المستشار زين طه الفشنى يكشف أسرار ملك التواشيح:

حوارات
طبوغرافي

ينشر لأول مرة .. المستشار زين طه الفشنى يكشف أسرار ملك التواشيح:   

  الفشنى 1

“الفشنى” فقد صوته وفشل الأطباء فى علاجه.. و“زمزم” سبب شفائه

لأول مرة ، يكشف المستشار زين طه الفشنى عن تفاصيل جديدة فى حياة ملك التواشيح الشيخ طه الفشنى متحدثاً عن الجانب الإنسانى فى حياته موضحاً أنه كان خفيف الظل متسامحا حنوناً على الأسرة كلها. ويزيح الستار فى حواره معالفتح اليومعن كثير من المحطات المهمة التى توقف عندها الشيخ فى حياته ، ويروى باستفاضة قصة انحباس صوته إلى أن رده الله عليه بعدما شرب من ماء زمزم .. فإلى نص الحوار:

  • حدثنا عن نشأة الشيخ طه الفشنى وكيف كانت مراحل حياته الأولى؟

ولد عام 1900م بمركز الفشن ببنى سويف، وكانت وقتها تابعة للمنيا، التحق بكتاب القرية وحفظ القرآن فى سن العاشرة ثم التحق بمدرسة المنيا للمعلمين، كان والده رحمة الله عليهما ميسور الحال وتاجر أقمشة.. وكان له أخ يدعى إبراهيم يعمل تاجرًا فى حى الحسين ولازال فى خان الخليلى، ولما التحق بمدرسة المعلمين استشعر الناظر فى صوته الحلاوة والعذوبة فطلب منه افتتاح الطابور يوميًا.

الفشنى 4

وكانت النشأة فى أسرة متدينة بطبعها لأن الجد الأكبر من حفظة القرآن وحينما سمع جدى صوت أبى قال له : (يا طه سيسمعك الملوك) وفعلا سمعه الملوك بعد ذلك، وبدأ الفشنى بإحياء ليالى كثيرة فى الفشن وقراها، وكذلك بالمنيا وبنى سويف وسوهاج . وكان من عادة الصعيد إحياء الأفراح والمناسبات بالتلاوات والابتهالات فاكتسب الشيخ شهرة بالصعيد قبل مجيئه إلى القاهرة حيث تعرف الناس على صوته وأداءه المتميز.

  • متى قرر الشيخ المجيء للقاهرة وكيف تأقلم عليها؟

غادر الفشنى بلدته متوجهًا إلى القاهرة؛ لدخول مدرسة دار العلوم العليا، وكان يراوده حلم أن يدرس بالقضاء الشرعى وكان ذلك أثناء ثورة 1919م، وكانت القاهرة تعج باضطرابات حالت بين دخوله دار العلوم العليا أو دراسة القضاء الشرعى فرجع إلى الفشن مرة أخرى، وقد توفى والده فأقام مع خاله الشيخ مرسى عمدة (صفنية) وهى إحدى قرى الفشن فى هذه الفترة لم ينقطع عن التلاوات والليالى لكنه استمر فى إحياء المناسبات فى الفشن وما حولها من قرى ومدن ومحافظات الصعيد مما عمل على اتساع شهرته، ولما سطع نجمه أشاروا عليه بنزول القاهرة مرة أخرى فقرر النزول عام 1924م، وتوجه إلى الأزهر الشريف وبدأ فى دراسة علم القراءات والتجويد على يد علماء الأزهر الكبار وخاصة الشيخ عبدالعزيز السحار وكان أحد هيئة كبار العلماء بالأزهر وتلقى عنه علم القراءات وحصل على شهادة باجتيازه للقراءات العشر .

الفشنى 3

  • من هم الأساتذة الذين أثروا فى الشيخ طه الفشنى وكانوا قدوة له ؟

قدوته فى هذه الفترة مجموعة من العظام فى عالم التلاوة وعلى رأسهم فضيلة الشيخ محمد رفعت رحمه الله وكان يليه الشيخ على محمود رحمه الله ثم الشيخ عبدالفتاح الشعشاعى، هؤلاء العظام إذا كانوا قدوة لأحد لابد أن يتفوق وما أعجبه فيهم أنهم عمالقة فى كل شئ وتميزوا بالعلم والحفظ والإتقان وأنهم ليسوا مجرد قراء لكنهم كانوا علماء بالفعل .

  • كيف التحق بالإذاعة ومتى كان ذلك ؟

فى عام 1937م كان هناك احتفال بمسجد الإمام الحسين فى وجود رئيس الإذاعة وقتها سعيد لطفى باشا، فعرض الشيخ على محمود على رئيس الإذاعة أن يقرأ الفشنى فى تلك الحفلة.. وأقنعه بأنه سيعجب بصوته وأدائه وبالفعل اعتلى الشيخ طه الفشنى دكة القراءة وقرأ بتجليات ربانية . قرأ عشر دقائق فقط لكنها كان فيها ما فيها من التجليات والروعة وفوجئ بعد الانتهاء من التلاوة بمن يأتى إليه يقول له: سعيد لطفى باشا ينتظرك . فذهب إليه وصافحه وهنأه وقال له: يا شيخ طه بكرة تكون عندنا فى الإذاعة فتوجه إلى الإذاعة فى اليوم التالى وتم اختباره عن طريق لجنة سماع القراء والمكونة من عشر علماء على أعلى مستوى من العلم، واجتاز الاختبارات بنجاح تام بتقدير امتياز ولدى الآن صورة من مجلة (الإذاعة) عام 1939م، وهى مجلة شباب مصر والتى نشرت مواعيد تلاواته يومى السبت والأربعاء مساء فى وقت التلاوات الممتازة كل تلاوة كانت أربعين دقيقة، وهو وقت الشيخ محمد رفعت، والشيخ عبد الفتاح الشعشاعى، والشيخ على محمود

الفشنى 6

  • الفشنى من القلائل فى تاريخ الإذاعة المصرية جمع بين الإنشاد الدينى والقرآن بل وكانت له بطانة. فكيف نجح فى المجالين معا؟

استطاع الفشنى أن يجمع بين القرآن والإنشاد وبرع فيهما لأنه كان ملازمًا للشيخ على محمود، الذى كان عملاقًا وقمة فى النغمات الإنشادية، وكذلك قمة فى التحكم فى المقامات والأداء الصوتى، فكان هو السبب فى استسقاء الفشنى للنغم والمقامات الصوتية ثم أثقل الشيخ طه الفشنى دراسته فى علم النغم والمقامات على يد مجموعة من المشايخ الكبار منهم الشيخ زكريا أحمد، والشيخ مرسى الحريرى، والشيخ سيد شطا، والشيخ درويش الحريرى رحمهم الله جميعًا ومن العوامل التى جعلته متقنًا للإنشاد الدينى إلى جوار القرآن أن التواشيح الخاصة به كان يلحنها له مجموعة من المبدعين الكبار فى عصره مثل الشيخ زكريا أحمد، والموسيقار محمد عبد الوهاب الذى لحن له تواشيح وقصائد أداها فى فرح الملك فاروق .

  • كيف استطاع الفشنى أن يفرق فى الأداء بين تلاوة القرآن والإنشاد الدينى وكل منهما يحتاج إلى معايشة وإبداعات خاصة؟

كان الشيخ أول من أدخل النغم على التجويد وهذا ما سطره النقاد فيما كتب عن الشيخ طه الفشنى، يقول “ إن القرآن له إجلال وأن قارئ القرآن لا يكون قارئًا إلا إذا أطرب المستمع” وهكذا مع دراسته المتمكنة وقدراته الصوتية التى تعدت سبعة عشر مقامًا موسيقيًا، كما انتهى إلى ذلك الموسيقار عمار الشريعى فى حديث له، وقد قدمت هذا الحديث لقناة الفتح الفضائية كإهداء مع تراث الشيخ طه الفشنى رحمه الله.. بشهادة للأستاذة رحاب الشربينى المعيدة بمعهد الموسيقى العربية، والتى حصلت على رسالة الماجستير عن صوت الشيخ / طه الفشنى ومقاماته الموسيقية وأدائه المتميز كل هذا أمكنه من أن يكون قارئًا للقرآن بتقدير امتياز. أما القصائد والتواشيح الدينية فهى بساط استطاع فيه أن يستعرض قوة صوته ونغماته الموسيقية ومدود تتناسب معها مختلفة عن مدود القرآن؛ لأن المدود فى القرآن أقصاها ست حركات أما فى الابتهالات والتواشيح.. فالمدود مفتوحة وفى إحدى المدود فى الإنشاد كان يصل إلى مدة 35 ثانية، وكانت له خاصية فى التواشيح حيث كان ينشد بيت واحد بأكثر من ثلاثة مقامات صوتية وأدى إلى أن يدرس صوته بمعهد الموسيقى العربية فجعله ينفرد بأداء القصائد والتواشيح الدينية مما أدى إلى إعجاب نجوم عصره به حيث قالت عنه أم كلثوم أنه (ملك التواشيح).

  • كيف سطع نجم الفشنى بعد ذلك، وماذا أسندت إليه الإذاعة من أعمال ؟

فى عام 1942م كانت ذروة المجد بالنسبة للشيخ طه الفشنى فبعد الصيت الكبير للشيخ فى جميع أنحاء مصر، وفى غيرها من الدول من خلال الإذاعة المصرية والاحتفالات المختلفة، وهنا تم ترشيح الشيخ لإحياء ليالى قصر التين وقصر عابدين إلى جوار الشيخ مصطفى إسماعيل، وكان يحضر تلاواته الملك فاروق الذى كان يستمع بإنصات وخشوع لتلاوته .

  • ما الدول التى زارها كسفير للقرآن؟

أرسلته الإذاعة المصرية إلى جميع دول العالم، فمن السودان ونيجيريا وتشاد وباقى دول إفريقيا إلى أندونيسيا وباكستان وإيران ودول الخليج وباقى دول آسيا ثم تركيا ويوغسلافيا وإنجلترا.. وباقى دول أوربا ثم أستراليا وأمريكا وبنما ودول الأمريكتين وقد أثر الشيخ تأثيرًا كبيرا، فيمن استمعوا إليه فى الخارج؛ وذلك لأنهم شعروا أن الفشنى قد تفرد بصفات وسمات صوتية لم تتواجد فى غيره من قراء عصره

  • ماقصة انحباس صوت الشيخ طه الفشنى ؟

كان ذلك فى عام 1948م حيث انحبس صوت الشيخ تمامًا، وفشل الأطباء فى علاجه وكان عنده يقين إذا سافر إلى المملكة العربية السعودية وشرب ماء زمزم فسوف يعود له صوته، وفعلا سافر لأداء فريضة الحج وشرب من ماء زمزم وفوجئ الشيخ بصوته، وهو ينطلق فى جبل عرفات مؤذنًا للصلاة.

وقد روت هذه القصة الأستاذة خيرية البكرى عام 1978م فى أخبار اليوم؛ لأنها كانت شاهدة عيان حيث إنها كانت مع الشيخ طه، على الباخرة وهو فى طريقه إلى السعودية، وكان جالسًا مع زوجته وأقاربه، وهو حزين فسألت عن سبب حزن الشيخ فأخبروها، فتابعت الشيخ فى رحلته حتى إنها كانت من أوائل من استمع للشيخ وهو يؤذن فى عرفات؛ فبكت كثيرًا وهنأت الشيخ طه وزوجته وأقاربه.. ثم عاد الشيخ إلى مصر وصوته أقوى مما كان عشرات المرات بفضل الله وبفضل إيمانه بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى قال فيه (زمزم لما شربت له).

  • ما التراث الذى تبقى من رحلة الشيخ مع القرآن والإنشاد؟

تسجيلات قرآنية تزيد عن ثلاثة أرباع المصحف تجويدًا بتوقيتات مختلفة ما بين 45دقيقة و30دقيقة و 15 دقيقة و5 دقائق. ثم بدأ الترتيل، ولكنه مرض ولم يكمل القرآن المرتل وسجل الشيخ 16 ساعة من القصائد والتواشيح الدينية بتوقيتات مختلفة مابين 45دقيقة و30دقيقة و15 دقيقة و5 دقائق. وقد ترك الشيخ طه الفشنى رحمه الله تراثًا كبيرًا من الاحتفالات التى أحياها فى مصر وخارجها.

  • ما الأوسمة التى حصل عليها ؟

عدة تكريمات وأوسمة ونياشين من عدة دول، منها وسام من الحكومة التونسية عام 1958م فى المؤتمر الإسلامى بتونس بصحبة “المنشاوي” ووسام دولة ماليزيا من رئيس الوزراء الماليزى (تنكو عبد الرحمن) عام 1958م، وتكريم دولة تركيا عام 1970م، حيث وضعت الحكومة التركية اسمه فى سجل الخالدين بوزارة الثقافة التركية، وبعد وفاته فقد كرمه رئيس جمهورية مصر العربية عام 1991م بمنحه نوط الامتياز من الطبقة الأولى، وكرمته إيران بحكم أنه من أكثر من أثر بتلاواته فى الشعب الإيرانى وأعطوه الوسام التقديرى من الطبقة الأولى مكتوب بماء الذهب، أما التكريم الأكبر بإذن الله من ربه سبحانه وتعالى.

الفشنى 2

  • من هم تلامذة الشيخ الذين تربوا على يديه؟

كثيرون فى مصر وفى غيرها، ومن هؤلاء فضيلة الشيخ الدكتور أحمد المعصراوى، واكتفى برأيه فى شيخه حيث قال: إذا قمنا بعمل مقارنة بين الشيخ طه الفشنى، وأى قارئ من القراء الجدد فستكون مقارنة بين الأرض والسماء وكذلك الرعيل الأول للقراء وأتمنى، وأدعو الله أن تظهر مواهب يصلوا إلى 70% من القراء القدامى لأنها موهبة ربانية وعلوم تدرس سواء كانت علوم قرآنية أو علوم صوتية.

  • ما مصير تراث الشيخ طه الفشنى؟

تراث الشيخ طه الفشنى موجود بالإذاعة المصرية.. يذيعون منه من وقت إلى آخر، وكذلك لدينا نسخ من تراث الشيخ وقد أهدينا نسخة كاملة منها لقناة الفتح للقرآن الكريم، وقد استقبلنى الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض رئيس القناة، ورحب بى ترحيبا كبيرًا وحضرت معه اجتماعًا مع كل أبناء القناة، وألقيت كلمة عبرت فيها عن مشاعرى وارتياحى للقناة ومن يعمل فيها.. ثم أعلنت الإهداء ووقعت عليه بكل حب وسعادة، وبالفعل بعد عدة أيام تم عمل المونتاج والجرافيك اللازم، وشاهدت أعمال والدى تعرض على شاشة قناة الفتح للقرآن الكريم، وهذا فخر لنا وجزى الله الدكتور أحمد عبده عوض خيرًا، وهو من محبى الشيخ طه الفشنى رحمه الله.

  • ما سمات “الفشنى” الأب ؟

كان رحمه الله خفيف الظل مرحًا على وجهه ابتسامة طبيعية غير مصطنعة، وعندما كان يغضب يظهر هذا على وجهه، لا يعرف الضغينة، ولا يستطيع أن يحتفظ فى صدره شيء لا يظهره وكان متسامحًا، وكان ورعًا وتقيا.. وكان يقرأ القرآن ليل نهار وقد عاش 71 سنة فى خدمة كتاب الله، حريصًا على متابعتنا فى أداء الصلاة والصوم وكان قريبًا من أهله وعائلته بالفشن، وكان يسافر لهم على فترات متقاربة ويؤدى واجبات كثيرة لهم وأوصانا قبل موته رحمه الله بألا نحرمهم مما كان هو يقوم به معهم

الملك فاروق كان يحضر تلاوات الشيخ مُطأطئ الرأس للقرآن.. جدى تنبأ لأبى وقال له : يا طه.. سيسمعك الملوك

فرحت عندما شاهدت تُراث والدى على قناة الفتح وجزى الله د. أحمد عبده عوض خيراً