د. شعبان عبد الجيد مدرس الأدب والنقد،
بكلية التربية جامعة مدينة السادات
أكثرُ المتخصِّصين في اللغة العربية يَدينون بفضلٍ كبيرٍ لكتاب ( النحو الوافي )، وهو كتاب ضخمٌ يقع في أربعة مجلدات كبار، ويعدُّونه المرجعَ الأكبرَ فيما يعترضُهم في النحو والصرف من صعوباتٍ ومشكلات. لكن كثيرين منهم لا يعرفون أن لصاحبه، الأستاذ عباس حسن، كتباً أخرى غيرَه، وأن من بينها دراسةً أدبيةً قلَّ مثالُها وعزَّ شبيهُها، عن ( المتنبي وشوقي )، لم يُسْبَق في جرأتها ولم يُلْحَق في خُطَّتها، ولم تنل، لا هي ولا مؤلفُها، ما يستحقان من العناية والدرس والتقدير .
وُلِدَ عباس حسن في مدينة منوف بمحافظة المنوفية سنة 1901، وحفظ القرآن الكريم طفلاً، والتحق بالأزهر الشريف فأتم فيه المرحلتين الابتدائية والثانوية الأزهرية . ثم التحق بعد ذلك بدار العلوم وتخرّج منها عام 1925، وكان من أوائل دفعته .
عمل بالتدريس لمدة عشرين عاماً، وشارك خلال تلك الفترة في تأليف العديد من الكتب المدرسية في مختلف المراحل التعليمية . وفي عام 1944 عُيّن في دار العلوم، وترقَّى في الدرجات العلمية حتى أصبح رئيساً لقسم النحو والصرف والعروض في الكلية، وظل بها حتى سن التقاعد . واختير أيضاً عضواً بمجمع اللغة العربية بالقاهرة سنة 1967، ولمدة اثني عشر عاماً .
ترك عباس حسن عدداً قليلاً من المؤلفات، كان " النحو الوافي " أكثرَها شهرةً وانتشاراً بين جمهرة القارئين، وتأتي من بعده كتبُه : " اللغة والنحو بين القديم والحديث"، و " رأي في بعض الأصول اللغوية والنحوية "، و " المطالعة الوافية " وقد ألفه بالاشتراك مع آخرين، أما درته الفريدة عن " المتنبي وشوقي " فهي التي سأقف عندها هنا، لعلي ألقي عليها ضوءاً كاشفاً يُعَرِّفُ بها ويَهدي إليها .
صدرت الطبعةُ الأولى من هذا الكتاب عن مطبعة عيسى البابي الحلبي سنة 1951، وكان المؤلفُ أيامها أستاذاً مساعداً في كلية دار العلوم بجامعة فؤاد الأول، ثم صدرت منه طبعةٌ ثانية في سلسلة مكتبة الدراسات الأدبية عن دار المعارف بمصر سنة 1964، ولا أعرف ـ على حد علمي ـ أنه طبع بعد ذلك مرةً أخرى إلى يوم الناس هذا !
ذهب الرجلُ إلى أن شوقي ليس أمير الشعراء في عصره فحسب، بل هو أمير الشعراء العرب في كل العصور . وانتهى بعد دراسةٍ فنية أمينةٍ وموازنة نقديةٍ عميقةٍ بين المتنبي وشوقي إلى أن الأخير هو شاعرُ العربيةِ كلِّها ؛ حاضرِها، وماضيها، قديمِها الغابر، وحديثِها القائم . أما مستقبلها فغيبٌ لا يعلمه إلا الله .
وهو لا يعني بهذا أن شوقي تفرَّدَ بالمزايا الأدبية كلها، ولا أنه تنزه عن العيب الفني وبَرِئَ من الزلل، ولكنه جمع من المزايا الأدبية العالية ما لم يجمعه غيرُه من أدباء لغته . وكان يدرك أن هذا اللقبَ السابغَ الذي أضفاه عليه ليس إلا دعوى كسائر الدعاوى ؛ لا تصحُّ إلا بحجة قويةٍ وبرهانٍ مبين، وهو ما كلَّف نفسه بأدائه والقيام بأعبائه، وكانت حجته الغالبة فيه مستمدةً من المقاييس العربية وضوابط نقدها الأدبي، ومعايير البلاغة التي دوَّنها الثِّقاتُ من أعلام العربية .
دَرَسَ الأستاذ عباس حسن في كتابه رسالةَ الشاعر ونصيبَ المتنبي وشوقي منها، وتناول بالتحليل والتفصيل عناصرَ " الألفاظ والمعاني والموضوعات والأغراض " التي عالجها الشاعران، وتوقف عند الحكمة التي اشتهرا بها، كما عرض لأخلاق الشاعرين كما تبدو في شعرهما، وانتهى بعد ذلك كلِّه إلى حُكْمِهِ الأخيرِ عليهما، وهو أن شوقي " شاعر العربية الأكبر، وأميرُ بيانها المجلِّي " . وهو ما قد يوافقه عليه القارئُ الكريمُ أو يُخالفه فيه ؛ بشرط أن يقرأ هذا الكتابَ القيِّمَ بشيءٍ من الحَيْدة والمَهَلِ والأنَاة !!