لم يكن يعرف الصيادلة حينما بدأت شركات الأدوية في إعطائهم الأدوية الجاهزة لعرضها في صيدلياتهم أنهم بذلك يتنازلون عن مهنتهم الحقيقية، ويقلعون عن الأدوية المركبة ليحولوا أنفسهم بأيديهم تحت تأثير الدواء الجاهز إلي مجرد بائعين في سوبر ماركت الصيدلة بعد أن بهرتهم مميزاته الربحية ونسب الأمان العالية به.
لكن سرعان ما أدرك الصيادلة أن دورهم في العملية العلاجية يتلاشي، برغم قدرتهم علي تركيب أدوية فعالة تتلاشي الآثار الجانبية لمعظم الأدوية الجاهزة وفقا لظروف كل مريض والسؤال من وراء اختفاء ادوية التركيب بالصيدليات؟!
في البداية يوضح الدكتور وليد السمان أخصائي الأمراض الجلدية الفرق بين الدواء الجاهز والدواء التركيب قائلا إن الدواء التركيب يراعي فيه الطبيب والصيدلي حالة كل مريض يعالجه: الجسمانية والنفسية وهل حالته المرضية شديدة أم حادة أم مزمنة.. فكل حالة من الحالات السابقة تحتاج إلي نسب دوائية مختلفة عن الاخري ولايمكن التحكم فيها الا عن طريق الدواء التركيب.
أما الدواء الجاهز فيخطئ العديد من الأطباء باعتقادهم أن الدواء الجاهز هو الوسيلة الفعالة لعلاج المرضي! ولايضعون في اعتبارهم أن الدواء الجاهز قد يكون مفيدا في البلد الذي أنتجه فقط لأنه يراعي ظروفها المناخية والتركيبة الجسمانية والنفسية والاجتماعية للسكان في هذا المكان.. والتي تختلف من دولة لأخري، وبالتالي فالدواء الجاهز المفيد في امريكا قد يكون ضارا جدا في السودان.
ويشير الدكتور محمود الحفناوي أستاذ الأمراض الجلدية إلي أن الدواء التركيب له مميزات كثيرة عن الدواء الجاهز.. فآثاره الجانبية أقل وفاعليته أسرع وسميته أقل، ويمكن من خلال الدواء التركيب دمج أربعة أدوية في دواء واحد مما يقلل التكلفة ويزيد من فاعليته.
ويؤكد ذلك الدكتور محمد البتانوني أستاذ الامراض الصدرية والحساسية ـ قائلا إن الدواء التركيب له ميزة أخري عن الدواء الجاهز حيث إنه يتم تحضيره فور طلب المريض له بعكس الدواء الجاهز والذي قد يظل لعدة أعوام علي الارفف في الصيدلية مما يفقده فاعليته قبل انتهاء فترة صلاحيته أو قد تتفاعل المواد المركبة للدواء الجاهز وتنتج مادة أخري قد تكون ضارة بصحة المريض.
ويرجع الدكتور زكريا جاد نقيب الصيادلة اختفاء تركيب الدواء من الصيدليات إلي هيمنة شركات تصنيع الدواء.. مما أدي بدوره إلي غلق معامل تركيب الدواء بالصيدليات.. وزاد الامور تعقيدا أن60% من الدواء أصبح في شكل أقراص وكبسولات يصعب تركيبها.. فغلق المعمل ليس بسبب عدم معرفة الصيدلي بطرق تركيب الدواء، بل نتج عن اختفاء التركيبات من روشتات الاطباء والذي يرجع الي الغاء مادة تركيب الأدوية من مناهج كليات الطب فالصيادلة هم أنفسهم الذين يقومون بتركيب الدواء في شركات تصنيع الدواء الكبري.
ويؤكد الدكتور علي إبراهيم أن فاقد الأدوية الجاهزة في مصر والعالم العربي يقدر بنسبة30% من الدواء المستخدم أي حوالي4 مليارات جنيه يتم إهدارها.. حيث أن المريض يشتري مثلا علبة دواء بها20 قرصا لايتعاطي منها المريض سوي8 حبات ويتخلص من الباقي.. ونحن بصدد إصدار قرار إلزامي يجبر شركات تصنيع الأدوية علي تصنيع عبوات صغيرة.. أما في حالة تركيب الدواء في الصيدليات الخاصة أو الصيدليات التابعة للمستشفيات الحكومية فإن هذا الفاقد سيتلاشي.
ويضيف الدكتور جمال جودة صيدلي أن الاطباء الجدد ساعدوا شركات تصنيع الدواء علي سلب مهنتهم تحضير الدواء من داخل صيدلياتهم بعدم معرفتهم بكتابة الروشتات التي تحتوي علي الدواء التركيب.. هذا بالإضافة إلي العلاقة المشبوهه والبيزنس بين بعض الأطباء وشركات تصنيع الدواء العالمية والدليل علي ذلك اختفاء أسماء التركيبات وظهور الاسم التجاري وماركات الأدوية الجاهزة بدلا منها.