من الصفات الكريمة التي ينبغي أن يتحلى بها المسلم وخاصة من يتصدى لدعوة الناس إلى الخير ونهيهم عن الشر، لين الجانب وحسن الخلق، ليكون التأثير أبلغ والاستجابة أقوى، وهذه الصفة من أهم ما يجب أن يتحلى بها الداعية في طريق الإصلاح والتبليغ والدعوة إلى الله.
يقول الدكتور رمضان المحلاوي في كتابه «من أخلاق الإسلام»: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليناً رفيقاً بأتباعه في كل أحواله بدون إفراط أو تفريط بسبب الرحمة العظيمة التي منحه الله إياها». قال تعالى: «فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك»، .
فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن فظاً غليظ القلب، ولذا التف أصحابه من حوله يفتدونه بأرواحهم ويحبونه حباً يفوق حبهم لأنفسهم ولأولادهم ولآبائهم ولأحب الأشياء لديهم، فقد كان رحيماً بالمؤمنين، قال تعالى: «لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم»، (سورة التوبة الآية: 128).
وكان صلى الله عليه وسلم يأمر بالرفق، روى البيهقي عن عمرو بن شعيب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أمر بمعروف فليكن بمعروف». وروى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه».
المربي الأعظم
وروى الإمام أحمد عن أبي أمامة رضي الله عنه أن غلاما شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا نبي الله أتأذن لي في الزنى» فصاح الناس به فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «قربوه.. ادنُ» فدنا حتى جلس بين يديه فقال عليه الصلاة والسلام: «أتحبه لأمك؟» قال: لا، جعلني الله فداك، قال: «كذلك الناس لا يحبونه لبناتهم» وزاد الراوي ابن عوف حتى ذكر العمة والخالة، وهو يقول في كل واحدة: لا، جعلني الله فداك والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «كذلك الناس لا يحبونه» ثم وضع الرسول صلى الله عليه وسلم يده على صدره، وقال: «اللهم طهر قلبه واغفر ذنبه وحصن فرجه» فلم يكن شئ أبغض إليه من الزنى.
ومن صور رفق النبي صلى الله عليه وسلم ما ذكره الشيخ محمود المصري في كتابه «ليلة في بيت النبي صلى الله عليه وسلم»: عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من قومي فأقمنا عنده عشرين ليلة وكان رحيما رفيقا، فلما رأى شوقنا إلى أهلينا، قال: «ارجعوا فكونوا فيهم وعلموهم وصلوا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم»، (متفق عليه).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابياً بال في المسجد فثار إليه الناس ليقعوا به فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوه وأهريقوا على بوله ذنوبا من ماء أو سجلا من ماء فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين»،
وأيضا عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه»، (متفق عليه).
وعن رحمته صلى الله عليه وسلم في الحرب روي عن ابن عمر رضي الله عنهما «أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة مقتولة في بعض مغازيه، فأنكر قتل النساء والصبيان»، (متفق عليه). وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بعد أن انتصر المسلمون في غزوة حنين بامرأة مقتولة والناس مزدحمون عليها، فقال: ما هذا ؟ قالوا: امرأة قتلها خالد بن الوليد فقال: «أدرك خالداً فقل له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاك أن تقتل وليداً أو امرأة أو عسيفا»، (سيرة ابن هشام).
الرفق بالحيوان
يقول هشام حسين في كتابه «قصص الأخلاق»: حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الغلظة والقسوة، فقال صلى الله عليه وسلم: «لا تنزع الرحمة إلا من شقي» وذات يوم رأى رسول الله رجالاً جالسين على ظهور دوابّهم يتحدثون كأنهم اتخذوا الدواب كراسي يجلسون عليها، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال لهم: «اركبوها سالمة ودعوها سالمة، ولا تتخذوها كراسي لأحاديثكم في الطرق والأسواق، فرب مركوبة هي خير من راكبها وأكثر ذكراً لله منه».
وأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة دخلت النار من أجل قسوتها وغلظتها مع قطة، وفي يوم من الأيام دخل النبي صلى الله عليه وسلم حديقة فوجد جملاً يبكى، فلما اقترب النبي صلى الله عليه وسلم من الجمل ومسح بيديه الشريفتين على سنامه اطمأن الجمل وتوقف عن البكاء، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب الجمل: « أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها، فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتتعبه في العمل» أي تحمله ما لا يطيق ولا تعطيه حقه من الطعام والراحة.
وفي أحد أسفار النبي صلى الله عليه وسلم نزل المسلمون وادياً ليرتاحوا فيه، فجاء رجل من المسلمين ببيضة لطائر (الحمرة)، فجاء الطائر يرفرف بجناحيه فوق رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال صلى الله عليه وسلم: «أيكم أخذ بيضتها؟ » فقال الرجل: أنا يا رسول الله أخذت بيضتها. فقال صلى الله عليه وسلم: «ارددها رحمة لها».
«من لا يرَحم لا يُرحم»
ويحكى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ذات يوم يداعب الحسن ويقبله، فدخل عليه أحد أصحابه، فتعجب مما رأى وقال: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «من لا يَرحم لا يُرحم».
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى معه، فلما فرغ من الصلاة دعا ربه بصوت مرتفع فقال: اللهم ارحمني ومحمدا ولا تشرك في رحمتنا أحدا. فأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبين له أن رحمة الله واسعة، فقال له: «إن الله خلق مئة رحمة، فأنزل رحمة يتعاطف بها الخلق جنها وإنسها وبهائمها، وعنده تسعة وتسعون».
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يرحم كل من يرحم الناس، فقال صلى الله عليه وسلم: «ارحم من في الأرض، يرحمك من في السماء». وذات يوم أراد الصحابي أبو مسعود الأنصاري أن يضرب خادماً له يريد أن يؤدبه، فلما هم بضرب الخادم سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول له: «اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام». فاعتذر أبو مسعود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: لا أضرب مملوكاً بعده أبداً، وهو حر لوجه الله. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أما لو لم تفعل لمستك النار».