أمة الإسلام منتجة وعاملة والمسلم سوى منضبط فى سلوكه
اعتليت المنبر فى “الإعدادية” وصممت على الالتحاق بـ”أصول الدين”.. أمى عشقت القرآن.. فتنسمت عبير كتاب الله منذ الصغر
أكد الأستاذ الدكتور عبدالفتاح عاشور، أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر،
أنه طوال حياته الجامعية لم يطمع فى طالب ولم يعتبره سلعة ليبيع له كتابًا أو يؤدى له محاضرة يتقاضى عليها أجرًا، وإنما ينظر إليه كحقل خصب يزرع فى تربته الخير للإسلام ورسالته.
وقال فى حواره مع “الفتح اليوم” أن الشريعة الإسلامية تبنى إنسانًا سويًا منضبطًا فى سلوكه مع نفسه ومع ربه ومع الآخرين، وأمة هذا حالها تكون منتجة لأنها عاملة ومخلصة يتحقق فيها العدل والأمن ويسود فيها الإخلاص وأى خطة للتنمية إن لم تقم على هذه الأسس فهى فاشلة ولن يتحقق منها شيء.النشأة
فى بيت أمٍّ عاشقةٍ للقرآن فانتقل هذا الحب بالتعلق بالقرآن لابنها فعشت معها فترة الطفولة بعيدًا عن المؤثرات الخارجية، حيث لم تكن فى بلدتنا كهرباء فكانت سلوتنا بالليل والنهار قراءة القرآن، وهذه محطة مهمة فى حياتى أعانتنى على حفظ كتاب الله فى سن مبكرة وأن أقرأه على الناس مرتلاً ومجودًا.حفظ كتاب الله
فى عام 1953 بمدينة طنطا تتلمذت على يد الشيخ إبراهيم الطبليهى وكان رجلا كفيفا حافظًا للقرآن بقراءاته الأربعة عشر، وعنده ومعه كنت أجلس وأرافقه من الصباح الباكر إلى مابعد العشاء، فقرأت عليه القرآن برواية حفص عن عاصم ثم أخذت عنه قراءة ورش عن نافع، وذلك كله فى أقل من عام.تفوق ونبوغ
التحقت بمعهد الزقازيق الدينى الأزهرى عام 1954 م، وفى هذا المعهد حصلت على الشهادة الإبتدائية ثم الإعدادية ثم الثانوية وفى هذه المرحلة كان التفوق ملحوظًا فكنت دائمًا من الأوائل واعتليت المنبر بعد السنة الثانية الإعدادية وجلست لتدريس العلوم الإسلامية من التفسير والحديث والفقه وما إلى ذلك منذ دخولى الأزهر فى السنة الأولى الإعدادية مما أكسبنى قدرة خاصة ومكانة مميزة بين الزملاء والناس.اختيار موفق
مرحلة اختيار دخول أصول الدين حيث كنت الأول على معهد الزقازيق، وأنا ممن يكتبون الشعر ويعشقون اللغة العربية، وقد ألح الزملاء على أن ألتحق بدار العلوم أو باللغة العربية ولكنى صممت على الالتحاق بكلية أصول الدين، وفيها بحمد الله اخترت تخصص التفسير وعلوم القرآن عمدا ًوقصدا ًثقة منى أن هذا التخصص يجمع التخصصات الأخرى، ولابد لصاحبه أن يتفوق فى علوم اللغة والحديث وعلوم العقيدة والفلسفة وما إلى ذلك فكان هذا بحمد الله.هؤلاء أساتذتى
عن الشخصيات التى أثرت فى حياته يقول :أعتز دائما بشخصية الإمام عبدالحليم محمود وكنت طالبًا مقربًا منه فى بيته وفى الكلية حيث بدأت علاقتى به فى السنة الأولى حين دخلت مكتبه وبيدى جريدة الأخبار وفيها خبر يقول بأن التصوف الإسلامى يدرسه مستشرق يهودى بجامعة أمريكية، فوضعت الجريدة بين يديه ففهم ما أقصد حيث كان التصوف لايدرس فى أصول الدين وعلى وجه السرعة قرر مادة التصوف على السنة الأولى، وقرر (النقذ من الضلال ) لأبى حامد الغزالى وكان يدرس لنا التصوف الإسلامى والفلسفة الإسلامية فكنت على صلة به فى مكتبه وفى بيته من هذه اللحظة إلى أن أصبح شيخًا للأزهر.
ومن الشخصيات التى أثرت فى حياتى أيضا أساتذتى الأجلاء فى كلية أصول الدين وهم نجوم أضاءت سماء العالم كله وهو أستاذى الجليل الذى ليس له نظير فى العالم الإسلامى وهو أستاذ الحديث وعلومه الشيخ عبدالوهاب عبداللطيف وكان علمًا بارزًا فى علم الرجال أى رجال الحديث، وهناك الشيخ أحمد سيد الكومى رئيس قسم التفسير وهو شيخ المشايخ ووالد هذا الجيل من العلماء من أبناء أصول الدين وهناك أيضا الشيخ فتح الله بدران أستاذ علم الأديان رحمه الله.
الوصايا العشر
وقول د. عبد الفتاح عاشور عن أبرز إصداراته : صدر لى مجموعة لابأس بها كلها تتعلق بالدراسات القرآنية والتى بدأت برسالة الدكتوراة (منهج القرآن فى تربية المجتمع ) وهو كتاب مطبوع فى أكثر من سبعمائة صفحة، و(الوصايا العشر) دراسة مقارنة لآيات من أواخر سورة الأنعام وهناك عدة كتب منها (فى رحاب القرآن) و (من هدى القرآن) و ( فى ضوء القرآن) وهى بالاشتراك مع بعض الأساتذة كما صدر لى (نظرات فى سورة الفرقان) و ( المسلم فى عالم اليوم ) جزئين و ( نظرات نورانية فى سورة الحاقة) و(نظرات نورانية فى سورة الصف) و (شذرات من التفسير الموضوعى ) وغيرها
أما البرامج الإذاعية فهى كثيرة ومتنوعة فى مصر والدول العربية تناولت قضايا المسلمين على امتداد سنوات طويلة بدءًا من عام 1973 إلى يومنا هذا منها فى إذاعة القرآن الكريم (بريد الإسلام) و (لهم البشرى ) وهو تناول خاص لآيات البشرى فى القرآن 330 حلقة و (القسم فى السنة ) 280 حلقة والآن برنامج يسجل ويذاع وهو (النداء فى السنة) وفى إذاعة الرياض (يوميات مسلم) و (دستور الحياة ) 350 حلقة وفى قناة الفتح الفضائية (مفاتيح الجنة ) وفى التليفزيون المصرى (نور القرآن) و (فتاوى وأحكام) و (قضايا ومعالم) وغيرها.
دفء الأبوة
وعن حياته فى جامعة الأزهر وعلاقته مع أجيال الطلاب والأساتذة التى يدرسون فى أروقتها يقول: تربطنى بأبنائى الطلاب علاقة خاصة قائمة على المودة والاحترام والحرص على مصلحة هؤلاء الطلاب وإفادتهم، وبالتالى من أشرف عليهم فى الدراسات العليا يشعرون بدفء الأبوة وصدق المودة والكثير منهم قد انتهى من من دراساته ووصل إلى درجة الأستاذية، ومنهم من تولى عمادة الكليات ورئاسة الأقسام ولكنهم مازالوا يحملون الذكريات العطرة ويذكرون كثيرا مما كنت أقوله لهم فأشعر بكثير من السعادة الغامرة، وهناك غيرهم ممن تخرجوا من الكليات فى مصر والسعودية والإمارات وغيرها من الجامعات العربية.
ويضيف: كعادتى لا أطمع فى طالب ولا أعتبره سلعة أبيع له كتابًا أو أؤدى له محاضرة أتقاضى عليها أجرًا، وإنما أراه حقلاً خصبًا أزرع فى تربته كل الخير وكل الحب للإسلام ورسالته، فيبقى متعلقا بهذا الهدف يؤديه فى أى مكان يكون فيه، وهكذا تبقى العلاقة مضيئة أسأل الله أن يجعلها سببًا لنجاتى من النار وبابًا يغفر الله به الذنوب ويستر به العيوب وما ذلك على الله بعزيز.سلوك منضبط
كيف اهتمّت الشريعة الإسلامية بالتنمية ؟
الشريعة الإسلامية هى الجانب العملى فى الإسلام بعد استقرار عقيدة التوحيد فى القلب، وهذه الشريعة تحيط بكل احتياجات الناس تنظم حياتهم وفق منهج الله، فالإنسان الذى بناه الإسلام عقيدة وشريعة إنسان سوى منضبط فى سلوكه مع نفسه ومع ربه ومع الآخرين، فهو إنسان كله خير إذا كُلّف بعمل أداه طاعة لمولاه، لايراقب أحدًا من خلق الله إنما يراقب الله الذى يراه، وأمة هذا حالها أمة منتجة لأنها أمة عاملة ومخلصة يتحقق فيها العدل والأمن ويسود فيها الإخلاص وأى خطة للتنمية إن لم تقم على هذه الأسس فهى خطة فاشلة ولن يتحقق بها شئ، فطريق العالم كله من المسلمين وغير المسلمين لابد أن يعود لشريعة الله يضبط بها خطاه على الطريق فتتحقق السيادة والريادة والقيادة وتتوفر متطلبات الحياة لكل من يعيش على هذه الأرض.إلى أى مدى اهتمّت الشريعة الإسلامية بالتربية؟
اهتمام الشريعة بالتربية منهج متكامل يواكب خطى الإنسان فى كل مراحل حياته وأحواله، ومن أجل هذه التربية واهتمام الشريعة بها كتبت رسالة الدكتوراه التى أشرت إليها (منهج القرآن فى تربية المجتمع) وفى بداية هذا الكتاب دراسة وافية عن أحوال العالم وبخاصة المجتمع العربى قبيل الإسلام لترى فيه حلا متدنيا كئيبا كله حزن ودموع احتاج إلى رحمة الله بهذا الإنسان فاختار محمدا صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا للعالمين فكان من خصائصه أنه الرحمة المهداة والنعمة المسداة والسراج المنير.كلمة توجهها لقراء جريدة الفتح اليوم؟
أمل ورجاء لمن يقرؤون جريدة الفتح اليوم ألاّ تكون من باب التسلية وإنما يأخذوا منها المنهج والمثل والقدوة لننطلق سويًا لإنقاذ مستقبل هذه الأمة مما يبيت لها أعداؤها من نشر الفرقة والعداء والتقاتل وكأننا أعداء ولسنا أبناء وطن وأمة واحدة، نقرأ إذا هذه العبارات التى تفيض إخلاصا وحبا لهذا الدين ولهذه الأمة لتكون طريقا لسعادتنا فى الدنيا والآخرة. وهل يغفل السعادة فى الدنيا والآخرة أحد من العقلاء ؟ نسأل الله أن يلهمنا السداد والرشاد بمنه وكرمه فإنه نعم المجيب.
عبدالفتاح عاشور .. أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة