بقلم أحمد الجعبري
اقتضت حكمة الله تعالى في خلقه أن نكون متمايزين مختلفين، فقد يشابه الإنسان أخاه ولكن الطباع والقلوب مختلفة والنفوس والعواطف متغيرة، ولذا كان على المسلم أن يكون فطنا يعرف كيف يكاشف القلوب ويعرف أسرارها فيحسن الظن بأهل الصفو ويرفق بهم؛ ولا يتساوي الكل لديه أو يجعل ميزانه واحدا يرضخ الجميع لكفتيه بلا روية أو تأن..
ليس من العدل أن يتساوى حسن النية بخبيثها، فمن يسعى إلى سبيل ليس كمن يسعى ليخالفه. ولنا من رسول الله أعظم أسوة حينما جاءه أعرابي. وقال له يا محمد: أعطني من مال الله الذي أعطاك. وقالها دون احترام لعظيم قدر رسول الله، حتى غضب صحابة الرسول وهموا أن يقوموا عليه ليقتلوه، ولكن الرسول الكريم تبسم إليه وقام يعطيه ما يريد، ويسأله هل رضيت؟ فيرد الأعرابي: لا والله ما أكملت وما أنصفت، فيزيده النبي، ويسأله هل رضيت، فيقول الأعرابي، لا والله ما أكملت وما أنصفت.
وتنظر إلى الصحابة الكرام حينها ما تجد إلا رغبة في قتل هذا الأعرابي جزاء وقاحته، ولكنك تعجب مما ترى من الكريم صلى الله عليه وسلم حين يأخذه من يده إلى بيته الشريف، ويعطيه ويزيده ويزيده ويزيده حتى قال الأعرابي لقد رضيت. فيطلب الرسول الكريم منه قبل أن يذهب أن يرجع إلى أصحابه، ويقول "لأن في نفوس أصحابي منك شيئا فارجع إليهم حتى يرضوا عنك".. فيرجع إليهم الأعرابي ويمدح الرسول أمامهم حتى تصفى قلوبهم له.
وبعد زمن ليس ببعيد يأتي رجل آخر إلى النبي الكريم، ويقول: يا محمد أعطني. فيعطيه الرسول الكريم؛ فيرد عليه الرجل ما عدلت يا محمد، فيرد عليه الرسول الكريم ردا عنيفا قاسيا: "من يعدل إن لم أعدل" ويرفض الرسول أن يزيده شيئا. ويذهب الرجل بعيدا ويلتفت النبي الكريم إلى أصحابه ويقول "يخرج من هذا من يمرق من الدين كما يمرق السهم من الرمية". وبالفعل يكون الرجل فيما بعد زعيما لفرقة من الخوارج. فهكذا كان رسول صلى الله عليه وسلم يكاشف القلوب ويعاملها بما تحمل ويفرق بينها جيدا؛ فحسن الظن والإحسان لأهل الطيب والسبيل والعدل فقط لغيرهم.
المساواة لا تعني العدل أحيانا..
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة