الأستاذة / سمية رمضان
مستشار أسرى
فى زحمة الحياة، تصادفنا المشكلات، فهناك من يقابلها بثقة وثبات، وهناك من يرتبك ويغرق فى بحارها؛ لذا خصصنا هذه السطور لنطرح الأفكار ونقدم الحلول التى تساعدنا فى تخطى تلك المشكلات، والعبور مع قرائنا الأعزاء إلى بر الأمان.
أنا أم ومشكلتى أننى لا ألتزم بالصلاة.. أحيانًا تمر شهور لا أصلي، وكذلك زوجى الذى يصلى فقط صلاة الجمعة.. وكذلك أبنائى لا يصلون، وأكبرهم عمره 14 عامًا لا يصلى وكذلك الأصغر منه. أرجوكم أرشدوني، فأنا تائهة، وتزداد على المشاكل والإشاعات من المقرّبين مني، وأنا طيبة وبريئة منها.. أرشدوني. و جزاكم الله خيرا.
أختى الحبيبة .. الحائرة حينما قرأتُ رسالتك بدأت أشعر بألم ممزوجٍ بفرحة، وستتعجبين حين أقول لكِ: إنّ مصدر فرحتى هو المشكلات والشائعات التى تزداد حولك.. أراكِ تتعجبين!.. لا تتعجبي، فهذه المشكلات قد تكون إحدى الرسائل الربانية التى ستكون سببًا فى صحوتك إن شاء الله، فحين تضيق بنا الدنيا ولا نجد من البشر نصيرًا أو معينًا، ونفتقد العون والملاذ، فليس لنا ملاذ إلا الله يا حبيبتي، فمن لنا غيره؟ فإذا كنتِ تبحثين عن العزة والكرامة والمكانة المرموقة، فطريقها اتباع المنهج الإسلامى القويم، كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: “ كنا أذلاء فأعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة فى غيره أذلنا الله”.
والإسلام بناء متكامل، وعماد ذلك البناء الصلاة؛ قال صلى الله عليه وسلم: “رأسُ الأمْرِ الإِسْلامُ (أي: هو للدِّين بمنزلة الرأس من الجسد)، وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الجِهادُ” [الترمذي]. فهيا حبيبتي، ولنبدأ من الآن، قومى وتوضئى وقفى بين يدى الله بنفس يملؤها الرجاء فى عفو الله ورحمته، فالفرق بين المسلم والكافر الصلاة، فعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: “إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة” [مُسلِم]. ولأنّ الصلاة عماد الدين، فمن أقامها فقد أقام الدين ومن هدمها فقد هدم الدين.
وهى أول ما يحاسب عنه المرء يوم القيامة فإذا صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله؛ فعن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: “إنّ أولَ ما يُحَاسَبُ به العبد يومَ القيامةِ من عملهِ صَلاتُه، فإن صَلُحَتْ فقد أفلحَ وأنجحَ، وإن فَسَدَتْ فقد خابَ وخسرَ، فإن انتقصَ من فريضته شيءٌ قال الرب عز وجل: أنظروا هل لَعْبْدِيَ منْ تطوعٍ؟ فيُكْمِلُ بها ما انتقصَ من الفريضةِ، ثم يكونُ سائرُ عملِهِ على ذلك” [الترمذى والنسائي].
لماذا لا تصلين؟فإذا كنتِ تتركين الصلاة تكاسلاً، فهيا انزعى عن نفسك ذلك الكسل، فالعمر قصير وعذاب الآخرة عسير، وإذا كنتِ تتركين الصلاة بسبب مشاغلك الأخرى، فهل يوجد فى الدنيا ما هو أهمُّ من الصلاة؟! إن الله لا يبارك فى عملٍ يُلهى عن الصلاة، فهلمى إلى الصلاة يا حبيبتي؛ حتى يبارك الله لكِ فى دنياكِ وفى أخراكِ، والآن يا حبيبتى ماذا لو جاءك الموت الآن دون سابق إنذار؟ هل ستنفعك الدنيا بأسرها؟ هل سينفعكِ هؤلاء الناس الذين تهتمين بكلامهم؟ لن ينفعكِ إلا عملك الصالح، والصلاة أول ما تحاسبين عنه كما تقدّم، فإياكِ والتقصير فيها، فلقد أعد الله واديًا فى جهنم اسمه (ويْل) للساهين عن الصلاة، الذين يأخرون الصلاة عن وقتها، قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}، فما بالك بمن لا يصلى أصلاً!
فاحرصى حبيبتى على الطاعات، واجتنبى المعاصي، حتى لا يمنعكِ الله نعمة الطاعة والقرب منه، فكما أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فكذلك المعاصى تمنع الطاعات، قال بعض الصالحين: كَمْ مِن أكْلة منعتْ قيام ليلة، وكم من نظرة منعتْ قراءة سورة، وإنّ العبد ليأكل أكلة، أو يفعل فعلة، فيُحرم بها قيام سنة، وكما أنّ الصَّلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فكذلك الفحشاء تنهى عن الصلاة وسائر الخيرات.
هيا يا حبيبتي، ابدئى من الآن، لا تفوِّتِى فرضًا، وحاولى الزيادة من النوافل بقدر المستطاع، تذوقى لذة القرب من الله، لذة مناجاة الله، لذة الوقوف بين يدى الله بنفس يملؤها الخوف الممزوج بالرجاء، ولم لا تجربين؟!
أما بخصوص أولادك الذين لا يصلون، فحل مشكلتهم فى يدك أنتِ دونَ غيركِ، فالحل هو أن يروكِ تصلين قبل أن تأمريهم بالصلاة، فأنتِ قدوتهم، والقدوة العملية هى أهم أسباب نجاح التربية، وإذا كانت هذه الخطوة جاءت متأخرة سبع سنين، فابنك الأكبر عمره الآن أربع عشرة سنة، وكان يجب أن تبدئى فى تعليمه وتدريبه عند تمام سبع سنوات، كما علمنا نبينا صلى الله عليه وسلم حين قال: “مُرُوا أَوْلاَدَكُم بالصّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْع سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ سِنينَ، وَفَرّقُوا بَيْنَهُمْ فى المَضَاجِعِ” [أبو داود].
وهذا التقصير خلال الفترة الماضية سيتطلَّب منكِ بذل جهد مضاعف لإصلاح ما فسد، فهذا دوركِ الذى ستحاسَبين عليه يوم القيامة، فكلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، ودورنا هو أن نتولّى أبناءنا بالرعاية والاهتمام والتنشئة الإسلامية الصحيحة، وغرس القيم والمبادئ الإسلامية داخل نفوسهم، هيا ابدئى من الآن حبيبتي، واستعينى بالله فإنه نعم المولى ونعم المعين، وأنا على ثقة أنكِ ستؤدين دورك على أكمل وجه، فأنت ابنة الإسلام التى لا ترضى لنفسها إلا النجاح والتفوق.
ولكنّ الأمر سيحتاج منكِ إلى جهدٍ غير عادي، وإلى إرادة قوية، فالتعليم فى الصغر كالنقش على الحجر، والتعليم فى الكبر كالنقش على الماء أو الهواء، ولكن الأهداف السامية يهون من أجلها كل غالٍ، وهذا هو أسمى وأغلى هدف، إنه تربية النشء المسلم، استعينى بالله، وعليكِ بالدعاء، فهو سلاح المؤمن، أصلح الله شأنك وشأن أولادك.
واعلمى أنّ عليكِ مسئولية كبيرة فى إيقاظ همة زوجك، شجعِيهِ على الصلاة، وتعاوَنَا على الطاعة حتى تسعد حياتكما وتنعما بالثواب العظيم فى الآخرة إن شاء الله.. جاهدى نفسك، وجاهدى الشيطان، وابدئى من الآن، ولكن ما لفت نظرى حقًّا فى مشكلة زوجك أنَّه يصلى يوم الجمعة فقط، وهذا أمر خطير؛ لأنّ العبادة عنده تحولتْ إلى عادة؛ حيث يرى الناس يذهبون إلى الصلاة يوم الجمعة فيذهب مثلهم.
ولكنّ المسلم- أختى الحبيبة- يحوّل العادات إلى عبادات وليس العكس، فما المانع أن يكون كل عمل نقوم به عبادة لله، حتى الأكل والشرب واللعب، وذلك بإحسان النية. إنّ الأمر خطيرٌ جدًّا، نحن خُلقنا للعبادة، فلا يجب أن تشغلنا عن العبادة أشياء أخرى، حبيبتي.. يا أيتها الأم المعذبة، ألا تسمعين صوت المؤذن ينادي: حى على الصلاة حى على الصلاة.. إنّها دعوة للراحة والخلاص من الهموم، أختاه.. ها هو الله يناديك فهل تلبين؟!
أما بخصوص الشائعات التى تحيط بك من أقرب المقرَّبين لك، فإنها حتمًا ستنتهى بإذن الله، فمن أصْلَحَ ما بينه وبين الله، أصلح الله له ما بينه وبين الناس كل الناس، بل ستستشعرين بسعادة لم تكونى تشعرين بها من قبل، فالإيمان يرتقى بالمرء إلى عالم نوراني، عالم تملؤه السعادة والطمأنينة، عالم مليء بالخير والحب والأمان، وستصبحين مثالاً يحتذَى به، ستصبحين كالشمس المشرقة؛ تعطى دفئها ونورها للجميع، ويرنو إليها كل من حولها، يستمدون منها الدفء والنور، ولكنهم لا يستطيعون لمسها أو مسها بسوء، فهى مرتفعة عالية سامية بعيدة المنال، فما أحلى الحياة فى طاعة الله وفى قربه!
وأخيرًا يا حبيبتي، أدعو الله لكِ أن يشرح صدرك، وييسر أمرك، وأن يصلح لكِ زوجك وأبناءك، وأن يبعد عنك كيد الشيطان ووساوسه، وأن يجعل بيتكم بيت صلاح وتقوى، وأن يجمعنا الله بكِ فى الفردوس الأعلى إن شاء الله، وأرجو أن تتابعينا بأخبارك، ولا تنسينا من فضل دعائك.
أنا وزوجى وأبنائى لانُصلّّى !
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة