الأستاذة / سمية رمضان
مستشار أسرى
فى زحمة الحياة، تصادفنا المشكلات، فهناك من يقابلها بثقة وثبات، وهناك من يرتبك ويغرق فى بحارها؛ لذا خصصنا هذه السطور لنطرح الأفكار ونقدم الحلول التى تساعدنا فى تخطى تلك المشكلات، والعبور مع قرائنا الأعزاء إلى بر الأمان.
كيف للمرأة المسلمة الموازنة بين متطلبات الحياة اليومية التى لا تكاد تنتهى بما فيها من صخب وضوضاء وبين علاقتها الايمانية بخالقها والتى غالبا ما تفتر وتتحول الي مجرد حركات تؤديها بسرعة وغالبا ما تقتصر على الصلاة المفروضة وقراءة بعض الآيات علي عجل فتتحول حياتها الي طاحونة من العمل والواجبات اليومية الى ان تسقط دون ان تكون مستعدة ؟ حمدي– مصر
الأستاذ الفاضل/ حمدي
أهلا ومرحبا بك في جريدة الفتح اليوم.. لقد أسعدتني رسالتك حقا، والتي كانت بعنوان: الموازنة.. نعم أخي الفاضل، فالحل هو التوازن. ومن فضل الله علينا أنه لم يكلفنا فوق طاقتنا، بل أعطانا من التكاليف ما نستطيع عمله، ومن المسئوليات ما نستطيع حمله، فسبحانه وتعالى، عليم بقدراتنا، ولكن علينا بعض التنظيم، حتى نستطيع التوفيق بين كل هذه المتطلبات بشيء من الحكمة، وأن نرتب أولوياتنا، الأهم فالمهم.وكما قلت أخي الفاضل، فربما سقطنا فجأة دون سابق إنذار، فالموت لا يستأذن أحدا، فمن منا يضمن إذا تنفس أن يخرج النفس مرة أخرى، من منا يضمن أن يهنأ في تلك الحياة، ولو لأيام عديدة. إنها الدنيا الزائلة التي نجري وراءها ونلهث، وفي النهاية تتركنا دون سابق إنذار. فقد كَانَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- يَقُولُ: كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِى أَهْلِهِ وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ. [البخاري].
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: نَامَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى حَصِيرٍ فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ فِى جَنْبِهِ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اتَّخَذْنَا لَكَ وِطَاءً. فَقَالَ «مَا لِى وَمَا لِلدُّنْيَا مَا أَنَا فِى الدُّنْيَا إِلاَّ كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا» [الترمذي]. رآها النبي في ليلةِ الإسراء والمعراجِ امرأةً كبيرةً في السنِّ عجوزًا شمطاء مخيفةً، عليها حليٌّ وجواهر وزينة، فما التفتَ إليهَا النَّبِيُّ، وهو لا يدْرِي من هي، فسألَ جبريلَ: منْ هذه يا جبريل؟ قالَ: (هذه هي الدنيا يا رسولَ الله).
ومن يأمل الدنْيَا يكنْ مثلَ قابضٍ ** على الماءِ خانَتْهُ فروجُ الأصابعِ
وقد أعجبني كثيراً تشبيه الداعية الإسلامي الدكتور عمر عبد الكافي للدنيا حينما قال: أستطيعُ أنْ أُشبِّه موقفَنَا مِنَ الدُّنيا بركّابِ سفينةٍ، طلبَ منهم القبطانُ أنْ ينزلُوا فِي جزيرةٍ، ثمَّ يعودُوا سريعًا، فانقسمُوا ثلاثةَ أقسامٍ:
قسمٌ منهمْ قَدْ عادَ سريعًا. والقِسْمُ الثانِي ملأ كيسًا بالأصدافِ والمحارِ والنباتاتِ والزهورِ مِنَ الجزيرةِ، ثمَّ عادَ فوجدَ المكانَ الذِي فِي السفينةِ لا يتسعُ لهُ ولِمَا يَحْمِلُ، فحَمَلَ مَا كانَ مَعَهُ وجلَسَ متأذيًا، والقسمُ الثالثُ أعجبتْهُمْ الجزيرةُ، فعَاشُوا فيهَا ونَسُوا أنفسَهُمْ ونَسُوا السَّفِينَةَ حتَّى أبْحَرَتْ وتَرَكَتْهُمْ. وهذا الإمامُ علي بن أبي طالبٍ t يلخص لنا الأمر فيقولُ: (الدنْيَا إذَا حلتْ أوحلتْ، وإذا كستْ أوكَسَتْ، وإذا أيْنَعَتْ نعت، وإذَا جَلَتْ أوجلَتْ، كَمْ منْ ملكٍ رفعتْ لهُ علامات، فلمَّا علا مات، ولا يبْقَى إلا وجه ربك ذو الجلالِ والإكرام).
نصيحة. وأسمعكم تقولون: ألا نستمتع بنعم الدنيا؟ ألا نتقدم للأمام؟! وأنا أقول لكم: بل تقدموا وانهضوا، واسعوا في طلب الدنيا، فكلنا يسعى في طلب الدنيا، وهذا ليس عيبًا، على العكس فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف؛ والمال قوة، والشهرة قوة، والسلطة قوة، والعلم والتقدم قوة، وهذه القوة هبة من الله لنا، ولذلك يجب أن نستغلها في طاعته ورضوانه، وإلا سلبها منا.
فهل فكرت معي في توظيف هذه القوة في طاعة الله، والأخذ بيد الآخرين للعودة إلى الله، فتتحول دنيانا إلى جنة، فتصبح الجنة جنتين، جنة في الدنيا ننعم فيها بلذة الطاعة، وجنة في الآخرة، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. يقول الله تعالى: )وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَان ( [الرحمن: 46].
هذه فرصة لنفهم الدنيا، فهي ليستْ دارَ تكريمٍ، بل دار ابتلاءٍ، إنها عرض زائل يأكلُ منْهُ البرُّ والفاجرُ، والآخرةُ وعدٌ صادقٌ يحكمُ فيها ملكٌ عادلٌ يحقُّ الحقَّ ويبطلُ الباطل، ولا يفوز إلا المتقون، قال تعالىإِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ( [الحجرات: 13].
تزود من التقوى فإنك لا تدري ** إذا جن عليك ليل هل تعيش إلى الفجر
فكم من صحيح مات من غير علة ** وكم من سقيم عاش حينا من الدهر
وكم من صبي يُرتجي طول عمره ** وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري
ربما أتاك الموت فجأة دون سابق إنذار، فتبعث على ما مت عليه، فهل تخيلت مثلاً أن تموت وأنت ساجد، وتبعث وأنت ساجد، لم لا؟ فما عليك إلا المداومة على الطاعات، حتى تستحق الموت على الطاعة. فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَعِيرِهِ فَوُقِصَ (كُسر عنقه) فَمَاتَ فَقَالَ «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّياً» [متفق عليه].
سؤالٌ أطرحه عليك..نعم أنت: على أي شيء تحب أن تموت؟ هل تحب أن تموت ساجدًا.. راكعًا.. حاجًّا.. آمرًا بمعروفٍ أو ناهيًّاٍ عن منكر.. ماشيًا في حوائج الناس؟ هل تحب أن تموت شهيدًا؟ فمن طلب الشهادة بحق مات عليها ولو مات على فراشه!.. اختر معي.. هل تحب أن تموت على الطاعة؟
إذن داوم عليها، اطلب من الله العون والثبات، فإن الله يفرح بعودتنا، فهلا رجعنا إليه تائبين عائدين.. هيا معي لنبدأ معًا حياةً جديدة، حياة ملؤها الطاعة والقرب من الله، هيا لنرى جنة الدنيا وجنة الآخرة.. هيا، أناديكم، فهل تلبون؟!
الموزانة بين الطاعات والواجبات.. الوقت لا يكفى
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة