاوى التكفيرية
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة